مقالات رأي

طالبة في خضم الانتفاضة

هذه واحدة من سلسلة مقالات حول تجربة الكاتبة كطالبة.

كان فصلاً دراسياً متعباً. وأخيراً، انتهيت منه.

كان هذا الفصل الدراسي مختلفاً عن ما سبقه لسببين: أولاً، لكونه جاء بعد دراستي لفترة قصيرة في برلين. لقد كانت ألمانيا فرصة لي للاستراحة من السياسة والوضع المأساوي في فلسطين. كنت أتجنب الحديث عن فلسطين هناك. المرة الوحيدة التي اضطررت للحديث فيها عن الصراع مع إسرائيل كانت خلال محادثة قصيرة مع طالبة ألمانية سألتني من أين أنا.

فلسطين، كانت إجابتي

قالت: باكستان؟

قلت: لا، فلسطين.

قالت: لا أعرف فلسطين!

قلت: إنها محتلة من قبل إسرائيل.

قالت: أوه نعم، إسرائيل. أنا أعرف إسرائيل.

فلم أرد.

أما السبب الثاني وراء اعتقادي بأن هذا الفصل الدراسي مختلف، فقد كان بسبب تجدد أعمال العنف في إسرائيل وفلسطين والتي أطلق عليها الانتفاضة الثالثة.

قضيت الكثير من الوقت على هاتفي الخلوي لمتابعة الأخبار، من ست إلى سبع ساعات يومياً للتدقيق في الأخبار الواردة. كنت أشعر بالقلق في كل مرة أسمع فيها عن مقتل شخص يمكن أن أعرفه.

إلى أن حدث ذلك فعلاً.

ففي أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، عاد والدي إلى المنزل بعد العمل ليخبرنا بإصابة خالد جوابرة، 19 عاماً ابن عمي الذي عاش في شارعنا، بجروح خطيرة. بقيت عيناي معلقة على هاتفي الخلوي، راجية الله أن يحفظه. لكن صورته انتشرت على موقع الفيسبوك في المستشفى. لقد مات.

حاولت أن أكذب على نفسي ودخلت في مرحلة إنكار. لكن كل المساجد في المخيم بدأت بالدعاء له كشهيد. فقدت القدرة على الكلام ولم أكن قادرة على القيام بأي شئ سوى البكاء. بكيت حزناً على شبابه الضائع ووالدته المكلومة.

ترك خالد المدرسة الثانوية بعد وفاة أبيه لإعالة أسرته. كان عامل بناء وعضو في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكثيراً ما تظاهر احتجاجاً على السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

انتشرت صور خالد في كل مكان على الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى. ولم أكن قادرة على إخراجهم من ذهني ولو للحظة.

في ذلك الوقت، كنت أستعد لاجتماع منتصف الفصل الفصل الدراسي لمناقشة مشروعي الكبير، وهو فيلم عن التغييرات في وسائل الإعلام الفلسطينية بعد الصراع بين فتح وحماس في عام 2007. كان الاجتماع فرصتي للاستماع إلى مداخلات للمشروع المقرر في نيسان/ أبريل.

كنت قد سأمت من السياسة: الصراع بين إسرائيل وفلسطين، والصراع بين حماس وفتح. كنت متعبة من سماع الأخبار ومشاهدة مقاطع الفيديو، ورؤية صور القتلى وأحبائهم الحزانى لأجلهم. تعبت من رائحة الغاز المسيل للدموع خلال اشتباكات الطلاب والجنود الإسرائيليين.

جاء أدائي ضعيفاً في الاجتماع. فعوضاً عن المشاركة في المناقشة، بقيت صامتة معظم الوقت. وحتى عندما توجهوا لي بالأسئلة، كانت إجاباتي متخبطة.

لاحقاً، وبسبب اكتئابي من ضعف أدائي، قررت إغلاق حساب الفيسبوك الخاص بي للابتعاد عن الأخبار.

https://www.bue.edu.eg/

لكن ذلك لم ينجح. فعمليات القتل وإلقاء القنابل المسيلة للدموع ليست افتراضية، إنها تحدث في مدرستي ومجتمعي، في عقر داري. لم أكن في حاجة لمتابعة الأخبار لأعلم أن الأمور سيئة. لا يمكنني فصل نفسي عن الواقع.

في عالم لا يعرف فيه طلاب الجامعات شيئأ عن فلسطين، يعرفون المحتلين وليس البلد الواقع تحت الاحتلال، أبقى على قيد الحياة عاطفياً مكررة ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى