مقالات رأي

ليزا أندرسون: الجامعات أماكن تكفل حق الإختلاف

ينشر هذا الحوار بالتعاون مع مدى مصر.

تتنحى ليزا أندرسون، رئيسة الجامعة الأميركية في القاهرة، عن منصبها بنهاية هذا العام، لتنهي بذلك فترة ولايتها التي دامت خمس سنوات. قادت أندرسون واحدة من المؤسسات التعليمية المرموقة في مصر في وقت حرج تزامن مع أحداث الإضطرابات في مصر، والتي رافقها حدوث تغييرين حكوميين. قبل ترأسها للجامعة، شغلت أندرسون منصب عميدة الجامعة منذ العام 2008. وبصفتها متخصصة في العلوم السياسية، فقد حصلت أندرسون على شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا في عام 1981 لتشغل فيما بعد منصب عميدة كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا ورئيسة معهد الشرق الأوسط التابع للجامعة. في مصر، حرصت أندرسون على التعرف على رؤساء الجامعات الحكومية وسعت لإيجاد أرضية مشتركة تجمعهم معاً. تحدثت أندرسون، من مكتبها في حرم الجامعة الجديد في القاهرة، عن فترة ولايتها المثيرة للجدل وناقشت بعمق وضع الحرية الأكاديمية والبحث العلمي.

– لقد ترأست مؤسسة تعليمية كبرى في ظل أوقات حرجة للغاية في تاريخ مصر. فكيف تقيمين تجربتك؟

أصبحت رئيسة للجامعة في الأول من كانون الثاني/ يناير من عام 2011، وأنا فخورة حقاً بالطريقة التي سارت بها هذه المؤسسة في ظل تلك الأوقات شديدة التعقيد بالنسبة للجميع. أعتقد بأن مرونة وقدرة الناس بما في ذلك طلاب الجامعة الأميركية في القاهرة وأعضاء هيئة التدريس والموظفين فيها، قد خضعت للإختبار تماماً كما هو حال أي شخص آخر في البلاد. لكنني أعتقد بأن الأمر كان أكثر تعقيداً بالنسبة للجامعة الأميركية لأننا كنا قد إنتقلنا مؤخراً إلى الحرم الجامعي الجديد. العديد من أنظمتنا وروتيننا المعتاد لم يكن قد ترسخ بشكلٍ كامل قبل حلول شهر كانون الثاني/ يناير 2011.

كنا على علم بأننا كنا نفكر فيما يجري في مصر، وبأننا لم نكن منعزلين أو نعيش على جزيرة. كانت هنالك إضطرابات في الحرم الجامعي هنا تماماً كما كان يحدث في بقية أنحاء البلاد. ومن جميع النواحي، كان ذلك الأمر مهماً، لأنه كان سيبدو غريباً لو أن الحرم الجامعي لم يتأثر بالأمور التي تهم الناس. ولكنني أعتقد بأننا قد مررنا بذلك كله بطريقة حساسة ومدروسة، فقد كنا نصغي ونحن نبقي أعيننا مفتوحة، في الوقت ذاته، على حقيقة كون هذه المؤسسة مؤسسة تعليمية وبأنه ليس في الإمكان أن نتوقف فقط بسبب توقف أشياء أخرى. إعتاد الناس على ممازحتنا بشأن بدء الدراسة في الوقت الذي تنحى فيه مبارك، والجواب هو أننا في ذلك الوقت كنا نخطط في كيفية إعادة فتح الجامعة. وعندما رأينا الفرصة المناسبة قمنا بإستغلالها. كنا نعرف بأن لدينا فصل دراسي، وكنا نعرف بأن لدينا طلاب يعتمدون علينا، وأشخاص من المفترض أن يتخرجوا.

كان ذلك هو الهدف الرئيسي. نحن نثقف الناس، ونقوم بإجراء البحوث، ونقدم الخدمات وهذا ما كان يتعين علينا القيام به على طول الخط. ربما تكون الكيفية التي نفعل بها ذلك في أية لحظة قد تغيرت في حينها. حيث كانت تعتمد على ما إذا كان هنالك حظر للتجوال أم لا، وإذا ما كان الطلاب الأجانب سيأتون أم لا. ولكن وعلى طول الخط، كنا نعرف ما هي مهمتنا.

– لقد جئتم على ذكر الإضطرابات. وقد كان معظمها ضد إدارتك للجامعة. فكيف تعاملتم مع المسألة؟ 

أعتقد بأنه كانت هنالك بعض الفترات التي تخللت تلك السنوات الخمس حيث كانت هنالك إنقسامات عميقة. ومرة أخرى، لا يختلف ذلك عن المجتمع الذي نتواجد فيه. لم يكن هنالك إجماع طوال تلك السنوات الخمس على الإتجاه الذي يجب أن تأخذه البلاد، ولم يكن هنالك إجماع هنا في الحرم الجامعي أيضاً. عموماً، أعتقد بأن الغرض الرئيسي للمؤسسة هو الذي إنتصر. أحيانا يستعيض الناس عن كونهم غير راضين عن بعضهم البعض بالتعبير عن عدم رضاهم عن الإدارة وهذا جزء مما تتواجد الإدارة من أجله.

لذلك، أنا لا أعتقد بأن ما حصل كان أمراً غير عادي. كان من الضروري وجود طريقة ما لجعل تلك المناقشات بناءة، وقد كانت الطريقة الوحيدة للقيام بذلك تكمن في الإستماع للأشخاص الذين لا تتفقين معهم.

– قلت إن الجامعة الأميركية في القاهرة مكان للنقاشات وتبدين سعيدة بذلك. ولم يكن الوضع مشابها في الجامعات الحكومية، ويبدو بأن الحكومة لم تكن سعيدة بالحوار.

الجامعة الأميركية في القاهرة نموذج للكيفية التي يمكن أن يُدار بها الحوار. بالطبع هذا غير عادل بعض الشيء لأننا لا نمتلك سوى 7000 طالب وطالبة مقارنة بالربع مليون طالب، كما إنه نطاق مختلف. لذا أنا لا أفترض على الإطلاق تقديم المشورة لزملائي من رؤساء الجامعات الوطنية. وفي المقابل، نعم هذا صحيح فقد كنا مصرين جداً على كيفية القيام بذلك بشكل سلمي، وبأننا لم نكن لنلجأ لتسليم الناس للشرطة، ولن يكون لدينا رجال شرطة في الحرم الجامعي. فحرية التعبير هي الحجر الأساس للتعليم.

إن واحداً من أهم الأشياء التي يحتاج الناس لفهمها بشأن الجامعات هو أنه لكل شخص فيها الحق في أن يكون على خطأ، وإنك لن تتعلم ما لم تجازف في أن تكون مخطئاً. لا أحد في مجال البحث العلمي يمكن أن يفعل أي شيء ما لم يجرؤ على المخاطرة. أعتقد بأن جزءاً من المشكلة المتعلقة بمشهد التعليم العالي في جميع أنحاء المنطقة يتمثل في أن تكون الجامعات هي الأماكن التي يمكن للناس أن يجازفوا بأن يكونوا على خطأ فيها من دون أن يخاطروا بحياتهم أو حريتهم.

– ما هي الخطوات التي إتخذتها الجامعة الأميركية في القاهرة لتطوير البحوث في السنوات القليلة الماضية، وكيف تنظرون لواقع البحث العلمي بشكل عام في مصر والمنطقة؟

لدينا الكثير من التعاون خارج الجامعة الأميركية ونحن فخورون جداً بذلك. لدينا مرافق جيدة جداً. لدينا فرق بحث تشمل أشخاصاً من الجامعات الوطنية، وهنالك مؤسسات مختلفة تستخدم مرافقنا. لقد فعلنا الكثير لكي لا يركز أعضاء هيئة التدريس لدينا على إجراء البحوث فحسب. فمن أحد الجوانب المتعلقة بالأكاديميين هي أنهم يقومون بإجراء البحوث ونشرها معتقدين بأنها ستتحدث عن نفسها. في عالمنا الحديث لا شيء يتحدث عن نفسه. يجب عليك أن تنشره بشكل مقصود للجمهور إذا ما كان سيكون لذلك أي تأثير في التطور العلمي، وفي السياسة، أو في أي مجال. وهذا يعني بأن عليك أن تنشر بطريقة إستراتيجية. وعليك أن تفكر في المكان الذي ترغب في أن تظهر فيه، سواء أكنت بحاجة لأن تنشر في المجلات عالية الجودة أو أنك بحاجة لأن تنشر على الإنترنت بشكل أكبر لأنه سيكون أسهل في الوصول إليها. لقد شجعنا أعضاء هيئة التدريس لدينا ليكونوا أكثر وعياً بذاتهم وأكثر تخطيطاً ليس فيما يتعلق بالبحوث فحسب بل وبكيفية نشرها. أعتقد بأن هذا هو ما يتوجب على بقية أفراد المجتمع الأكاديمي في مصر أن يفكروا فيه.

من الواضح بأن أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الأميركية في القاهرة يستفيدون من حقيقة كونهم ينشرون باللغة الإنجليزية في العادة، وهي اللغة العلمية العالمية. التحدي بالنسبة للكثير من أعضاء هيئة التدريس هو هل تقوم بالنشر باللغة العربية لأنها اللغة في الوطن الأم، أم أنك ترغب في جمهور عالمي يمكنك من أجله أن تضحي بالجمهور المحلي. في كل من التعليم والبحوث، يعتبر الظهور جزءاً كبيراً من المشكلة في مصر. فإذا لم يكن البحث بارزاً، لن يتم تمويله، ولن يحصل الطلاب على الوظائف، ولن يحصل الباحثون على الدعم. 

– ماذا عن التعاون الأكاديمي بين المؤسسات الأكاديمية في مصر، وداخل المنطقة ككل بشكل عام؟

هنالك فرصة، على الأقل بالنسبة لبعض المؤسسات هنا في مصر، في أن نعمل معاً ونختار مجموعة من المجالات التي يكون العمل فيها مثيراً للإهتمام بشكل خاص أو لافت للنظر، وأن نتحدث عن التعليم والبحث العلمي في مصر. يمكنك إطلاق موقع إلكتروني، أو إصدار كتيب، أو توظيف طلاب دوليين والقيام بذلك معاً. دائماً ما ألجأ لإستخدام مثال جامعة الإسكندرية التي تمتلك برنامجاً يمنح درجة الماجستير في علم الآثار البحرية هو الأفضل من نوعه في العالم. لماذا لا نخرج على الملأ فقط ونتحدث عن ذلك؟ فلكل واحد منا زاوية صغيرة ما في ما نقوم به تكون حقاً مثيرة للإهتمام بشكل مذهل. لماذا لا نقوم بوضع قائمة بذلك، ونخرج إلى العالم ونقول: هل أنتم بحاجة للمزيد في علم الآثار البحرية؟ ههنا واحد من أكثر البرامج إثارة للإهتمام في العالم. إذا ما ألقيتم نظرة على مكتب رئيس جامعة الإسكندرية، قد لا يكون ذلك على رأس إهتماماته ، ولكن إذا ما كان الأمر كذلك، فإن ذلك سيكون عظيماً.

– في مثل هذه الفترات الإنتقالية، ما هي المسؤولية الإجتماعية للجامعات؟ وما الذي تقوم به الجامعة الأميركية في القاهرة بهذا الصدد، وكيف يجب على الجامعات أن تتحمل مسؤولياتها الإجتماعية؟

أعتقد بأن هنالك شعوراً واضحاً بأن أية جامعة لن تزدهر حقاً أو تكون ممتازة فعلاً إذا ما تم إبعادها عن المجتمع. فحتى منتصف القرن العشرين على الأقل، كانت هنالك رؤية منبثقة من تقاليد الرهبنة تفصل الجامعة عن المجتمع. لكن السؤال الآن هو: إذا ما كنت تعتقد بأن لديك مسؤولية تجاه المجتمع، فكيف ستبرهن ذلك؟ أعتقد بأن هذا سيكون متنوعاً، لكن بالنسبة للجامعة الأميركية في القاهرة كانت هناك عملية تعليم مستمر قوية، وقد تبين ذلك بطرق عديدة. فحتى في ذروة الإضطرابات في السنوات القليلة الماضية، تمكنا حرفياً من ضمان تسجيل عشرات الآلاف من الطلاب في دورات التعليم المستمر في اللغة الإنجليزية، والعمليات التجارية، وإدارة الموارد البشرية، وبرمجيات الكومبيوتر.

أعتقد بأن من بين الأمور التي بإمكان الجامعات القيام بها هو توفير هذا النوع من التدريب. يمكننا أيضا تشجيع طلابنا على المشاركة، في الحرم الجامعي أحياناً، وخارج الجامعة في أحيان أخرى. في الآونة الأخيرة بدأنا نفكر كثيراً بشأن تأثيرنا على الأحياء السكنية التي نتواجد فيها. نحن نمتلك بعضا من أكثر العقارات قيمة على هذا الكوكب لأنه يقع في وسط القاهرة. فكيف لنا أن نستغل ذلك؟

نحن نفكر في كيفية أن نكون جيراناً جيدين في وسط المدينة وكذلك في أنحاء القاهرة الجديدة، التي تختلف بشكل كبير. نريد من الناس الذين يعملون ويعيشون بالقرب منا أن يفكروا فينا كشيء ثمين.

– ما هي رسالتك الأخيرة لطلاب الجامعة الأميركية في القاهرة؟

أعتقد بأن طلاب الجامعة الأميركية في القاهرة محظوظون للغاية… خاصة أولئك الذين كانوا هنا خلال السنوات الخمس أو الست الماضية. لقد جئت من جامعة كولومبيا، وهي مؤسسة جيدة جداً وأنا مخلصة جداً لها، لكن التعليم الذي يتلقاه طلاب الجامعة الأميركية في القاهرة خلال السنوات الخمس أو الست الأخيرة أصبح لا نظير له. يعود ذلك جزئياً لما يجري في البلاد، وجزئياً بسبب إلتزام المؤسسة وأعضاء الهيئة التدريسية بضمان أن يحصل الطلاب على فرصة التعلم في خضم واحدة من أكثر الإضطرابات أهمية وإثارة للإهتمام في تاريخ البلاد.

يجب على الطلاب رد الجميل من خلال الإستمرار في الإلتزام الذي تحملوه في تلك الفترة من أجل تحسن البلاد. إذا ما إستطاع هذا الجيل التقدم، وفي غضون 20 عاماً يمكننا أن نقول بأن هذا هو ما فعلوه من أجل مصر، فإن ذلك سيكون رائعاً. سيكون ذلك بمثابة الهدية التي يمكن أن يقدموها لنا جميعا، نحن الذين كنا هنا لندير المؤسسة على مدى السنوات الخمس الماضية.

* تم تحرير هذا اللقاء بهدف الإيجاز والتوضيح. 

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى