مقالات رأي

برقية من معرض القاهرة الدولي للكتاب

بدأت الدورة الـ47 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب يوم الأربعاء الموافق 27 كانون الثاني/ يناير وسوف تستمر حتى العاشر من شهر شباط/ / فبراير. وبوصفه ملتقى تاريخياً وواحداً من أكبر معارض الكتاب في أفريقيا والشرق الأوسط، فإن هذا الحدث هو المكان الذي يمكن فيه جس نبض الحياة الأدبية والثقافية في مصر والمنطقة.

لا يُعتبر معرض القاهرة حدثاً لتواصل الناشرين، كما هو حال معرض فرانكفورت للكتاب، بل فرصة يجد فيها الأفراد والمؤسسات الكتب الجديدة بأفضل الأسعار. العديد من المشترين هم من الطلاب وأساتذة الجامعات ومديرين الجامعات الباحثين عن اقتناء الكتب المدرسية المعتمدة والمراجع. عند منفذ الهيئة المصرية العامة للكتاب، الناشر الحكومي الذي يُصدر وبأسعار منخفضة للغاية مئات الطبعات، الخالية من الرتوش، من الكتب الكلاسيكية وكتب التاريخ، وعلم الإجتماع، والتحليل الأدبي، لدرجة أن الموظفين بالكاد يتمكنون من إبقاء الرفوف ممتلئة بالكتب. أدخلت وزارة التضامن الإجتماعي هذا العام أيضاً مبادرة تتيح للأسر المصرية الأقل ثراءاً إستخدام بطاقات دعم المواد الغذائية الخاصة بهم لشراء بعض الكتب مع خصم على الأسعار يقارب الـ90 في المئة.

كما أن المعرض، بالنسبة للكثيرين، يُعتبر أيضاً فرصة لنزهة ممتعة وغير مكلفة. فبحلول أواخر فترة ما بعد الظهيرة، تكتظ الشوارع المحيطة بأرض المعارض في ضاحية مدينة نصر بحركة المرور، والأسر التي تحمل الطعام معها والقادمة بهدف التنزه في المساحات الخضراء بين أكشاك بيع الكتب والإستماع للحفلات الموسيقية المسائية المجانية.

عنوان المعرض هذا العام هو “الثقافة في المواجهة” – وخطوط المواجهة التي يتضمنها ذلك تعني الحملة التي تشهدها البلاد حالياً على الحزب الإسلامي المخلوع والمحظور لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك الصراع العسكري مع الجماعات الإرهابية التي تجري بشكل أساس في شبه جزيرة سيناء.

كما يحتفي المعرض أيضا بذكرى الكاتب المصري جمال الغيطاني، الذي وافته المنية في عام 2015. حيث كانت مجموعة أعمال الغيطاني – بما في ذلك رواياته الشهيرة الزيني بركات، والتي تقع أحداثها في القاهرة في القرون الوسطى وتستند إلى أبحاث واسعة النطاق في المحفوظات أجراها المؤلف بنفسه – من ضمن الإصدارات الجديدة للمعرض.

للمعرض برنامج حافل من الحوارات والحلقات الدراسية، على الرغم من كون الموقع الإلكتروني للمعرض غير فعال ومن الصعب جداً العثور على البرنامج. فعندما زرت المعرض في يومه الثاني سلمني أحد الموظفين في المركز الإعلامي البرنامج وكأنه مادة مهربة، حيث قال “لا تسمحي لأي أحد برؤيته.”

من عناوين المعرض لهذا العام. تصوير: أورسولا ليندسي

حضرت حلقة نقاش لكتاب جديد من تأليف حافظ شمس الدين، أستاذ الجيولوجيا بجامعة عين شمس، بعنوان “التفكير العلمي وصناعة المعرفة”. يرسم الأستاذ شمس الدين صورة قاتمة عن صناعة المعرفة في مصر والمنطقة، حيث قال إنها تتخلف كثيراً عن الغرب وناقش كون مصر “دولة معلومات” وليست “دولة معرفة” وأن ذلك يؤدي إلى انعدام الإستقلال على المستوى الوطني والفردي على حدٍ سواء. قال “أولئك الذين لا يعرفون يتبعون أولئك العارفين.”

إتفق متحدثون آخرون مع ذلك. “يجب على الأساتذة أن يسألوا أنفسهم، ليس عن الكيفية التي أشرفوا بها على مئات الإطروحات، بل عما أضافوه بذلك لعالم المعرفة”، ولكن وبالنسبة لنقاش عن التفكير العلمي، فإن المناقشة كانت قاصرة بشكل ملحوظ فيما يخص الإحصاءات ومقترحات السياسات المحددة. دعا أحد المشاركين في النقاش إلى النقد الذاتي الحاد، فيما طالب آخر بالديموقراطية والشفافية. وعندما فتح باب النقاش للجمهور الحاضر، أدان أحدهم المجتمع المصري “الرجعي والمتعلق بالخرافات”، وأدان آخر الحكومة “الرجعية والإستبدادية”. فيما قال أستاذُ شارك في النقاش إن المشكلة لا تكمن في غياب إجراء البحوث، بل في أنه عندما تكون هنالك بحوث فإنها لا تدخل حيز التنفيذ.

طوال اليومين التاليين، لم أحضر المزيد من حلقات النقاش، بل إكتفيت بالتجول في أرجاء المعرض المزدحم. من الشكاوي الشائعة هنا أن الناس لا تقرأ بما فيه الكفاية وأن الكتاب والناشرين بالكاد يحصلون على لقمة عيشهم: وعادة ما تطبع الكتب في طبعات تتراوح بين 500 و1000 نسخة. كما يُلقى باللوم أيضاً على إرتفاع معدلات الأمية، وقلة الدخل المتاح، ونظام التعليم الذي لا يكرس حب القراءة. مع ذلك فإن معرض الكتاب ينقل حيوية الحياة الثقافية هناك. فخلال العقد الأخير على الأقل، كان هنالك إهتمام متجدد ومتواصل بالأدب، مع كتاب شباب إنبروا لإستكشاف أنماط أدبية جديدة (مثل الخيال العلمي، وقصص الجرائم، والشعر المكتوب باللهجات المحلية) ومساعدة الروايات الأكثر مبيعاً في تحويل مؤلفيها إلى شخصيات عامة شهيرة.

كرس العديد من الناشرين الذين تحدثت إليهم جزءاً كبيراً من منشوراتهم للكتب المترجمة إلى العربية – وهو ما لا أذكر بأنه كان بمثل هذا الإتساع في السنوات السابقة. فمنذ أكثر من عقد من الزمن، دق تقرير التنمية البشرية العربية ناقوس الخطر منبهاً من قلة الترجمة من وإلى اللغة العربية؛ ومنذ ذلك الحين، تم إطلاق العديد من المبادرات لمعالجة هذه الفجوة. ترجم المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية ما يقرُب من 200 عنوان جديد العام الماضي، كما أخبرني موظفو المركز – ويبيع في العموم 20.000 كتاب في معرض الكتاب لوحده. فيما تركز مكتبة التنمية الخاصة، التي أفتتحت قبل 5 سنوات، على الترجمة إلى اللغة العربية بشكلٍ حصري تقريباً. حيث أخبرني خالد لطفي، صاحب المكتبة، بأنه كانت لديهم قائمة من 500 كتاب جديد العام الماضي. في مجال الكتب العلمية، تُباع كتب ستيفن هوكينج بشكل جيد، بحسب لطفي، وفي مجال الأدب، يتقدم جورج أورويل.

كما بدأ الناشرون أيضاً بتبني التقنيات الحديثة. قال أشرف جلال، مدير التسويق في دار النشر للجامعات، إن دار النشر التي يعمل لصالحها تعمل الآن لجعل المئات من كتبها المرجعية والدراسات الأكاديمية مُتاحة للتحميل على الهواتف النقالة من خلال إشتراك سنوي. قال جلال “إن ذلك أرخص بكثير من شراء الكتب، لكن يتوجب علينا مواكبة روح العصر.”

يقول منظمو المعرض هذا العام إنهم قد استقطبوا 850 دار نشر من 34 دولة. تجمع الناشرون من الدول العربية في قاعة واحدة كبيرة؛ حيث أن توزيع الكتب بين الدول العربية منخفض، بسبب البيروقراطية والرقابة، مما يجعل المعرض من الأماكن الوحيدة التي يُمكن للمرء فيها أن يستعرض العديد من العناوين من مختلف أنحاء المنطقة. في الخارج، يتجمع باعة الكتب المستعملة، الذين إنتقلوا بشكل مؤقت إلى المعرض من أكشاكهم المعتادة في حدائق سور الأزبكية، ليعرضوا بضاعتهم. وأمام الجناح الصيني (الذي يضم سقف معبد بوذي متعدد الأدوار ويعرض قواميس اللغة الصينية والكتب المتعلقة بالصين والمترجمة للغة العربية) إصطف الناس في طابور لإلتقاط الصور مع صورة مقصوصة لجاكي شان.

كالعادة، كان هنالك ذلك الإمتداد الواسع من الكتب الدينية المعروضة، على الرغم من أنه قد يكون من الصعب الآن العثور على الكتب التي ألفها بعض السياسيين الإسلاميين. ففي العام الماضي، كانت هنالك تقارير تشير إلى أن كتب الشيخ يوسف القرضاوي، المقيم في قطر والمؤيد القوي لجماعة الإخوان المسلمين، وكتب سيد قطب، الكاتب الإسلامي والمنظّر الذي ترأس الجماعة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، قد تمت إزالتها من أكشاك بيع الكتب.

من معرض القاهرة الدولي للكتاب، تصوير أورسولا ليندسي.

غالباً ما يتميز معرض الكتاب بشيء صغير يثير الضجة – كتصريح جريء لأحد المفكرين، أو كتاب جديد مثير للجدل. إلا إن المعرض يبدو، وعلى الرغم من كونه مزدحماً هذا العام كما هو الحال دائما، أكثر هدوءاً اليوم. ويتلاءم هذا مع الجو العام في البلاد، التي أصبحت تحت قيادة العسكري والرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر قمعاً بالنسبة لحرية التعبير، سواء بالنسبة للناشطين، أو الصحفيين، أو الأكاديميين، أو الكتاب.

أخذت قسطاً من الراحة جالسة في إحدى الخيام الكبيرة التي تقدم الشاي، والقهوة، والشيشة، مع مجموعة من الكتاب المحليين. “كانت السنة التي أعقبت تخلصنا من الإخوان المسلمين عظيمة،” أخبرني أحد الروائيين المصريين، مشيراً إلى معرض الكتاب الذي انعقد في عام 2014، ” شعرنا بالحرية. لكننا الآن نشعر بالإحباط. إن الوضع أسوأ من حكم الإخوان.”

تحدث إنتهاكات جديدة لحرية التعبير كل يوم تقريباً. ففي كانون الأول – ديسمبر، تم إعتقال الصحفي والباحث إسماعيل الإسكندراني، المتخصص في الشؤون الأمنية في سيناء، عند وصوله إلى مطار الغردقة. في 31 كانون الثاني/ يناير، تم منع الشاعر عمر حاذق من المغادرة إلى هولندا، حيث كان من المقرر أن يحصل على جائزة بين PEN الدولية لحرية التعبير من منظمة “أوكسفام نوفيب”. كما تم منع الباحث المصري الألماني عاطف بطرس من دخول البلاد يوم 29 كانون الثاني/ يناير. يحاضر بطرس في جامعة ماربورغ، وهو مؤسس منظمة غير حكومية تهدف لتقديم خدمات ثقافية وتعليمية للمصريين الفقراء. وفي هذا الشهر، سيمثل الكاتب أحمد ناجي أمام المحكمة للمرة الثانية بتهمة البذاءة والإساءة للآداب العامة بسبب دعوى قدمها أحد القراء المندهشين ومدع عام محافظ بسبب بضعة مشاهد جنسية صريحة في رواية ناجي “استخدام الحياة”.

كما تعرض مبنى دار ميريت للنشر، وهي دار مستقلة، لمداهمة شرطة المصنفات الفنية في نهاية كانون الثاني/ يناير. وتسلم الناشر محمد هاشم – الذي ساهم في إخراج أعمال العديد من المواهب الجديدة والذي كان له تواجد صاخب في حركات الإحتجاج في البلاد – قائمة بضرائب متراكمة قدرها مليوني جنيه مصري. يقول هاشم إن القائمة بمثابة “إنتقام” بسبب نشاطه السياسي. قال “إنهم يريدون إغلاق باب النقاش العام.”
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى