أخبار وتقارير

مصر: رحلة شاقة للطلاب لاستكمال تعليمهم من خلف القضبان

القاهرة— بجلباب أبيض تملأه بقع صفراء وغطاء مماثل للشعر، تخرج آلاء نصر، 26 عاماً، من زنزانتها في سجن القناطر شمال القاهرة مع أربعة من زميلاتها الساعة الثامنة صباحاً لتأدية امتحاناتها الجامعية في قسم للشرطة يبعد ساعة ونصف عن سجنها.

ألاء واحدة من مئات الطالبات والطلاب المصريين الذين يحاولون استكمال دراستهم الجامعية خلال فترة سجنهم وسط ظروف أمنية ونفسية ومعيشية غاية في الصعوبة.

في عربة الترحيلات، تسترجع آلاء وزميلاتها دروسهن وسط حراسة أمنية مشددة من خمسة جنود وضابط يتولون مراقبتهن طيلة فترة خروجهن الاستثنائي. في إحدى غرف قسم الشرطة، تجلس الطالبات السجينات بانتظار توزيع أسئلة الامتحان من قبل أستاذة جامعية أوفدتها الجامعة لمراقبتهن خلال الامتحان.

قالت آلاء “الغرفة معتمة جداً ورائحة الرطوبة فيها لا تطاق، نظرات الضباط اللائمة والشامتة كانت تشعرني بالقهر.”

العام الماضي، حكم على ألاء و78 طالباً وطالبة أخرين بالسجن لفترة تتراوح بين عام وسبع سنوات بتهمة إشعال النيران داخل أحد مباني كلية التجارة في جامعة الأزهر الحكومية، وإثارة الشغب، والتظاهر دون تصريح.

قالت ألاء، التي كانت تدرس في السنة الثانية في الكلية عند اعتقالها، “سعيت لتجاوز مرحلة الاكتئاب التي أصابتني بعد صدور الحكم بالاصرار على استكمال دراستي مع زميلاتي. كنا محظوظات لكون دراستنا نظرية، زميلاتنا في الكليات العلمية لم يسمحن لهن بحضور الامتحانات نظراً لكون الامتحانات العملية تجري في الكلية وليس في قسم الشرطة.”

بحسب القانون المصري، يسمح للطلاب المسجونين بإستكمال دراستهم الجامعية لكن بعد سلسلة من الإجراءات الروتينية الطويلة التي تتطلب موافقة إدارة السجون والجامعة أيضاً.

قال مختار منير، المحامي في مؤسسة حرية الفكر والتعبير، “تستغرق إجراءات الحصول على موافقة النيابة العامة ومن ثم الجامعة وقتاً طويلاً. كما أن القانون لم يحدد أساليب تطبيق حق المسجون بالتعليم مما يفتح الباب أمام تعنت الأجهزة الأمنية.” موضحاً أن هناك نوع من العرقلة التعسفية في إدخال الكتب الدراسية إلى الطلاب المعتقلين، وخلال إنهاء الأوراق والإجراءات اللازمة لدخولهم الامتحانات، بالإضافة إلى تعنت إدارات بعض الكليات والجامعات المصرية التي ترفض دون سبب واضح إجراء امتحانات الطلاب المسجونين.

وبحسب دراسة لمؤسسة حرية الفكر والتعبير الجامعة تحت الحصار ، فقد تم إلقاء القبض على 761 طالب خلال العام الدراسي 2014 -2015. بينما خضع  523 لعقوبة الفصل من الجامعة أو الحرمان من تأدية الامتحانات دون المثول أمام مجالس تأديبية عادلة ومنصفة. كما يحرم عدد من طلاب الجامعات من أداء امتحاناتهم نتيجة تعرضهم للإخفاء القسري عقب اعتقالهم تعسفياً من قبل قوات الأمن، بحسب تقرير صادر عن مرصد طلاب حرية الحقوقي. إذ يتعرض هؤلاء الطلاب لعدد من الانتهاكات في آن واحد باعتقالهم دون تصريح مسبب، وإخفائهم قسرياً، ثم حرمانهم من حقهم في أداء امتحاناتهم، وهو ما يمثل انتهاكًا لقوانين الدستور المصري والمواثيق الدولية.

خلال فترة سجنها التي استمرت لعام و3 شهور، زارت ألاء مكتبة السجن أربع مرات فقط.

قالت “لا تحتوي المكتبة على الكثير من الكتب، معظمها قديمة ولا تلبي اهتمامات الكثيرات. كما أن إدارة السجن لا تسمح لنا بزيارة المكتبة والدراسة فيها إلا بصعوبة.”

لم تكن الدراسة في زنزانة لا تزيد مساحتها عن ستة أمتار وتضم 30 سجينة أمراً سهلاً. قالت ألاء “كنت أتقاسم سرير بعرض 80 سم من زميلة لي، لا يوجد مكان لوضع كتبي أو حتى ملابسي وغالباً ما كنت أضطر للدراسة ليلاً بعد نوم زميلاتي لحاجتي للهدوء والتركيز.”

يتعرض الطلاب المسجونين الذكور لمضايقات أكبر.

إذ حكم على ياسين محمود، 24 عاماً طالب بكلية التربية قسم كيمياء وطبيعة في جامعة الأزهر، بالحبس ثلاث سنوات بتهمة التظاهر داخل جامعته. وعلى الرغم من مرور عامين على حبسه، إلا أنه لم يتمكن من إستكمال دراسته الجامعية من داخل السجن لرفض طلبه من قبل جامعته.

https://www.bue.edu.eg/

قال أحمد محمود، الشقيق الأكبر لياسين “كانت الإجراءات مجحفة جداً وغير واضحة أو مفهومة.”

بعد محاولات كثيرة وبدعم من أسرته، حصل ياسين على موافقة الجامعة لكن إدارة السجن رفضت إدخال الكتب الجامعية إليه. حاول مراسلنا زيارة ياسين في سجنه، لكن الطلب قوبل بالرفض. إذ لا يسمح لغير الأقارب من الدرجة الأولى بزيارته.

العام الماضي، أطلق مرصد طلاب الحرية مبادرة بعنوان”الامتحان حقي” للمطالبة بحق الطلاب المعتقلين في أداء امتحاناتهم وعدم عرقلة الإجراءات اللازمة لذلك. لكن لا يبدو أن الحملة، التي تتهم بإنها مدعومة من قبل جماعة الإخوان المسلمين، قد حققت النجاح المرجو.

ينفي أحمد الديب، المدير التنفيذي للمرصد، تبعية المرصد لجماعة الإخوان المسلمين. قال “غالبية الطلاب المسجونين الذين ندافع عن حقهم بالتعليم متهمون بالانتماء للإخوان المسلمين، لكننا في الواقع لا نتبع أي فصيل وندافع عن حقوق الطلاب المساجين بالمطلق.”

تسبب هذا الاتهام بإضعاف حملة المرصد كما يعتقد الديب. قال “إدارة الفريق والشباب المتطوعيين ليس لهم نشاط سياسي، لكن دفاعنا عن حقوق طلاب الإخوان المسلمين جعل فاعلية الحركة محدودة نتيجة المضايقات الأمنية المستمرة لعمل المتطوعيين والمحاميين المسئوليين عن قضايا الطلبة.”

لا يرفض حسن مهدي الأستاذ الجامعي بكلية الهندسة في جامعة عين شمس، فكرة تأدية الطلاب المسجونين لامتحاناتهم داخل كلياتهم لكنه يرفض إدخال الأساتذة الجامعيين في القضية. قال “ليست مهمة الأستاذ التدخل في مواضيع قانونية بالدرجة الأولى، في حال وافقت إدارة الجامعة على السماح لهم فلا أعتقد أن أحد من الأساتذة سيمانع.”

بدوره، يعتقد يوسف علي الطالب الجامعي بكلية إعلام السنة الرابعة أي سنة جامعة القاهرة، أن إدارة الجامعة مقصرة بحق الطلاب المساجين. قال “حتى بعد خروجهم من السجن، يواجه هؤلاء الطلاب صعوبة في العودة مجدداً للدراسة. لابد من العمل على تغيير موقف إدارة الجامعة وتحييدها لمساعدة هؤلاء الطلاب على عدم خسارة مستقبلهم الأكاديمي.”

تأمل ألاء بإستئناف دراستها الجامعية بصورة طبيعية الآن، لكن تجربة السجن القاسية لايمكن تجاوزها بسهولة. قالت ” كانت تجربة مريرة، لا أتمنى لأحد أن يمر بها. ليس لدي أي تصور عن مستقبلي المهني، لكنني سأحاول إكمال دراستي الجامعية الآن بصورة طبيعية.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى