أخبار وتقارير

باحثة أردنية تدعو لمكافحة الآفات بالوسائل الطبيعية

عمان– تتميز لارا جابر بابتسامتها العريضة، فهي تبتسم طوال الوقت. قد تبدو ابتسامتها مفتعلة للبعض، لكنها بالفعل تنبع من قلبها.

بعد ملاحظة ابتسامتها، سيفطن أي محاور سريعاً لحسن بديهيتها وحدة ذكائها ورغبتها التلقائية في إقناع الآخرين بأهمية أبحاثها.

تقضي لارا أغلب الوقت في مختبرها في الجامعة الأردنية حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي. إذ تحذو حذو والدتها، نجاة جابر، التي كانت أيضاً باحثة زراعية في الجامعة الأردنية في السبعينيات، وكان المبنى وقتها لا يزال جديداً وبحاجة إلى الكثير من الاستعدادات ليكتمل تجهيزه. أما الآن تصطحب لارا والدتها في بعض الأحيان إلى المختبر، قالت نجاة ضاحكة “أساعدها في إجراء التجارب، وأقوم بدور أشبه بالاستشاري.”

تجري لارا تجاربها البحثية حول موضوع جديد في المنطقة يتعلق بالمكافحة الحيوية للآفات أو استخدام الكائنات الحية لمحاربة الآفات والأمراض التي تضر بالمحاصيل الزراعية. وفي الوقت الذي ينتشر فيه استخدام المكافحة البيولوجية في أوروبا وغيرها من أجزاء العالم في محاولة للحد من استخدام مبيدات الآفات الضارة، لم يجرب المزارعين في الأردن هذا المنهج بعد.

قالت لارا شارحة ذلك “نستخدم الوسائل الزراعية التقليدية في الأردن والتي تعتمد بشكل كامل على المواد الكيميائية لزيادة المحاصيل ومكافحة الآفات الزراعية.”

وتوضح لارا أن مثل هذه الممارسات بالإضافة إلى سوء الإدارة في استخدام الكيماويات في حد ذاتها يمكن أن تزيد من مقاومة الآفات لمثل هذه المبيدات.

لا تقتصر هذه المشكلة على الأردن وحدها. فقد أجرى خالد السعد، أستاذ مشارك في الكيمياء التحليلية بجامعة قطر أبحاثاً حول استخدام مبيدات الآفات في قطر ومخاطر تعرض المزارعين لهذه الكيماويات. وأوضحت نتائج الاستبيانات التي أجراها أن مجرد 2 في المئة فقط من المزارعين يعرفون نوع مبيد الحشرات الذي يستخدمونه. قال السعد “نحن على دراية بسوء استخدام المبيدات فالمزارعين يستخدمون هذه الكيماويات بدون وعي أو معرفة بآثارها السلبية.”

لا تشكل وسائل المكافحة البيولوجية أية أهمية ولا حتى لدى الجامعة. تشكو لارا من هذا الواقع، قالت “لا تعتبر محاضراتي من ضمن المحاضرات الإلزامية، ومن ثم فقد يتخرج بعد الطلاب من الجامعة دون أن يتعرفوا على مثل هذه الوسائل.”

تتلاشى ابتسامة لارا حين تصف المعركة الشاقة التي تخوضها لتؤخذ أبحاثها ومحاضراتها بمأخذ الجدية.

تجري لارا أبحاثها لاكتشاف نوع من الفطريات المفيدة كبديل لاستخدام العلاجات الكيميائية ضد الأمراض التي تسببها غيرها من الفطريات والبكتيريا، حيث يمكن بالفعل أن تقتل الفطريات المفيدة الفطريات الضارة ومن ثم تنتفي الحاجة إلى المبيدات. كما تجري لارا أيضاً تجاربها لاكتشاف ما إذا كانت نفس الفطريات النافعة يمكنها أن تقوم بدور الأسمدة بالإضافة إلى مكافحة الأمراض. فمن المثير للاهتمام أن العلماء قد لاحظوا بالفعل أن المحاصيل التي تمت معالجتها بهذه الفطريات قد زاد نموها واخضرارها. ومن ثم تسعى لارا لإجراء التجارب البحثية لقياس التأثير التخصيبي لهذه الفطريات.

تغلف لارا البذور بهذه الفطريات النافعة ثم تنبتها في تربة غير مثمرة. بعد ذلك تقيس لارا طول البرعم، والجذور وعدد أوراق النبات. وتقارن بين النباتات التي تنمو في هذه الظروف والبذور الأخرى التي تنمو بدون تغليفها بهذا النوع من الفطريات. وتختار لارا هذه البذور من بين المحاصيل المنتشرة في الأردن، مثل الملفوف، والقرنبيط، والطماطم، ولكن الفطريات تأتي من أوروبا. وهذا ما دفع بعض زملائها الباحثين لانتقاد أبحاثها، لأنهم يخشون من دخول بعض السلالات الأجنبية إلى مختبراتهم.

تؤمن لارا جابر بأن مكافحة الآفات بالوسائل البيولوجية سيكون له تأثير أقل ضرراً على البيئة في المنطقة مقارنة باستخدام المبيدات الكيميائية. ومن ثم، ترى أن تجاربها تعد خطوة هامة نحو تحقيق هذا الهدف.

تستخدم لارا سلالات أوروبية من هذه الفطريات لأنها جُربت واختُبرت من قبل وتم بالفعل تسويقها. باختصار، تم إثبات أنها آمنة في الاستخدام. قالت لارا “لا يفهم الكثير من الزملاء ذلك ويسألونني باستمرار لماذا لا استخدم السلالات المحلية. وأنا شخصياً أتمنى ذلك، لكن ذلك سيتطلب مني إجراء الكثير من الاختبارات أولاً.” ولا يتوفر لدى لارا التمويل الكافي أو التسهيلات اللازمة للقيام بهذه الاختبارات.

ومع تنقل لارا في مكتبها، من الصعب ألا تلاحظ التناسق والدقة في اختيار ألوان ملابسها وحجابها وحليها. وبالطبع لا يقل اهتمام لارا بكافة التفاصيل المتعلقة بأبحاثها عن هذا المستوى.

ولكن زملاءها كثيراً ما يقولون لها “نحن لسنا في أوروبا” مشيرين إلى الوقت الذي قضته في الدراسة في ألمانيا في منحة دراسية بالتعاون مع الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي DAAD. وتقول لارا إنهم يعاملونها كدخيلة عليهم.

قالت “بدلاً من مساعدتي، يبحثون دائماً عن أية مشكلة. ويزعمون أنني أهدد الأمن القومي.” وهذا ما تنفيه لارا بشدة وتقول أنه إذا ثبتت فعالية السلالات الأوروبية فسيمكن في يوم ما استخدامها في الحقول الزراعية الأردنية.

ويتفق مارك جوتيل، رئيس تحرير مجلة المكافحة الحيوية في العلوم والتكنولوجيا Biocontrol Science & Technology، مع لارا في كون أبحاثها لا تشكل أية خطورة. قال “فرصة حدوث أية مشكلة تكاد تكون منعدمة.”

يشرف جوتيل على أبحاث لارا. ففي 2010، أرسلت لارا له بريداً إلكترونياً تطلب منه العمل معه في مركز ليثبريدج للأبحاث في كندا. وكان وقتها على وشك التقاعد ولم يكن متحمساً لقبول طلاب جدد، ولكن من بين الكثير من الرسائل التي يتلقاها من الطلاب المتحمسين، لفتت رسالة لارا انتباهه.

قال جوتيل “لقد أجرت كافة الأبحاث التمهيدية. وقدمت مقترحاً بحثياً متكاملاً.” ففي العادة، يستقبل جوتيل الكثير من الطلاب الراغبين في الدراسة معه، ولكنه في النهاية يجد نفسه مضطراً أن يبحث لهم عن مهام ليقوموا بها. ولكن لارا أتت إليه بأفكار جاهزة ذات صلة وثيقة بما يقوم به من أبحاث في مختبره، قال “لهذه الأسباب تأثرت بطلبها.”

يبدي جوتيل ندمه بالفعل لعدم تمكنه من الاستعانة بها، ولكنهما لا يزالا على اتصال منذ ذلك الوقت، فقد تقابلا في العديد من المؤتمرات وتبادلا الرسائل الإلكترونية. وتتصل به لارا للاستعانة بنصائحه، وخصيصاً في الوقت الذي تتعرض فيه للنقض من محرري الدوريات العلمية التي تتقدم لها لتنشر أبحاثها. قال جوتيل “أحاول أن أدربها كيف تجيب على هذه الانتقادات.”

يرى جوتيل أنه قد يساء فهم سلوك لارا الحماسي من قبل البعض. قال “قد تبدو الباحثة حديثة التخرج التي تسعى طوال الوقت لنشر أبحاثها خطراً على زملائها أكثر من كونها عوناً لهم.”

تؤكد لارا أنها مصرة على استكمال مسيرتها في إجراء المزيد من الأبحاث وتعزيز استخدام  وسائل المكافحة الحيوية في المنطقة. وهي على ثقة من النجاح في النهاية. قالت “لدي مهمة لأنجزها. والأمر لا يتطلب أكثر من فكرة تلمع في ذهن شخص واحد ثم تستمر.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى