أخبار وتقارير

حملة تركية لتكميم أفواه الأساتذة المعارضين

بدأت تركيا موجة من التحقيقات الجنائية، والإعتقالات، والفصل لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات في ما يبدو وكأنه أكبر حملة على الأكاديميين منذ عقود. ففي الأسبوع الماضي، قضت محكمة في إسطنبول بسجن ثلاثة أساتذة للإشتباه فيهم بالترويج “لدعاية إرهابية”.

تأتي هذه التحركات في أعقاب عريضة، وقعت في البداية من قبل 1128 من الأكاديميين، وتم إعلانها في مؤتمر صحفي عُقد في إسطنبول في الحادي عشر من كانون الثاني/ يناير. لاحقاً، وقع أكثر من 1000 أكاديمي على العريضة التي تدين العمليات الأمنية التي تشنها الحكومة ضد المقاتلين الأكراد في جنوب شرق تركيا بسبب الآثار الكارثية على السكان المدنيين من الأكراد.

في منطقة لا تشتهر بكونها معقلاً للحرية الأكاديمية، نالت تركيا سمعة في كونها دولة تترك الأكاديميين لمتابعة إهتماماتهم على إنفراد، على الأقل مقارنة بجيرانها من العرب. وقد إنتقل العديد من الطلاب العرب وحتى أعضاء هيئة التدريس للمؤسسات التركية في السنوات الأخيرة، لكن الحملة الأخيرة من الممكن أن تقلل من الجاذبية الأكاديميةللبلاد.

في تموز/ يوليو الماضي، استأنفت السلطات التركية الهجمات ضد المقاتلين الأكراد لتنهي بذلك عامين من مفاوضات التهدئة والسلام. فمنذ بداية هذا العام، إزدادت الهجمات الحكومية على أهداف كردية في بلدات ومدن جنوب شرق تركيا. تقول العريضة “لن نكون طرفاً في هذه الجريمة”، وتدعو لإستئناف محادثات السلام مع الجماعة المسلحة الرئيسية، حزب العمال الكردستاني المحظور (PKK). لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رد على ذلك من خلال تشويه صورة الأكاديميين في خمسة خطابات على الأقل، متوعداً إياهم بدفع ثمن “خيانتهم”.

وبالإضافة إلى الباحثين الثلاثة الذين تم وضعهم في الحبس الإحتياطي، فقد تم فصل ما لا يقل عن 30 أكاديمياً آخراً، وتوقيف 27 آخرين عن العمل في جامعاتهم على ذمة التحقيق، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، وهي منظمة تتخذ من نيويورك مقراً لها.

وتفيد التقارير بأن المدعين العامين واللجان التأديبية الجامعية في 89 مؤسسة على الأقل في أرجاء تركيا تحقق مع المئات غيرهم للإشتباه في قيامهم بالترويج “لدعاية إرهابية” و”إهانة الدولة التركية أو مؤسسات الدولة”. كما تعرض عدد من الأساتذة للإحتجاز المؤقت بهدف الإستجواب، أو تفتيش مكاتبهم ومصادرة أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم في بعض الأحيان.

قال روبرت كوين، مدير شبكة علماء في خطر، “إن ما يجري مثير للقلق للغاية”.

تساعد مجموعة شبكة علماء في خطر، ومقرها جامعة نيويورك، العلماء الذين يتعرضون للإضطهاد بسبب التعبير عن أفكارهم في جميع أنحاء العالم. قال كوين “من الممكن للتشكيك في ولائهم للدولة أن يؤثر على النقاش المفتوح للأفكار.”

تعرض عدد من أعضاء هيئة التدريس الموقعين على العريضة للإدانة والتهديد أحياناً على مواقع التواصل الإجتماعي. وتعرض بعضهم لزيارات تخويف في مكاتبهم في الحرم الجامعي من قبل مجموعات من الطلاب اليمينيين، بحسب لامي برتان توكوزلو، الأستاذ المساعد للقانون الدستوري وحقوق الإنسان بجامعة إسطنبول بيلجي.

يعتقد توكوزلو، الذي تحدث إلى الفنار للإعلام عبر الهاتف من إسطنبول، أن الحملة واسعة ولها تأثير سلبي على رغبة الباحثين في التحدث عن القضايا الحساسة. قال “ليس هذا بالتطور الجيد بالنسبة لتركيا.”

بعد عشرة أيام من إصدار العريضة في كانون الثاني/ يناير والتي أثارت الحملة، وقعت مجموعة من المنظمات الأكاديمية الوطنية والدولية خطاب إهتمام للرئيس التركي. وعدت المجموعات، التي تضم رابطة الجامعات الأوروبية، ومؤتمرات العمداء الألمان والبولنديين، الحملة إنتهاكاً للحرية الأكاديمية.

في داخل تركيا، يبدو أن هناك مناخاً من الخوف. حيث تحدث عدد قليل جداً من الأفراد والمجموعات الأكاديمية دفاعاً عن الأكاديميين المستهدفين. إذ يحرص مجلس التعليم العالي القوي في البلاد، والذي يشرف على نظام التعليم العالي في تركيا، على التأكد من أن جميع القيادات الجامعية تدعم سياسة الحكومة، لاسيما فيما يتعلق بالقضايا الأمنية. وقد دفع المجلس، المعروف إختصاراً بالحروف التركية YÖK، كلاً من الجامعات الحكومية والمؤسسات “الخاصة” الأحدث تأسيساً، للتحقيق مع أولئك الذين وقعوا على العريضة.

تأتي هذه الإعتقالات في وقت تتزايد فيه الإضطرابات داخل وخارج حدود تركيا على حد سواء. فقد هزت الحرب في سوريا إستقرار الحدود الجنوبية لتركيا ودفعت بنحو مليونين ونصف المليون لاجئ بإتجاه تركيا. وشهدت المدينتين الرئيسيتين في تركيا، إسطنبول والعاصمة أنقرة، خمسة تفجيرات إرهابية دامية في الأشهر الخمسة الماضية، حيث نسبت تلك التفجيرات لجماعات كردية وتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية.

وجاء إعتقال الأكاديميين الثلاث بعد يوم من وصف الرئيس أردوغان لتوسيع تعريف الإرهاب، حيث قال إنه ليس هنالك فرق بين “إرهابي يحمل بندقية أو قنبلة وأولئك الذين يستخدمون مواقعهم وأقلامهم لخدمة أهداف الإرهابيين”.

وأضاف أردوغان بأن ذلك من الممكن أن يكون صحافياً، أو مشرعاً قانونياً، أو ناشطاً. وجاءت تصريحاته بعد يوم من هجوم بقنبلة إستهدف العاصمة التركية أنقرة وأدى لمقتل 37 شخصاً. وبحسب العديد من المراقبين، فإن قمع الأكاديميين جزء من تحركات أوسع للرئيس أردوغان تهدف لإخماد الإنتقادات لسياسات الحكومة وتقييد الحريات في البلاد. كما تم سجن عدد من الصحفيين في الأشهر الأخيرة، وفي وقت سابق من هذا الشهر، استولت الحكومة على مكاتب صحيفة زمان المعارضة، والتي تعد ثاني أكبر صحيفة في البلاد.

قال مصطفى ميناوي، الأستاذ المساعد ومدير مبادرة الدراسات العثمانية والتركية بجامعة كورنيل في نيويورك، إن التحركات الأخيرة ضد الحرية الأكاديمية في تركيا قد جوبهت بإحتجاجات من الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن ليس حتى هذا الحين، لأن الغرب يركز على تحالفه مع تركيا لمواجهة متطرفي الدولة الإسلامية، ولم تلبث أوروبا أن تفاوضت حول إتفاق مثير للجدل ستقوم تركيا بموجبه بإعادة اللاجئين السوريين الذين يحاولون الفرار إلى اليونان في محاولة لوقف موجة اللاجئين المتجهين صوب أوروبا الغربية.

قال ميناوي “أساساً، الأكاديميين [الأتراك] عالقين في هذه اللعبة الجيوسياسية.”

والأكاديميين الثلاثة الذين تم حبسهم إحتياطياً هم كيفانج أرسوي، ومظفر كايا، وإسراء مونغان. يدرس أرسوي في قسم الرياضيات بجامعة المعمار سنان، فيما تدرس مونغان في قسم علم النفس بجامعة بوغازيتشي. وتعرض كايا للطرد مؤخراً من قسم العمل الإجتماعي بجامعة نيشانتاشي بسبب توقيعه للعريضة.

بدورها ،قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان لها “إن سجن دعاة السلام الذين إنتقدوا سياسة الحكومة لا يستخف بالمعايير الدولية فحسب، بل إنه لن يفعل شيئاً في سبيل منع الإرهاب أو تحقيق العدالة لضحايا تفجير أنقرة.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى