أخبار وتقارير

العراق: مراكز للتطوير الوظيفي لدعم الطلاب في سوق العمل

ينتاب الطلاب العراقيين، وعلى نحو مفهوم، القلق حيال فرصهم الوظيفية، نظراً للأزمة المالية في البلاد والناجمة عن إنهيار أسعار النفط والحرب الطويلة مع تنظيم الدولة الإسلامية.

حيث قامت الحكومات الإقليمية في العراق بقطع رواتب ومخصصات تقاعد الموظفين الحكوميين، بما في ذلك مخصصات العاملين في مجال التعليم العالي. ففي إقليم كردستان، تسبب إضراب عن الدوام في إغلاق المدارس وترك أعضاء هيئة التدريس في الجامعات من دون أجور لعدة أشهر، مما أدى إلى إندلاع إحتجاجات. لكن تقديم بعض المساعدة مسألة في متناول يد منظمة آيركس العراق، وهي منظمة غير حكومية تحظى بدعم سفارة الولايات المتحدة الأميركية في بغداد. حيث تقوم المنظمة، التي تعمل في مجال التعليم العالي منذ حزيران/ يونيو 2011، بإنشاء مراكز تطوير وظيفي في الجامعات العراقية. (إقرأ أيضاً: مراكز التوظيف خطوة للتخفيف من بطالة الشباب.)

قالت لوري ماسون، كبيرة المستشارين الفنيين في قسم برامج التعليم العالي بمنظمة آيركس، “للتعليم العالي دور رئيسي في بناء المجتمع – من خلال تعزيز التنمية الإقتصادية والإستقرار – وهو جزء مهم من إتفاقية الإطار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية والعراق. والهدف من ذلك تعزيز التفاهم المتبادل وبناء علاقات ثقافية قوية بينما يتم العمل على إصلاح نظام التعليم العالي لدعم المجتمع العراقي.”

حتى الآن، تعمل منظمة آيركس العراق مع 21 جامعة في مختلف أنحاء العراق مع كادر يتألف من 67 موظف. وتقتصر جهود منظمة آيركس مع الجامعات الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على العمل مع أعضاء هيئة التدريس في منفاهم في أماكن أخرى داخل البلاد، لكن المنظمة تأمل في العمل بشكلٍ مباشر مع تلك الجامعات ما أن تتم هزيمة تنظيم داعش.

تواصل ماسون حديثها “لكل مركز تركيزه الخاص به عندما يتعلق الأمر بالتدريب وتنمية المهارات المقدمة. ويتراوح ذلك من تدريب الإستعداد الوظيفي مثل كتابة السيرة الذاتية، ومهارات إجراء المقابلات الشخصية، والإتصالات وحتى المهارات الشخصية مثل العمل الجماعي، وحل المشكلات، وإدارة الوقت.”

قال سياكو سليمان شيخو، المساعد المدرس لمادة الأدب الإنجليزي ومدير مركز التطوير الوظيفي في جامعة سوران بإقليم كردستان، “عندما تكون لدينا ورشة عمل أو حدث ما، فإننا نعلن عن ذلك على الموقع الإلكتروني للجامعة وعبر وسائل التواصل الإجتماعي، ليقوم الطلاب بالتسجيل عبر الإنترنت. لدينا موارد محدودة ولا يمكننا أخذ أعداد كبيرة من الطلاب – ونحن نفضل النوعية على الكمية – لكن خدماتنا مفتوحة للجميع بما في ذلك أعضاء هيئة التدريس.”

و بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، تبلغ نسبة البطالة في العراق 11 في المئة، وترتفع لتصل إلى 18 في المئة في صفوف الشباب (15-24 سنة)، وأعلى من ذلك بين الشباب من خريجي التعليم العالي.

وإنطلاقاً من أخذ هذا الإنفصال بين التعليم وفرص العمل في الإعتبار، تمتلك هذه المراكز أحداث توظيف، وفترات تدريب، وورش عمل، ودورات تدريبية. ومن خلال هذا البرنامج، تلقى أكثر من 14,000 طالب وطالبة في جميع أنحاء العراق نوعاً من التدريب الوظيفي عام 2015، بحسب منظمة آيركس، وتمكن أكثر من 200 طالب من العثور على وظيفة العام الماضي، على الرغم من الوضع الإقتصادي الراهن.

التحق توانا صدر الدين، طالب في السنة الرابعة في قسم اللغة الإنجليزية في جامعة سوران، بثلاث ورشات عمل. قال “أصبح بإمكاني الآن كتابة سيرتي الذاتية بشكل جيد، وإدارة وقتي وتعزيز مهاراتي الشخصية والتقدم بطلب للحصول على وظيفة وأيضاً نوعية العمل الذي يجب أن أتقدم إليه.” مضيفاً “كنت أعتقد أن العمل في القطاع الخاص خطر ومحفوف بالمخاطر، لكن موظفي المركز أوضحوا لي أنني كنت على خطأ.لديهم دائما أجوبة مدعومة بحجج وأمثلة من الواقع. وهذا يساعدنا كثيراً.”

يساعد تطوير المهارات الطلاب العراقيين على إيجاد مكاناً  في سوق العمل.

قالت ماسون “إذا لم يتوجب على الشركات إنفاق أموال إضافية في محاولة لتدريب الموظفين المحليين لتلبية الحد الأدنى من المتطلبات، فإنها ستكون أكثر إستعداداً للتوظيف المحلي بدلاً من جلب العمال الأجانب لشغل الوظائف.”

يقول شيخو إن بعض الطلاب يسيئون فهم دور مراكز التطوير الوظيفي. قال “إنهم يعتقدون بأنهم بحاجة لأن يطرقوا الباب فقط للعثور على وظيفة. ولهذا، أنا أوضح دائماً بأن هذه المراكز عبارة عن جسر بين الكليات والقطاع الخاص، حيث تطور المراكز مهارات الطلاب وقدراتهم، ولكنهم يحتاجون أيضاً إلى مؤهلات لتتوفر لهم فرصٌ أفضل في العثور على وظيفة.”

كما تساعد مراكز التطوير الوظيفي أيضاً الطلاب في فهم المزيد عن الفرص المتاحة لهم في مجالهم. قال شيخو “في إحدى المرات، أخبرني طالب في قسم الجغرافيا عن إحباطه لأنه لا يستطيع التفكير في أية فرصة عملٍ أخرى غير التدريس. فأقترحت بأن في إمكانه العمل في شركات النفط في مجال التنقيب أو نظام التموضع العالمي GPS. وقد تركه ذلك على الأقل مع دافع أكبر لمعرفته بأن لديه المزيد من المسارات الوظيفية ليفكر فيها.”

إن عدم معرفة طالب في قسم الجيولوجيا بأن لديه فرصة للعمل في مجال صناعة النفط يلمح إلى الإنفصال بين العديد من الأقسام الأكاديمية وقطاع الصناعة. ولذلك يدعو شيخو لإنشاء مجالس إستشارية للتوظيف في كليات الجامعة.

كما ساعد العمل في مراكز التطوير الوظيفي شيخو في تحديد مشاكل أخرى في مجال التعليم العالي، مثل ميل الطلاب للبحث عن وظيفة حكومية، والآثار المترتبة على نظام القبول في الجامعات القائم على المعدلات.

قال شيخو “كان الطلاب يعتمدون على الوظائف الحكومية من دون التفكير في القطاع الخاص وإحتياجاته. وقد جعلهم هذا يتكاسلون بشأن تطوير المهارات لأنهم يشعرون بأن إطروحتهم العلمية وشهادتهم كافية. لكن الآن، يتوجب علينا تعديل مناهجنا لتلبية متطلبات السوق.”

ويتسبب نظام القبول على أساس الدرجات، حيث يتم وضع الطلاب في مجال دراسة ما بسبب درجاتهم بدلاً عن إهتماماتهم، في خلق مشاكل أيضاً لأن الطلاب سيجدون أنفسهم في مساراتٍ وظيفية ليس لديهم أي شغف بها. وتساءل شيخو: كيف يمكن لأي شخص أن يكون ناجحاً في مجال لا يقوم بتحفيزه؟

وتواجه الفتيات من الأسر التقليدية مشكلة أخرى، ففي كثيرٍ من الأحيان لا تسمح لهن أسرهن بالعمل في شركات القطاع الخاص، ويفضلون الوظائف الحكومية. قال شيخو “عندما يكون لدي طالبات يواجهن هذه المشكلة، أوصيهن ببناء مهاراتهن والإستعداد للوقت الذي ستتغير فيه هذه المواقف، لأن من الواجب أن تتغير.”

وإلى جانب مراكز التطوير الوظيفي، تعمل منظمة آيركس العراق مع الأقسام والبرامج الأكاديمية بطرق متنوعة.

قالت ماسون “إن دورنا، في المقام الأول، هو التدريب التقني وبناء القدرات للإداريين وأعضاء هيئة التدريس. فقد وجدنا بأنه ومن خلال العمل على تحسين مهارات تدريس الأفراد من أعضاء هيئة التدريس وتحسين قدرة المؤسسات، سنتمكن من الوصول لعدد أكبر من الطلاب.”

وأضافت ماسون بأن منظمة آيركس تقود أيضاً الجهود الرامية لإنشاء مجالس إستشارية للصناعة في الجامعات العراقية بحيث تتمكن الصناعة من المساهمة بمدخلات في برامج التعليم العالي في مجالات مثل المناهج الدراسية وكفاءات خريجي الدراسات العليا. قالت “لقد باشرنا بإحداث تغييرات في المناهج الدراسية لدعم التحرك بعيداً عن المحاضرات النظرية نحو تعليم تفاعلي يركز على التدريب أكثر. وبهذه الطريقة سيتمكن الطلاب من تطوير مهارات تطبيق عملية على الرغم من كون برامجهم الأكاديمية نظرية فقط إلى حد ما.” ويتضمن البرنامج البدء بمشاريع في جامعتين لإعطاء فرق الطلاب الفرصة في إيجاد حلول لمشاكل حالية تواجه قطاع الصناعة المحلي، فضلاً عن إيجاد دورة لريادة الأعمال مخصصة للأقسام الهندسية في الجامعات.

يعتمد ربط الخريجين بالوظائف على عدد من العوامل، وتعتبر إستطلاعات سوق العمل طريقة مفيدة لتحديد إحتياجات السوق. فعلى الرغم من إرتفاع معدل البطالة في العراق، إلا أن بعض المجالات – مثل المحاسبة وإدارة الأعمال – تتوفر على أماكن شاغرة يمكن أن تبقى كذلك لفترة طويلة، بسبب توافر عدد قليل جداً من المرشحين المحليين المؤهلين لملئها. قالت ماسون “المبيعات من المجالات المزدهرة في العراق. فإستناداً للمسح الذي أجريناه مؤخراً على سوق العمل، يتوفر مجالا المبيعات والخدمات على معظم الأماكن الشاغرة في الوقت الراهن.”

تعتقد ماسون بأن في إمكان التخطيط الإستراتيجي الوطني الذي يتضمن قطاع الصناعة والأوساط الأكاديمية، إلى جانب وجود بياناتٍ دقيقة عن سوق العمل، المساعدة في تعزيز الإقتصاد وزيادة فرص خريجي الجامعات في الحصول على وظائف.

تقول ماسون إن المسؤولين في منظمة آيركس كانوا أبطأ مما كانوا يأملون في تقديم التدريب على تنمية الأعمال الصغيرة للطلاب، وأنهم يسعون في نهاية المطاف لتجريب نموذج حاضنة من شأنه أن يساعد في دعم نقل التكنولوجيا الجامعية. وتعمل منظمة آيركس مع وزارة التعليم العالي في بغداد في محاولة لربط الطلاب بفرص الحصول على قروض مشاريع صغيرة.  قالت “لا يزال أمامنا الكثير للقيام به في هذا المجال، لكن، وبسبب الأحداث الراهنة، فإن ذلك سيستغرق بعض الوقت.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى