مقالات رأي

ما هي معايير تحديد جودة التعليم

يتفق الجميع بأن جودة التعليم شيء مهم – لكن ما الذي تعنيه الجودة؟ وكيف يتم تعريفها؟ لقد تمت دراسة هذا الموضوع بشكل كبير من قبل المنظمات الدولية المعنية بالتعليم بإعتباره حجر أساسي للتنمية الإقتصادية والإجتماعية، بما في ذلك البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ومنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (OECD). وقد نشرت كل هذه المنظمات تقارير حول هذا الموضوع.

لكن ما يهمني، كباحثة في الإدارة والسياسة التعليمية، هو فهم وكشف الجهة التي تأتي منها فكرة الجودة التعليمية، وكيف تم خلق وتعريف الحوار حول جودة التعليم في المنطقة العربية.

من المهم أن ندرك بأن مصطلح “الجودة” مؤسس إجتماعياً. وهذا يعني بأن ما نعنيه بجودة التعليم يعتمد على كيفية قيامنا، كمجتمع، بتحديد ما نقدره على أنه تميّز في التعليم. على نحو متزايد، يتم قياس جودة التعليم إعتماداً على مستوى أداء الطلاب في التقييمات الدولية. على سبيل المثال، أصبح البرنامج الدولي لتقييم الطلاب (PISA) التابع لمنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية، وبرنامج دراسة التوجهات الدولية في العلوم والرياضيات (TIMSS) التابع للجمعية الدولية لتقييم التحصيل التربوي، والدراسة الدولية لقياس مدى التقدم في القراءة في العالم (PIRLS) مؤشرات هامة عن جودة التعليم بالنسبة للحكومات والمنظمات الدولية.

في المنطقة العربية، إتخذت مسألة جودة التعليم مركز الصدارة في الندوة الوزارية العربية حول جودة التعليم عام 2010 وإعلان الدوحة من أجل تعليم جيد للجميع. ونتيجة لهذه الإجتماعات، أنشأ البنك الدولي ووزراء التربية والتعليم العرب مبادرة جديدة بعنوان البرنامج العربي لتحسين جودة التعليم (ARAIEQ). ويهدف هذا البرنامج، الذي بدأ في عام 2012 برعاية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، لتحسين نوعية وواقعية الخدمات التعليمية في المنطقة من خلال تعاون إقليمي، فضلاً عن عمله كمركز أبحاث، وشبكة من الخبراء، ومورداً للأدوات والمعرفة اللازمة لصناع القرار.

بالنسبة للبنك الدولي، تعتبر الإختبارات الدولية للطلاب من قبيل PISA، وTIMSS، وPIRLS مؤشرات هامة عن جودة التعليم في الدول العربية. فعلى سبيل المثال، في تقرير البنك الدولي لعام 2013، المعنون، “وظائف الإزدهار المشترك: حان وقت العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو “الوظائف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: لمحة عامة”، تمت الإشارة إلى أن “نوعية التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) – وكما بينت الإختبارات القياسية الدولية – لا تزال أقل من المستوى المتوقع مقارنة مع نصيب الفرد من الدخل في دول المنطقة.” وقد تم إستخدام البيانات والرسوم البيانية لتحكي لنا قصة الأداء الضعيف لهذه البلدان (إنظر الشكل رقم 1).

مثال على كيفية إستخدام البنك الدولي لبيانات إختبارات تقييم الطلاب الدولية بهدف تقديم تقرير عن جودة التعليم في المنطقة العربية.
(صورة: المصدر: البنك الدولي، 2013، صفحة 172)

يقول تقرير البنك الدولي “يجب على الدول أن تستثمر في مجال تقييم التعليم لأن مثل هذا الإستثمار هو الأساس في إيجاد تحسن ملموس ومستدام في جودة التعليم.” ويكمن فحوى هذا النهج في أنه ومن أجل الوصول إلى تحسينات حقيقية في جودة التعليم، يتوجب على الدول العربية أن تعتمد تدابير موضوعية وموحدة، وأن تعمل المدارس تحت شروط سوق تنافسية. وفي الوقت نفسه، فإن الأهداف التعليمية الأخرى مثل الوصول العادل والمساواة في الحصول على الفرص التعليمية تحظى بتركيز أقل بكثير في تقرير البنك الدولي.

يتخذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، في تقريره عن التنمية الإنسانية العربية (AHDR) لعام 2002، والمعنون “خلق الفرص للأجيال القادمة”، نهجاً مختلفاً تماماً في تأطير موضوع جودة التعليم. ويعرض التقرير التوجهات الإستراتيجية العامة لإصلاح التعليم على أساس 10 مبادئ أساسية مثل إحترام كرامة الفرد، ومنح الأسبقية للإبداع، وتحسين فرص الحصول على فرص تعليمية متساوية. ويقترح بأن تعزيز نظام التعليم في المنطقة يتطلب القيام بإجراءات في ثلاث مجالات هي: تعزيز القدرات البشرية، وإيجاد تآزر قوي بين التعليم والمنظومة الإجتماعية والإقتصادية، ووضع برنامج لإصلاح التعليم على المستوى القومي العربي. وفي هذا الخطاب المتمحور حول الإنسان، فإن تحسين جودة التعليم ليس الهدف الأساسي في إستراتيجية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وإنما أداة لتعزيز القدرات البشرية من خلال تخصيص المزيد من الموارد في مجال التعليم والإستخدام الأكثر كفاءة للموارد. ولعل أكثر ما يميز منهج تقرير التنمية الإنسانية العربية التركيز على القومية العربية والتعاون العربي. كما يؤكد على ضرورة تضافر الجهود العربية من خلال دعوة الدول لوضع المنافسات الوطنية جانباً وبناء إطار تعاوني في مجالات مثل تطوير المناهج الدراسية، وإنتاج الكتب المدرسية، وتدريب المعلمين.

يمكننا أن نتوسع في هذه النظرة الإنسانية من خلال تبني نهج العدالة الإجتماعية في جودة التعليم – وذلك من خلال الإعتراف بأن البلدان تختلف من حيث الدخل، ومستويات الفقر، والفرص التعليمية وفرص الحصول على التعليم، ومسارات التنمية والإقتصادات السياسية. يعتبر منهج العدالة الإجتماعية متجذراً في فهم الحواجز والفوارق المختلفة التي تواجهها الجماعات في المجتمع في سبيل الحصول على تعليمٍ عالي الجودة، في الوقت الذي يتم فيه فتح المجال لوجهات نظر بديلة لتبرز من خلال النقاش العام. يؤكد نهج العدالة الإجتماعية في جودة التعليم على الطبيعة المعقدة للتربية، والتعليم، والتعلم، ويسعى للسيطرة على هذا التعقيد من خلال الإعتماد على وجهات نظر متعددة التخصصات وخلط أساليب البحث الكمية والنوعية.

وبهدف تحقيق جودة التعليم، يجب علينا أن نكون أكثر شمولاً في منهجنا. فإذا ما إخترنا تعريف جودة التعليم وفقاً للمخرجات التعليمية، كما يتم قياسه في الإختبارات والتصنيفات العالمية، عندها سنكون قد إخترنا تعريفاً ضيقاً. المشكلة في ذلك هي أنه قد يؤدي إلى أشكال مقيدة من تعلم السياسات والتي تقحم المداولات والتفكير في صياغة السياسات. حيث أن تعريفاً للجودة يعتمد على مخرجات التعلم قد يحد أيضاً من التفكير الإبداعي فيما يخص المشاكل والإمكانات الأساسية.

نحن بحاجة للتأكد من أن نهجنا المتعلق بجودة التعليم يجسد الطبيعة متعددة الأبعاد والمعقدة للتعليم والتعلم، وليس في الإمكان تمثيل ذلك بشكل كاف من خلال نهج ذو تأسيس محدد يعتمد على مخرجات التعلم، والإختبارات المعرفية، والتحليلات الإحصائية لا غير.

* د. كلارا مورغان، أستاذة مساعدة لمادة العلوم السياسية بجامعة الإمارات العربية المتحدة. وتشمل إهتماماتها البحثية الإدارة العالمية للتعليم والتطورات التعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

Countries

تعليق واحد

  1. اشكرك يادكتور على المقال .. كنت ابحث عن اجابة لبعض الاسئلة
    بخصوص تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادى فيما يخص التعليم

    ماهى معايير التقييم ؟
    هل يمكن نسخ مناهج وخطط وسياسات دول فى ترتيب متقدم لدول فى ترتيب متدنى فتحقق نفس الرتب العالية ؟
    ما اقل مدة استطاعت فيه دولة تحقيق قفزات فى المراكز التنافسية ؟
    كيف يمكن لدولة ذات تصنيف متدنى ان يخرج منها متعلم يحقق ابداع ونتاىج جيدة فى دول متقدمة ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى