أخبار وتقارير

مبادرة محلية لحماية التعليم في حلب

حلب— في قبو بناء مؤلف من ستة طوابق فرغت معظم بيوته من أهلها هرباً من الموت، يتكدس عشرات الطلاب في مساحة صغيرة لاتزيد عن 50 متراً تم تقسيمها بألواح خشبية لتحويلها إلى صفوف دراسية “أمنة” بعيداً عن القصف المستمر والبراميل المتفجرة.

قال سامر قربي، أب لطفلين في المرحلة الابتدائية، “نخشى من إرسال أطفالنا إلى المدارس بسبب قصف الطيران الحربي والبراميل المتفجرة، نريدهم أن يتعلموا لكننا بحاجة إلى مدارس أمنة.”

مؤخراً، تم إيقاف وتعليق الدوام في جميع مدارس حلب وريفها عدة مرات بسبب كثافة الغارات الجوية لطيران النظام، والتي أودت بحياة الكثير من الطلاب والمدرسين خلال الأعوام الثلاث الماضية.

وعلى الرغم من أن العثور على مدارس أمنة وسط دمار الحرب المستمرة منذ ما يقارب الخمس سنوات ليس بالأمر اليسير. يسعى مشروع “أمان” في جمعية فسحة أمل الخيرية إلى توفير ذلك عبر نقل المدارس إلى الأقبية والملاجئ بعد تأهيلها وتجهيزها.

قال محمد سامر، مسؤول المشروع، “نبحث ضمن مدينة حلب عن أقبية وملاجئ لنقل المدارس إليها لضمان استمرار العملية التعليمية في حدها الأدنى.”

تشرف الجمعية  حالياً على 12 مدرسة، تضم نحو 3.000 طالب في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية ونحو 145 معلم. تعتمد المدارس المناهج التعليمية المعدلة من قبل الإئتلاف السوري المعارض وتقدم الكتب المدرسية والقرطاسية بشكل مجاني للطلاب.

بالطبع، تعمل المدارس وسط ظروف غاية في الصعوبة. إذ تشهد مدينة حلب انقطاعات طويلة للتيار الكهربائي والمياه تستمر أحياناً لعدة أيام متواصلة، فضلاً عن صعوبة الاتصال بشبكة الإنترنت. كما تضرب البراميل المتفجرة الأبنية المدنية بصورة عشوائية مستمرة حاصدة عشرات الأرواح يومياً. في حين يبدو التنقل داخل المنطقة الواحدة أمراً صعباً يتطلب اجتياز العديد من نقاط التفتيش التابعة  للجماعات المتمردة المختلفة.

وكان الطيران الحربي التابع للنظام قد استهدف مدرسة ابتدائية في نيسان/ أبريل العام الماضي متسبباً في مقتل 17 طالباً لى الأقل واثنين من الأساتذة. كما قُتل 4 أطفال ومعلم في هجوم بالبراميل المتفجرة في أيار/ مايو الماضي في الوقت الذي كان يستعد فيه الطلاب للتقدم للامتحان.

في عام 2013، تم تأسيس جمعية فسحة أمل  من قبل مجموعة من المغتربين السوريين كأول جمعية إغاثية تعمل في المناطق المحررة من مدينة حلب. ومع تردي الواقع التعليمي في المناطق المسيطر عليها من قبل المعارضة السورية نتيجة نقص الكوادر التعليمية وتجهيزات المدارس، توجهت الجمعية مع العديد من الهيئات المدنية إلى العمل في قطاع التعليم.

قال سامر سريو، سوري مغترب في كندا وأحد مؤسسي الجمعية، “هزّنا مايحدث في ببلدنا وما يصيب أهلنا، لذا رغبنا بالمساعدة وتقديم كل مافي وسعنا لإغاثة المنكوبين”.

حتى الآن، تم تجهيز 7 أقبية لاستقبال الطلاب من الفئة الإبتدائية والإعدادية، وتتسع المدرسة الواحدة لخمسة صفوف تقريباً. كما يتم العمل على تجهيز 5 مدارس أخرى وسط الكثير من الصعوبات.

رجل وسط الأنقاض في مدينة حلب، فرانس برس/ وكالة غيتي.

قال محمد بكور، مدير مدرسة الحكمة، “لايوجد عدد كاف من المباني ذات الأقبية، كما أن عملية التجهيز وتوفير التهوية والصرف الصحي وصيانة الجدران وطليها تتطلب وقتاً وسهولة في الحركة والعمل وهذا غير متوفر دائماً بسبب الأوضاع الأمنية.”

يشعر المعلمون والطلاب بالأمان أكثر الأن، لكنهم يفتقدون البناء المدرسي التقليدي.

قال عمر، طالب في الصف الأول إعدادي، “هنا الوضع أكثر أماناً، لكننا نفتقد لبناء المدرسة وباحتها، لا يوجد بديل عن المدرسة وبنائها.”

من جهة أخرى، يسعى القائمون على جمعية فسحة أمل إلى تقديم أفضل أساليب التعليم ضمن الظروف المتاحة ليس فقط من ناحية تجهيز المدارس ولكن من ناحية تدريب المعلمين وتأهيلهم. فقبل بدء العام الدراسي، عقدت الجمعية عدة ورش تدريبية لتأهيل المعلمين خاصة وأن معظمهم لم يكمل دراسته الجامعية بسبب ظروف الحرب.

قالت زين ملاذي، مديرة مكتب العلاقات العامة في الجمعية، “يحتاج المعلم للدعم والمساندة أيضاً، لذلك تضمنت الورشات برنامجاً أكاديمياً وأخر تربوي بهدف مساعدة الأساتذة على التعامل مع الطلاب في ظل ظروف الحرب.”

وبحسب ملاذي، فقد افتتحت الجمعية مركزين، الأول خاص بتقديم المشورة للأمهات حول أفضل السبل للتعامل مع حالات الخوف والغضب التي تنتاب الكثير من الأطفال نتيجة ما يشهدونه من ويلات الحرب يومياً. والثاني يُعنى بتقديم الأنشطة الترفيهية للأطفال كالرسم والغناء والقراءة،إضافة إلى تعيين مشرف نفسي هذا العام في كل مدرسة.

قال أبو محمد، أستاذ العلوم للمرحلة الثانوية، “ساعدتنا الورشات على الإعداد للعام الجديد وتعلم أساليب تربوية جديدة للتعامل مع الطلاب داخل وخارج الصف.”

تستمر طموحات الجمعية، إذ تسعى للتوسع لتشمل مدارس أخرى والانتقال للعمل أيضاً في ريف مدينة حلب. قالت ملاذي “الميزانية والإمكانيات الحالية لا تكفي حالياً. نحن لا نعمل لنسدّ الحاجة فقط، بل لنصنع فارقاً. ورغم صغر حجم عملنا إلا أننا نسعى لأن يكون مؤثراً.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى