مقالات رأي

أنا لست حاملاً

* نُشر المقال لأول مرة في The Chronicle ويعاد نشرها هنا مترجمة بموجب اتفاق مع الصحيفة.

في وقت مبكر من الخريف الماضي، كنت أتحدث مع إثنين من الطلاب في مكتبي عندما أطلت مسؤولة الموظفين، التي أعمل معها عن قرب وأعتبرها صديقة، برأسها بشكل غير ظاهر لتقول لي مرحباً وتذكرني بضرورة اللحاق بورشة عمل كنا سنقدمها في الأسبوع الماضي.

قالت “مرحبا”، ولاحظت بأن هناك زوج من الطلبة في إثرها أيضاً. ولم يكن ذلك بالأمر غير العادي بالنسبة لأي منا، حيث أن معظم النساء من أعضاء هيئة التدريس والموظفات ينفقن جزءاً من وقت فراغهن في مساعدة الطلاب. وأياً كان السبب، فإن ما يهمنا هنا هو ما حدث بعد ذلك بوجود خمسة شهود.

حيث إنحنت للداخل أكثر، خافضة صوتها، وإبتسمت بطريقة متآمرة لتقول “هل لديك شيء لتقولينه لي يا شقيقتي؟”

عصفت بدماغي المحاصر أصلاً بالأفكار، وخرجت بإجابة قصيرة رافعة صوتي في نهاية السؤال “لا أعتقد ذلك!”

ثم إنحنت مرة أخرى، وقالت “هل أنت حامل؟ لأن الشائعات تشتعل حول هذا الموضوع.”

أتصور – لا، بل أعلم – بأنني قد إحمررت بسبب الذعر والخجل. لم أكن حاملاً، ولم أكن أنوي أن أصبح كذلك.

في الواقع، أنا أم بالفعل. لعدة سنوات، كنت الأم العزباء لإبني، وعلى مدى السنوات الثلاثة الماضية، أصبحت أيضاً وبشكل أساسي زوجة الأب لستيلا، إبنة شريكي. تبرز الأمومة بوضوح في سردي لحياتي الشخصية على مدى السنوات الخمسة الماضية، وفي حياتي العملية أيضاً. وكناشطة نسوية، وأستاذة لدراسات المرأة، فإنني أقف إلى جانب الشعار القديم القائل بأن “الشخصي هو السياسي”. وعلاوة على ذلك، فإنني محظوظة بما فيه الكفاية للعمل في مكان مثل جامعة ستوكتون، المتساهلة نسبياً مع الأسرة – على الأقل بالنسبة للمجتمع الأكاديمي.

ففي المجتمع الأكاديمي، يحتاج كل الأكاديميين من الرجال والنساء البدء بتهيئة الفضاء المادي، والعاطفي، والفكري لأجساد النساء، وللأجساد التي سيلدنها. لكن طريقي للمجال الأكاديمي لم يكن إعتيادياً. فقد عملت لمدة خمسة سنوات كمساعدة أستاذ في كل كليات جنوب نيوجيرسي تقريباً. وفضلاً عن ذلك، وعلى الرغم من العدد الكبير من المراسلات التي أتلقاها أسبوعياً والمعنونة بإسم “الدكتورة فان دوينه”، فإن شهادتي – على الرغم من كونها الأخيرة في مجالي – هي شهادة الماجستير في الفنون الجميلة، وفي الكتابة الإبداعية تحديداً، تتركني مع ذلك الشعور الدائم بمتلازمة المحتال: وبأنني في انتظار اليوم الذي سيكتشفون فيه أمري. وما هو غير عادي في ذلك هو أنني إنتقلت من وظيفة مساعد إلى أستاذ مساعد زائر (وهذا ما يعني في المجال الأكاديمي أنك لن تعود في نهاية هذا العام، يا صاح) لتثبيتك في وظيفة الأستاذ.

لكن، عندما قالت لي زميلتي وصديقتي تلك الكلمات في ذلك اليوم في أيلول/ سبتمبر 2015، تلقيت صفعة في منتصف أسبوعي الأول في التثبيت في المنصب.

قرأت مقالات عن التحديات التي تواجهها الأم في المجال الأكاديمي. وعرفت عن “عقوبة الطفل”. فقد كتبت ماري آن ماسون في مجلة الكرونكل The Chronicle عام 2013 ما يلي “يؤثر تكوين الأسرة سلباً على الوظائف الأكاديمية للنساء – وليس الرجال. فبالنسبة للرجال، يمكن أن يمثل إنجاب الأطفال ميزة مهنية طفيفة، أما بالنسبة للنساء فإنه غالباً ما يكون قاتلاً للوظيفة. حيث أن النساء اللاتي يتقدمن في ترقيات أعضاء هيئة التدريس، يقمن بذلك مقابل ثمن باهض: حيث أن إحتمالية كونهن متزوجات ومعهن أطفال أقل بكثير مما هو عليه حال زملائهن من الرجال.”

يكون جدول التثبيت في الوظائف الأكاديمية قاسياً بشكل خاص على النساء اللاتي يربين أطفالاً صغاراً. لدينا ست سنوات أو أقل لنقوم: بنشر كتاب، وتقديم مؤتمرات في أفضل الأحوال، وإعطاء كل ما لدينا في الفصل الدراسي (والذي يقاس في الغالب من خلال تقييمات الطلاب، والتي تكون هي الأخرى، وكما نعلم من خلال دراسة تلو الأخرى، بأنها منحازة بشكل كبير ضد أعضاء هيئة التدريس من الإناث)، وأداء مآثر في خدمة مؤسساتنا، وغالباً ما تكون في الساعة الرابعة مساءً، أي في الوقت الذي نكون فيه بحاجة لإصطحاب أطفالنا من المدارس ومراكز الرعاية النهارية. في النهاية، لا تزال الأوساط الأكاديمية معادية للأمهات والنساء الحوامل بشكل خاص. وفي حين أنني أنفق قدراً كبيراً من حياتي المهنية في التعليم، والكتابة، والتحدث علناً ضد هذا الواقع، فإنه لا يزال واقعي أيضاً.

ومن بين أكبر مخاوفي، هو أنني، ورغم كوني في سن السادسة والثلاثين من العمر، ورغم كوني في علاقة مستقرة، وسعيدة للغاية، ومفعمة بالمحبة، إلاّ إنني لا أزال أتعرق خوفاً من حدوث الدورة الشهرية كل شهر. وعلى الرغم من أنني، وفي نهاية المطاف، قد أحب إنجاب طفل آخر، فإن ذلك الطفل الآخر قد يحول دون إمكانية تأمين مكاني في الوظيفة التي أحبها، وبحاجة ماسة إليها.

لذلك، فإنني، ومثل الكثير من النساء في الوسط الأكاديمي، وخاصة في مجال دراسات المرأة، أعيش في عالمين. ففي العالم النظري المؤلف من كتابتي وتدريسي، أتكلم بنشاط دفاعاً عن حقوق المرأة وأطالب بمكافحة التمييز بين الجنسين. لكنني، وفي حياتي المهنية، أجد نفسي في مكان غير آمن بإعتباري عضوة غير مثبتة في هيئة التدريس والتي قد يعني الحمل بالنسبة لها، وبشكل مؤكد تقريباً، الموت المحقق لمسيرتها المهنية.

في ذلك اليوم في مكتبي، كنت فجأة في مواجهة العالمين معاً والشعور بقدر متساو من العار في كل منهما. العار حيال نار الشائعات الجامعية المضطرمة من الرواية الكاذبة والحاملة – عذراً عن التورية – لفكرة كون الناشطة النسوية الصريحة قد أخطأت وإن كانت جيدة – وحملت قبل أن تبدأ ساعة التثبيت حتى. والعار المتعلق بجسدي، والباوندات العشرة الإضافية من الوزن التي إكتسبتها في العام الماضي، في محاولة للتعامل مع الضغوط المتعلقة بكوني عضوة هيئة تدريس بدوام كامل لأول مرة. ففي النهاية، يعتبر كوني ناشطة نسوية صريحة وشابة جذابة جزءاً من هويتي العامة في الجامعة. أنا لست غبية بما يكفي لأن أتصور بأن مظهري لا علاقة له بذلك. وهكذا، كان هنالك شق آخر في درعي الضعيف أصلاً.

لكن، بعيداً عن ذلك – وأعمق منه، لأنني في النهاية، وبالطبع، كنت أعرف بأنني لست حاملاً – شعرت بالعار لمجرد الشعور بأي من هذه الأشياء. ألم أقضِ مسيرتي المهنية في التدريس والتحدث بصراحة عن إمتلاك أجسادنا وإمتلاك حياتنا؟

قلت لها “لا، لستُ حاملا.”

في الأسبوع التالي، بدت قاعات كليتي، الودودة في العادة، غريبة. فقد هنأني ثلاثة أشخاص بشكل غير ملائم، بما في ذلك أستاذة موسيقى مسنة معروفة بتوهجها، والتي دخلت إلى فصلي الدراسي في وسط المحاضرة في مساق أسس الكتابة لطلاب السنة الأولى، لتفرك بطنها وتصرخ، “تهانينا! أنا سعيدة من أجلك!” قبل أن تخرج وهي تغني بأعلى صوتها. كما سألني شخصان آخران في المساق الذي أشرف عليه إذا ما كان هنالك شيء ما أرغب في أن أخبرهما عنه. فقمت بوضع تصريح واضح جداً على وسائل التواصل الإجتماعي، حيث أمتلك حضوراً كبيراً إلى حد ما، بأنني لم أكن حاملا.

لكنني ذهلت من تلك التجربة، وما أنتجته في وفيما يحيط بي. وبعد ثلاثة أسابيع، وفي مصادفة غريبة، أعلنت عضوة تدريس جديدة في مسار التثبيت الوظيفي فجأة عن حملها – وبشكل غير مخطط له، كانت أماً عزباء. وعندما تحدثنا عن ذلك، قالت بأنها لم تشعر أبداً بفشل أكبر من ذلك. تصور: إمرأة في الـ34 من عمرها وتحمل شهادة دكتوراه فلسفة، ومع وظيفة تدريسية في الجامعة، تشعر بأن – إكتشافها بأنها تحمل طفلاً – بمثابة ارتكابها لأسوأ خطأ في حياتها.

وعندما ناقشت كل ذلك مع منسقة القسم الخاص بي، وهي صديقة مقربة، قالت إت الكلمات التي علقت في ذهنها منذ ذلك الحين هي أن “أجسادنا تحت رقابة دائمة”.

أجساد تحت المراقبة. إنها تحمل تذكاراً بأن الجامعة تنحدر من مؤسسة وجدت لتدريب الرهبان. وبأن النساء، ولجزء كبير من آلاف السنين، لا علاقة لهن بها بالمعنى الحرفي للكلمة. وهكذا فإن الجامعة الأميركية، التي كيفت النموذج الأصلي ليتواجد ضمن نمط الإنتاج الرأسمالي وإنتشاره، تتواجد لتديم نفسها. الأكاديميون يريدون إنتاج عدد قليل من الأكاديميين، ولكن، هنالك فسحة ضئيلة للأطفال الرضع في هذه المعادلة. وليس الحمل بنعمة بالنسبة للأكاديميين، كما تبين الأرقام.

لكن ما هو أكثر من ذلك، هو أن الحياة الأكاديمية كانت على الدوام: إنعزالية ومعزولة. قد لا يكون مصطلح “البرج العاجي” مناسباً بصورة حرفية، لكن عناصر العزلة الحرفية لا تزال موجودة. في مؤسستي، يبتعد الحرم الجامعي مسافة أميالٍ عن الطريق، ويقع على بعد أميالٍ عن كثيرٍ مما عداه. وتحاكي هذه العزلة المادية والإمتيازات مكانة الوسط الأكاديمي في الثقافة الأميركية – المساحة المتميزة التي تمنحها تلك الثقافة للتروس الأكاديمية، في كثيرٍ من الأحيان، للأجابة عن، ومن أجل الأسئلة الصعبة حول التمييز بين الجنسين التي تطرحها الموجة الثانية والثالثة من الحركة النسوية، والتي ترد في الغالب من أماكن العمل. وعليه فمن المنطقي إذن، أن يواجه طلاب الدراسات العليا، في بيئة عمل تديم التحيز ضد المرأة والتمييز بين الجنسين، نفس المشاكل.

وهم يواجهون ذلك بالفعل. فقد ذكرت طالباتي الحوامل روايات واسعة من المشاكل التي وصفتها: حيث تتم معاملة جسد الحامل، في الوسط الأكاديمي، كشيء شاذ، كمرض، أو كشيء يجب “التعامل” معه، بدل أن يُحتفى به. وفي مواجهة حمل ما، كثيراً ما يتم سؤال مستشاري الطلاب عن هذا السؤال، “لكن، ماذا عن كلية الدراسات العليا؟” وخيبة الأمل ترشح من كل مقطع في الجملة.

في المجتمع الأكاديمي ككل، يحتاج كل الأكاديميين من الرجال والنساء البدء بتهيئة الفضاء المادي، والعاطفي، والفكري لأجساد النساء، وللأجساد التي سيلدنها. فمن دون ذلك الفضاء، سنبقى مضطرين لمواجهة نوع من العوائق – أن تمثل النساء دور الرجال، على أمل الحصول على مكان على الطاولة. ومن دون القدرة على نمذجة هذه السلوكيات والقدرات لطلابنا – ومن دون فهم موسع لما تعنيه وسائل الراحة للحوامل، والحضانة، والطلاب من الآباء والأمهات، من حيث الدعم داخل وخارج الحرم الجامعي – فإن تغييراً قليلاً سيحصل في نهاية المطاف.

الأمر متروك لنا، كمربين، وكمشاركين في ثقافة التعليم العالي – لتغيير تلك الثقافة من الداخل بحيث قد تتاح لطلابنا الفرصة في الحصول على عدالة وتنوع حقيقيين – وهذا، بالطبع، غير ممكن من دون الحمل في المقام الأول.

إيميلي فان دوينه، أستاذة مساعدة لمادة الكتابة ودراسات السنة الأولى بجامعة ستوكتون. بإمكانكم متابعة إيميلي على تويتر على الحساب التالي: EmilyVanDuyne@.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى