أخبار وتقارير

دراسات جديدة: إسفنج المياه العربية لعلاج السرطان

الدوحة– في المياه الضحلة غير البعيدة عن الأرصفة البحرية التي تعج بالقوارب الشراعية في الدوحة، يخوض فهد الجمالي بحثاً عن مستعمرات حيوان الإسفنج ليأخذ منها العينات. تنمو مستعمرات الإسفنج بوفرة إلى الجنوب من المدينة، على أرض صخرية صلدة من مناطق الشعاب المرجانية.

ينظر الكثير من الباحثين حول العالم، تماماً مثل الجمالي، إلى الإسفنج كمصدر محتمل لإنتاج عقاقير مضادة للسرطان. ولأن الإسفنج يستخدم دفاعات كيميائية بدل الأصداف والمخالب من أجل البقاء، فإنه يعتبر غنياً بفرص الإستخدامات الصيدلانية.

بعد جمع العينات، سيتوجه الجمالي، الأستاذ المساعد في كلية الآداب والعلوم بجامعة قطر، إلى مختبره. في الواقع، ليس نسيج الإسفنج بذاته هو المكسب، بل الجراثيم التي تسكن فيه.

قال الجمالي “تعيش أنواع كثيرة من البكتريا داخل الإسفنج، فضلا عن أنواع أخرى من الفطريات والطحالب الدقيقة جداً.”

يُعتبر الإسفنج، على الرغم من إفتقاره للقلوب والعقول، من الحيوانات في واقع الأمر. كما يُعتبر تطورياً من أقدم الحيوانات متعددة الخلايا التي لا تزال موجودة إلى اليوم. ومعظم أنواع الإسفنج غير متحركة وتتشبث بالصخور الصلبة.

تجعل عدم قدرة الإسفنج على الحركة منه عرضة للحيوانات المفترسة، وتجذب الميكروبات إليه. يعتقد علماء الأحياء الآن بأن الكائنات الحية الدقيقة المقيمة في الإسفنج، وليس بالضرورة الإسفنج بذاته، قد تنتج السموم التي تساعد على حماية الإسفنج من الحيوانات المفترسة.

حقق الباحثون بعض النجاح في الماضي في مجال إستخدام المركبات الطبيعية لوقف نمو الخلايا السرطانية. ويُعتبر عقار التاكسول واحداً من أكثر الأمثلة التي يتم الإستشهاد بها بصورة عامة. قال كريستوفر تويلفز، أستاذ مادة الأورام وعلم أدوية السرطان السريري في جامعة ليدز، “لقد تم إستخلاصه من شجرة الطقسوس بالمحيط الهادي، ولا يزال العقار الوحيد الأكثر أهمية في علاج السرطان.”

ما أن تصبح البلدان أكثر ثراءاً، حتى تتغير أسباب وفاة شعوبها نحو أمراضٍ مختلفة – حيث تنتقل من الأمراض المعدية إلى الأمراض غير المعدية. ولا يُعتبر العالم العربي إستثناءاُ – لاسيما بسبب شيوع التدخين. ففي هذه المنطقة، تزداد أعداد الناس الذين يعيشون ليصلوا إلى مرحلة عمرية يكونون فيها أكثر عرضة للإصابة بالسرطان. فبعد البحث عن المركبات المضادة للسرطان على البر، تحول التركيز العلمي الآن للبحار. قال تويلفز “تغطي المياه معظم الأرض، ولم يتم إستكشاف الموارد البحرية بشكل جيد.”

ساعد تويلفز في إجراء واحدة من أولى التجارب البشرية لعقار سرطان إسمه يوندليس Yondelis، والذي تم إستخلاصه في الأصل من مواد كيميائية مستمدة من بخاخات البحر، وهي حيوانات تعيش على العوالق وغيرها من المخلفات التي يقوم بتصفيتها من المياه.

كما يقوم الجمالي أيضاً، مع زملاء آخرين، بجمع عينات من مواقع مثل البحر الأحمر، على أمل العثور على المزيد من هذه المواد الكيميائية المضادة للسرطان.

وبالرجوع إلى المختبر، تُغمر أنسجة الإسفنج التي جمعها الجمالي في مذيبات من قبيل الميثانول أو الإيثانول للمساعدة في إستخراج المستخلصات الكيميائية. ثم يتم إختبار هذه المواد ضد خطوط الخلايا السرطانية المزروعة في المختبر.

تُعتبر بعض المركبات سامة لجميع أنواع الخلايا السرطانية؛ والبعض الآخر أكثر إنتقائية.

إذا ما أظهرت أي من هذه المواد المستخلصة بشارة في إبطاء، أو وقف، أو قتل الخلايا السرطانية، فإن المرحلة الثانية تتمثل في تحديد المركب المسؤول عن ذلك ضمن المستخلص وفصله.

في الوقت الراهن، لا يزال الجمالي يختبر المركبات على الخلايا، لكن وفي نهاية المطاف، إذا ما أظهرت المركبات إمكانات قوية، سينتقل لإختبارها على الحيوانات ومن ثم البشر. لكن هذه العملية، بحسب الجمالي، يُمكن أن تستغرق ما يزيد عن عقد من الزمن، وستكلف تكاليف كبيرة – وهذا ما يُرجح حاجته إلى شريك يعمل في مجال صناعة العقاقير.

يتمثّل التحدي الرئيسي، بحسب تويلفز، في تكثيف تركيز المركبات لما يكفيها لمحاربة أمراض السرطان التي تصيب الإنسان. قال تويلفز “بالنسبة لبعض المركبات، فإنك بحاجة لقطعة كبيرة شاملة من الإسفنج للحصول على إنبوب إختبار واحد فقط.”

هنالك عدد قليل من الخيارات. الخيار الأول هو محاولة زراعة الإسفنج، لكن من الممكن أن تثبت عدم كفاءة ذلك. الخيار الثاني هو زراعة الميكروبات التي تفرز هذه المركبات، لكن يمكن أن يكون هناك تحدي الحصول على الظروف المناسبة للبكتريا التي إعتادت النمو في مستعمرات الإسفنج. أما الخيار الثالث فهو تصنيع ذلك العقار.

لكن من الممكن أن يكون إنتاج تلك الجزيئات العضوية المعقدة في المختبر صعباً. قال تويلفز “حتى بوجود تقنيات علم الكيمياء الحديثة، فمن الممكن أن يستغرق التصنيع وقتاً طويلاُ.”

قد يستغرق ذلك سنوات طويلة من المحاولة والخطأ قبل أن يشعر المرضى بفوائد خوض الجمالي في مياه قطر الدافئة، لكن الباحثين يقولون بإن مثل هذه الإستكشافات البحرية أمر يستحق البحث ويمكن أن ينقذ العديد من الأرواح في المستقبل.

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى