مقالات رأي

مقتل جوليو ريغيني: إعتداء على الحرية الأكاديمية

تم نشر المقال أولاً باللغة الإنجليزية على موقع The Conversation، وتمت ترجمته للعربية وإعادة نشره وفق القواعد الواجبة. 

تم العثور على جثة جوليو ريغيني في حفرة في القاهرة في الثاني من شهر شباط/ فبراير، وقد بدت عليها آثار تعذيب، وموت بطيء ومروّع. كان جوليو يدرس سعياً للحصول على شهادة الدكتوراه من جامعة كامبريدج، وكان يجري أبحاثاً حول تشكيل نقابات عمالية مستقلة في مصر ما بعد عهد الرئيس مبارك. ليس هنالك من شك في أن عمله كان من الممكن أن يكون مهماً للغاية في مجال تخصصه، وكان هنالك عمل في إنتظاره بصفته باحثاً مهماً في المنطقة.

كان جوليو، الذي ينحدر بالأصل من فيوميتشيلّو في شمال شرق إيطاليا، يتمتع بخلفية وآفاق دولية قوية. فعندما كان مراهقاً، حصل على منحة دراسية سمحت له بقضاء عامين تكوينيين في كليات العالم المتحد في نيو مكسيكو. وقد كان شغوفاً بمصر على وجه الخصوص. وقبل البدء ببحث الدكتوراه الخاص به، أمضى ريغيني وقتا في القاهرة يعمل لحساب منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو). وفي سن الثامنة والعشرين، وقف بآماله وأحلامه الكبيرة، وإلتزم بمتابعة مهنة من شأنها أن تساعده في أن يكون ذو تأثير في هذا العالم، المكان البائس الذي تسبب بوفاته.

كل من عمل معه وقضى برفقته بعض الوقت يشعر اليوم بالحزن – لكن وقبل كل شيء، نحن غاضبون بسبب طريقة وفاته. فبينما القتل والتعذيب من الأمور المثيرة للقلق بطبيعة الحال – إلا إن لحالة جوليو أيضاً آثار أوسع بكثير بالنسبة للتعليم العالي في المملكة المتحدة وخارجها.

فقد عززت الجامعات البريطانية، ومنذ فترة طويلة، توجهاً خارجياً ومنظوراً دولياً. وقد كان ذلك واضحاً في القوة الثابتة لدراسات المنطقة منذ منتصف القرن العشرين. إن حقيقة كون الأكاديميين من الجامعات البريطانية قد أنتجوا أبحاثاً متطورة حول العديد من المناطق في العالم عامل مهم في التأثير والمكانة التي يتمتع بها نظام التعليم العالي هناك.

وبهدف تنفيذ هذه البحوث، قامت أجيال من العلماء بتنفيذ عمل ميداني في بلدان أخرى، وغالباً في ظل أنظمة سياسية شمولية أو إضطرابات إجتماعية جعلت منها أماكن خطرة للدراسة. لقد أجريتُ مثل تلك البحوث في البيرو في تسعينيات القرن الماضي، حيث عملت هناك بينما كانت البلاد محكومة من قبل الحكومة الإستبدادية لألبرتو فوجيموري.

وفضلاً عن هذا التقليد في مجال البحوث، فقد أصبحت الجامعات وعلى نحو متزايد دولية في مظهرها وتركيبها. حيث تحضر أعداد كبيرة من الطلاب الأجانب فصولها الدراسية، ويعتبر وجودهم أمراً بالغ الأهمية لجعل الحرم الجامعي أكثر حيوية وتنوعاً.

يعتبر مقتل جوليو تحدياً واضحاً ومباشراً لهذه الثقافة، وأمراً يتطلب إستجابة. فإذا ما كان باحثونا – لاسيما علماء الأجتماع – سيواصلون إنتاج بحوث ذات منظور دولي، فإنهم سيحتاجون للقيام بعمل ميداني دولي. وبطبيعة الحالة، سيتضمن ذلك في بعض الأحيان العمل في قضايا صعبة في البلدان المضطربة وغير المستقرة.

بكل وضوح، فإن على الجامعات واجب رعاية طلابها وموظفيها. ويمارس هذا العمل عادة من خلال لجان أخلاقيات المهنة، والذي يعني عملها توفير رعاية أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي لضمان إدارة المخاطر بشكل مناسب. مع ذلك، هنالك مخاطر من الممكن لإدارة المخاطر بشكل مفرط معها أن تؤثر على قدرة الباحثين على القيام بعملهم، مما يجعل القيام ببعض البحوث الهامة وذات التأثير الكبير مستحيلا بكل بساطة.

حان وقت العمل:

ليس في الإمكان حماية الباحثين من جميع المخاطر، لكن لا يجب أن يواجه أي باحث خطر العنف خارج نطاق القانون من قبل السلطات. فإذا ما بقيت الجامعات ذات تركيز دولي وتطلعات للخارج، فعلينا أن نمارس واجبنا في رعاية طلابنا وزملائنا عندما يعملون في بلدان أخرى.

لكن، هنالك حدود لما يُمكن للمؤسسات الأكاديمية أن تقوم به بنفسها. لذا، فمن الأهمية بمكان أن تثير الحكومات قضايا مثل قضية جوليو، وتدفع بقوة من أجل تحقيقات متكاملة وأن ينال المسؤولون عن ذلك حسابهم.

أعلنت السلطات الإيطالية والمصرية البدء بتحقيق مشترك فيما حدث لجوليو، لكن لدى الحكومة البريطانية أيضا المسؤولية في تقديم البيانات الخاصة بهذا الغرض. ومن شأن ذلك أن يبعث برسالة مفادها إن أي سوء معاملة يتعرض له الطلاب والباحثون من الجامعات البريطانية على يد السلطات لن يتم التسامح معه.

سيتم تعميم عريضة بهذا الشأن، وسيقوم أصدقاء جوليو وزملاؤه بحملة حول هذه القضية في الأيام والأسابيع المقبلة.

يشكل مقتل جوليو ريغيني تحدياً مباشراً للحرية الأكاديمية، التي تمثل ركيزة من ركائز نظام تعليمنا العالي. إنه واحد فقط من بين العديد من العلماء الذين قد يجدون أنفسهم في خطر محدق. وفي حين إن ما حدث له لا يزال غير واضح، فإننا نعلم بأن آخرين غيره قد تم إعتقالهم بشكل تعسفي وتعرضوا لسوء المعاملة في مصر. وكمجتمع باحثين وكمجتمع، يتحتم علينا أن نكافح، لحمايتهم وزملائهم الذين يدرسون في أماكن خطرة حول العالم.

* نيل بايبر، رئيس مشارك في جامعة كوفنتري.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى