مقالات رأي

تقرير جديد: فجوة رقمية رغم توسع الإعلام على شبكة الإنترنت

يوفر تقرير جديد أصدرته جامعة نورث وسترن في قطر رؤى نافذة البصيرة ومهمة على مشهد صناعة الإعلام في الشرق الأوسط، التي تتطور وتتنوع بوتيرة متسارعة، مع إرتفاع إستخدام الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي. في الوقت ذاته، تبقى الخصوصية، وقوانين التنظيم، وحرية التعبير أسئلة مثيرة للجدل بشكل عميق.

يعتبر التقرير، كحال تقارير أخرى موجهة بشكل رئيسي لإستخدام وسائل إعلام المستهلك، من ثمار جهود جامعة نورث وسترن للتغلب على حواجز البحث في وسائل الإعلام. حيث ترسي هذه التقارير الأساس لكل من مناقشة السياسات العامة والبحثية حول مستقبل وسائل الإعلام في المنطقة.

يركز التقرير المتعلق بصناعة وسائل الإعلام في المنطقة على خمسة دول على وجه الخصوص هي: قطر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ولبنان، ومصر. ويقدر حجم سوق الإعلان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحوالي 5.5 مليار دولار أميركي، مع ذهاب حصة الأسد من ذلك للتلفزيون، المصدر الأكثر شيوعاً والأكثر ثقة للمعلومات والترفيه. وتتواجد في المنطقة 50 مليون أسرة تمتلك جهاز تلفزيون مع فضاء تهيمن عليه القنوات التلفازية الفضائية – والتي بلغ عددها 724 قناة في عام 2014. وقد شهدت برامج المواهب، والواقع والمسابقات طفرة هائلة في النمو، على حساب الأخبار والبرامج الوثائقية. ولا تزال صناعة السينما العربية مرنة، وتشهد صناعة المشاهد السينمائية المستقلة ذات الميزانية الصغيرة حركة فعالة على نحو متزايد.

كما تعتبر المنطقة أيضاً واحدة من أسرع أسواق الإنترنت نمواً في العالم. حيث قفز عدد مستخدمي الإنترنت من 68 مليون مستخدم عام 2010 إلى 123 مليون عام 2015. لكن التقرير يلاحظ وجود “فجوة رقمية ملموسة في جميع أنحاء المنطقة”، مع إنتشار الإنترنت في دول مجلس التعاون الخليجي بمستويات مماثلة أو مقاربة لتلك الموجودة في الدول المتقدمة، في حين تتأخر أجزاء من شمال أفريقيا عن ذلك بكثير. كما أن معدل إنتشار الهواتف الذكية في دول مجلس التعاون الخليجي واحد من أعلى المعدلات في العالم (إذ تتصدر المملكة العربية السعودية العالم في نسب مشاهدة موقع اليوتيوب على الهاتف الجوال). ولكن الحال ليس كذلك في أماكن أخرى. في عام 2014، قدر البنك الدولي بأن ما نسبته 60 في المئة من الناس في الجزائر، وجيبوتي، والمغرب، وسوريا، وتونس، واليمن “لا يستطيعون الوصول إلى خدمات الشبكات واسعة النطاق الثابتة والمنتقلة أو إحداهما.”

كما لم تحقق العديد من وسائل الإعلام التقليدية بعد الإستفادة الكاملة من الإمكانيات الرقمية، ولا يزال المحتوى العربي واحداً من أقل اللغات تمثيلاً على الإنترنت من حيث حصتها من المواقع في العالم. لكن العالم العربي يحتضن وسائل التواصل الإجتماعي بروح الثأر: فالعرب ممثلون بشكل جيد من خلال أعلى الصفحات على موقع الفيسبوك، وحسابات التويتر، وقنوات اليوتيوب في العالم.

وتكمن المشكلة التي تواجه دراسة وتطور وسائل الإعلام في المنطقة في صعوبة الحصول على أرقام موثقة فضلاً عن تطبيق القوانين. حيث أن أرقام تداول الصحف والمجلات يتم التبليغ عنها ذاتياً من تلك المؤسسات، ويعتقد وعلى نطاق واسع بأنها مبالغ فيها. ولا يوجد نظام مقبول لقياس الجمهور بالنسبة للمستمعين لقنوات الراديو. وتشهد صناعة الموسيقى معوقات بسبب إنتشار ظاهرة التحميل غير المشروع.

قال إيفرت دينيس، عميد جامعة نورث وسترن في قطر، إن جمع البيانات والحصول على الأذونات لإجراء البحوث لم يكن سهلاً. تعاقدت الجامعة مع شركة مونيتور ديلويت للإستشارات بهدف تنفيذ العمل الميداني. كما ساهمت نورث وسترن ومؤسسة الدوحة للأفلام – شريك الجامعة في المشروع – في بناء العلاقات القائمة. قال دينيس “لقد تم بناء مستوى من الثقة” مع شركات وسائل الإعلام في المنطقة. وقد كانت طلبات الحصول على المعلومات اللازمة تتم وجها لوجه، وعقدت الجامعة عشاء ومناقشة في دبي مع قادة الصناعة في هذا المجال، شرحوا من خلاله الغرض من المشروع. وقد ساعد ذلك الجامعة في الدفع قدماً لتحقيق هدفها في خلق مواهب من الإعلاميين المحترفين في المنطقة، لكن في إمكان ذلك أن يكون أيضا “خدمة لقطاع الصناعة، والأوساط الأكاديمية، والجمهور”، بحسب السيد دينيس.

أنشأت جامعة نورث وسترن فرعها في قطر عام 2008، وهي تمنح درجات البكالوريوس في الإعلام والإتصالات. وتعد واحدة من عدة جامعات أميركية مرموقة إفتتحت فروعا لها في الدوحة. وقد ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” مؤخرا بأن الإمارة تدفع أكثر من 400 مليون دولار أميركي سنوياً لدعم عملها.

بدأت جامعة نورث وسترن في قطر إجراء مسوحات لعادات، وسلوك، وتفضيلات مستخدمي وسائل الإعلام في الشرق الأوسط في عام 2013، وقامت بتكرار ذلك سنوياً منذ ذلك الحين. بدأ المشروع عندما كان مسؤولي الجامعة يتطلعون للحصول على الدراسات الميدانية الموجودة حالياً، ووجدوا بأن “تلك البيانات غير كافية وقديمة للغاية لذا شمرنا عن سواعدنا قائلين، “لنقم بذلك بأنفسنا”، بحسب دينيس. وسيصدر التقرير الرابع في السلسلة في نيسان/أبريل المقبل.

ومن بين القضايا التي يسلط التقرير الضوء عليها مسألة الرقابة والتنظيم المتزايد الذي تخضع له وسائل الإعلام، فكلما تزايدت أعداد المواطنين الذين يتواصلون عبر الإنترنت، كلما زادت الأنظمة في المنطقة من قدرات مراقبة الإنترنت وسنت قوانين صارمة لأمن المعلومات والتي من الممكن أن تؤدي لملاحقات قضائية بسبب تصريحات يتم الإدلاء بها على وسائل التواصل الإجتماعي.

من المثير للإهتمام، أن المواطنين يبدو وكأنهم يدعمون التنظيم المتزايد لإستخدام الإنترنت. فقد تراوحت نسب أولئك الذين وافقوا على عبارة “يجب أن يكون إستخدام الإنترنت في بلدي أكثر إحكاماً في تنظيمه مما هو عليه الآن” بين 39 في المئة في تونس وحتى 66 في المئة في المملكة العربية السعودية. كما شكل الموافقون على تلك العبارة الأغلبية أيضا في لبنان، وقطر، ومصر، والإمارات العربية المتحدة. لكن وفي كل البلاد عدا قطر، عبرت الغالبية العظمى (89 في المئة في المملكة العربية السعودية و75 في المئة في مصر) عن مخاوفهم حيال الخصوصية والتي أدت لتغيير طريقة إستخدامهم لوسائل التواصل الإجتماعي. فيما كان السعوديون الأكثر قلقا حيال مراقبة الحكومة والشركات لما يقومون به على الإنترنت. ومن خلال إستعراض البيانات، قال دينيس إن هذه التقارير تقدم “أرضية لمناقشة هذه القضايا المثيرة للجدل بشكل كبير.”

يركز المسح الذي تم إجراؤه على صناعة الإعلام على عائدات الإعلانات ونصيبها في السوق، لكنه أثار تساؤلات أوسع حول الجدوى الإقتصادية لبعض أشكال وسائل الإعلام في المنطقة والغرض الأساسي منها. وخلص التقرير إلى أن هناك تركيز قوي من قبل مالكي وسائل الإعلام على التلفزيون، والصحف، والراديو. كما أن قدراً كبيراً من وسائل الإعلام لا تزال مملوكة للحكومة، فيما تمتلك القنوات الخاصة في كثيرٍ من الأحيان علاقات قوية مع الأحزاب أو الأسر الحاكمة.

ساهم الكاتب رامي خوري، كبير باحثي دراسات السياسة العامة في معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، في أحد التحليلات الواردة في التقرير، حيث كتب “لا يزال الدور الرئيسي للصحف مثل حاملي لواء نخب السلطة السياسية الحالية.” ولكن نموذج عمل الصحف يتعرض للإشكالات في الشرق الأوسط كما هو الحال في أماكن أخرى في العالم، بحسب ما قال خوري للفنار للإعلام، مشيراً إلى إعلان إثنتين من الصحف اللبنانية التاريخية مؤخراً عن خطط للإغلاق أو التحول إلى صحف رقمية بشكل كامل.

وبالمثل، كتب داوود كتّاب، المدير العام لشبكة الإعلام المجتمعي وأستاذ الصحافة السابق بجامعة برينستون، بأن الحكومات العربية ومنذ وقتٍ طويل قد “ركزت بث الإذاعات من العاصمة، تاركة جميع المجتمعات الأخرى على الطرف المتلقي للإذاعة بدلاً من إنخراطهم معهاً. وبدلا من أن يصبح الراديو صوت من لا صوت لهم، فقد تحول لأداة للدعاية الحكومية.” واليوم “يشهد الراديو عبر الإنترنت إنتشاراً في بلدان مثل مصر، والتي لا تزال تفرض حظراً على أي شكل من أشكال البث المباشر FM من قبل أي طرف عدا الحكومة أو حفنة من رجال الأعمال الموالين للحكومة،” بحسب السيد كتّاب، الذي يفترض أن في إمكان الإذاعة المحلية (والبودكاست) يوماً ما أن تكون “الحل المثالي للعديد من المشاكل التي تواجه العالم العربي.”

قال دينيس “في الواقع، إن الإضطراب الوشيك الذي ستتعرض له وسائل الإعلام التقليدية بسبب التكنولوجيا الحديثة من الأسئلة البحثية الأكثر إثارة لإهتمام الباحثين للعمل على معالجتها.”

تشهد المنطقة “تدفقاً للأفكار والمعرفة في إتجاهين متعارضين، حيث يزداد خروج وسائل الإعلام عن سيطرة الحكومة، ويعبر الناس عن أنفسهم بشكل أكثر صراحة من قبل. “وليس هذا بالأمر الجيد عندما تضع الحكومات مواطنيها في السجن بسبب تغريدة على موقع تويتر،” بحسب خوري، في إشارة إلى حكم بالإدانة صدر مؤخراً في المملكة العربية السعودية. لكن خوري يعتقد بأن محاولات تقييد حرية التعبير على الإنترنت محكوم عليها بالفشل، حيث قال “بالتأكيد، ترغب الحكومات في السيطرة على الأمور لكنها لن تكون قادرة على القيام بذلك، فليست وسائل الإعلام هي التي يريدون السيطرة عليها في الواقع، بل عقول الناس.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى