أخبار وتقارير

تونس: قانون استهلاك المخدرات يقضي على مستقبل الطلاب

تونس— يواجه الشباب التونسي أوقاتاً صعبة منذ قيام الثورة. ويعاني كثيرون من الاكتئاب بسبب غياب الأفق بمستقبل أفضل يضمن لهم فرص للعمل، إذ لم يعد الالتحاق بالجامعة طريقاً مضموناً للحصول على عمل. واليوم، يواجه الطلاب مشكلة أخرى تتعلق بقوانين تحاكمهم بالسجن بسبب تعاطي الحشيش.

“لم أكن أعلم أن تناول الزطلة (الحشيش) ممنوع وعقوبته الحبس. أصدقائي قالوا لي أن الحشيش ليس كالهيروين. صدقتهم فخسرت مستقبلي،” هكذا اختصرت سناء، طالبة السنة الأولى في كلية العلوم قصتها مع تعاطي الحشيش.

قبل نحو شهرين، ألقت الشرطة التونسية القبض على خمسة طلاب جامعيين، من ضمنهم سناء وطالبة أخرى، بتهمة تعاطي المخدرات. أنكر بعض الطلاب تناولهم للمخدرات، لكن تحاليل الدم أثبتت ذلك وتم الحكم عليهم بالسجن لمدة عام.

قال أحد أولياء أمور الطلاب المحكومين بالسجن، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه، “القانون جائر ويقضي على مستقبل الشباب، الذين ما زالوا صغاراً في السن ويحتاجون لرعاية وتوعية. يجب محاسبة المروجين وليس الطلاب.”

بحسب القانون التونسي، يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام وغرامة مالية ما بين ألف إلى ثلاثة آلاف دينار (1,500 دولار أميركي)، كل من استهلك نباتاً أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونياً. ويعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام، وغرامة مالية من ألف إلى خمسة آلاف دينار (2,500 دولار أميركي)، كل من تردد على مكان أُعد لاستهلاك المخدرات.

قال غازي مرابط، محامي عدد من الطلاب الذين تم إيقافهم مؤخراً، “لابد أن تتحرك إدارة الجامعات ومنظمات المجتمع المدني لنشر الوعي وإنهاء القانون الجائر الذي يحطم مستقبل الطلاب ويبعدهم عن مقاعد الدراسة،” مشيراً إلى عدم تمكن الطلاب لاحقاً من استئناف دراستهم بسبب الوصمة الإجتماعية التي تلاحقهم إضافة إلى صعبوة العثور على عمل بسبب سجنهم.

في أذار/ مارس 2014، انطلقت مبادرة أهلية ضمت فنانين ومحامين وأطباء ونشطاء في المجتمع المدني مطالبة بتعديل القوانين التي تشمل استهلاك المخدرات، وباستبدال عقوبة السجن بعقوبات علاجية وإصلاحية. حملت المبادرة اسم “السجين 52” في إشارة إلى القانون 52 الصادر عام 1992 الخاص بقضايا تعاطي المخدرات والذي لم يطرأ عليه أي تغيير منذ 24 عاماً.

قال مرابط “كل الأرقام الرسمية تدفع نحو مراجعة القانون باستبدال العقوبة السالبة للحرية لمتعاطي الحشيش بالتأهيل النفسي والخدمة للصالح العام.”

تشهد تونس ارتفاعاً واضحاً منذ عام 2011 في أعداد المتعاطين خاصة في صفوف الشباب. إذ تقدّر نسبة مستهلكي المخدرات في صفوف المراهقين والشباب بـ57 في المئة لدى الذين أعمارهم بين 13 و18 عاماً، وبـ36.2 في المئة لدى الذين أعمارهم بين 18 و25 عاماً، بحسب دراسة أصدرتها خلية علوم الإجرام في مركز الدراسات التشريعية والقضائية الحكومي في تونس العام الماضي.

تتنوع الأسباب التي تدفع الشباب التونسي لتعاطي المخدرات بإختلاف أنواعها. قال حبيب تريعة، طبيب في علم النفس والاجتماع ومختص في المعالجة من الادمان، “الإحباط وغياب الرؤية بمستقبل أفضل بسبب البطالة وصعوبة الانخراط في سوق العمل تدفع بالكثير من الشباب إلى الإدمان بحثاً عن لحظات من السعادة الوهمية.”

ولا تزال مشكلة البطالة عصية على الحل في تونس بعد خمسة أعوام من الثورة، إذ بلغ عدد العاطلين عن العمل في تونس نحو 420 ألف شخص بينهم نحو 240 ألفاً من حاملي الشهادات العليا في عام 2015، علما بأن الفئة العمرية الأكثر تضرراً بالبطالة تتراوح بين 15 و29 عاماً بحسب إحصاءات وزارة التشغيل التونسية. ( إقرأ القصة ذات الصلة أيضاً: شباب تونس بلا عمل أو أمل).

مع ذلك، يعتقد بعض الطلاب أن الدافع وراء تعاطي المخدرات يرتبط بحياتهم الدراسية بشكل أو بأخر.

قال معاذ الحجري، طالب ماجستير في علوم الأرض والحياة وزميل للطلاب الذين تم الحكم عليهم بالسجن، “يعاني الكثير من الطلاب من ظروف مادية صعبة وعدم توفر السكن الجامعي والمنح الجامعية تدفع عدد منهم إلى محاولة سرقة لحظات من المتعة من خلال المخدرات.” مؤكداً أن زميلاته وزملاؤه الذين تمت محاكمتهم لم يكونوا يوماً من ذوي السلوك السئ في الجامعة.

قال “تعاطي الحشيش منتشر بين الطلاب ولا يوجد أي تحرك توعوي بمضاره وعقوبته داخل الجامعة.”

https://www.bue.edu.eg/

تتفق أماني ساسي، طالبة بكلية الحقوق مع الحجيري حول غياب التوعية داخل الجامعات التونسية. قالت “لا يقوم الأساتذة أو إدارة الجامعة بأي دور توعوي أو تثقيفي للطلاب. ليست المرة الأولى التي يلقى فيها القبض على طلاب بتهمة التعاطي ولن تكون الأخيرة.” مشيرة إلى المخدرات ليست الظاهرة السلبية الوحيدة التي يعاني منها الطالب. قالت “كشفت تقارير عديدة عن انخراط أعداد كبيرة من طلاب الجامعات في الجماعات الإرهابية. لا يوجد اهتمام حقيقي بالشباب، معظمنا محبط ومتشائم.”

تعد الزطلة (الحشيش) أكثر المواد المخدرة استهلاكاً بنسبة 92 في المئة، بحسب الدراسة  الحكومية، يليها الكوكايين ثم الهيرويين وذلك نظراً لسعرها المنخفض الذي يتراوح بين 2 إلى 20 دولار أمريكي فضلاً عن سهولة تناولها.

قال أحمد، أحد الطلاب المحكوم عليهم بالسجن، “اعترفت بتناول الحشيش خلال التحقيق، فأنا لم أكن أعلم أنه ممنوع قانونياً لكونه رخيص الثمن ومتوفر.” موضحاً أنه تعاطى الحشيش لرغبته بتجاوز ظروفه حياته الصعبة. قال “كنت بحاجة إلى ما يساعدني على تقبل واقعي ويمنحني السعادة ولو للحظات.”

يذكر أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بتعديل القانون بما يخدم مصلحة الشباب التونسي. وعلى الرغم من إعلان وزارة العدل مؤخراً عن إصدارها لنسخة القانون معدلة إلا أنه لم تتم حتى الآن المصادقة عليه في مجلس النواب.

قال مرابط ” الوضع يتفاقم وسياسة العقاب لم تجد. لابد من نشر الوعي وتغيير القانون.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى