أخبار وتقارير

نظرة خاطفة على منظومة التعليم العالي في موريتانيا

تُعتبر موريتانيا بلداً من النادر أن يُسمع عنه في المحافل التعليمية الدولية. وعلى الرغم من أنها دولة بحجم يماثل حجم مصر، فإن هذه الدولة الصحراوية إلى حدٍ كبير يبلغ عدد سكانها 3,5 مليون نسمة، أي ما يعادل جزء من سكان القاهرة.

حضر سيدي ولد سالم، وزير التعليم العالي، ولمدة عامين متتالين “مؤتمر التحولات في التعليم العالي: نحو تطوير الحوكمة وضمان جودة من أجل المنافسة والتوظيف” الذي إنعقد في الجزائر، البلد الجار لموريتانيا، الشهر الماضي (إقرأ ايضاً: من الجزائر: نظرة على الجامعات والبطالة.) وقدم لنا الفرصة للتعرف على أحدث التطورات في مجال التعليم العالي في موريتانيا.

وبصفته ناشطاً سياسياً سابقاً وأستاذاً للفيزياء بجامعة نواكشوط، فقد أدخل سالم العديد من المشاريع والإصلاحات الجديدة منذ أن تولى منصبه. ويكمن تركيزه، كما يقول، على جمع بيانات موثوقة وتطوير سياسات التعليم العالي التي تهم الإقتصاد الموريتاني.

قال السيد سالم في العرض الذي قدمه في المؤتمر إن موريتانيا تشترك مع جيرانها العرب في السياق الإستعماري. “لقد فُرضت علينا أنظمتنا التعليمية، وقد ورثناها. ولقد واصلنا نهج المحاكاة ذلك. نحن لم نقم بدراسة الإحتياجات الخاصة بنا.”

تحض الجامعات في المنطقة بإستمرار على تحسين إعداد الطلاب لسوق العمل، لكنها لا تستطيع حل مشكلة البطالة بنفسها، كما أشار الوزير. قال السيد سالم “حتى الدول التي تمتلك جامعات كبرى تعاني من البطالة. فرنسا تمتلك معدل بطالة مرتفع.”

وأضاف بأن السياسات التعليمية بحاجة لأن تستند إلى رؤية واضحة للإقتصاد بأكمله.

قال “الطالب عبارة عن منتج، ونحن نرغب في دخول منتجاتنا إلى السوق. لكننا بحاجة لدراسة السوق أيضاً. هل نحن نعلم من أجل الإدارة العامة، أم القطاع الخاص، من أجل السوق المحلية، أم الإقليمية، أم الدولية؟”

حتى إذا ما حصل الطلاب على أفضل تعليم، فإنهم إذا لم يتمكنوا من العثور على وظائف جيدة فإنهم سيهاجرون. قال السيد سالم “إذا ما أنشأنا جامعة ممتازة، مثل جامعة هارفارد [في موريتانيا] اليوم، فإن خريجيها سيتركون بلدنا. إن أفضل كوادرنا ستغادرنا، يجب أن نكون واقعيين.”

إلتقت الفنار للإعلام بالوزير بعد أن قدم عرضه لمعرفة المزيد عن خلفيته وخططه للتعليم العالي في موريتانيا. سافر الوزير نفسه إلى فرنسا لمتابعة دراسته العليا في ثمانينيات القرن الماضي. وقال إنه كان في إمكانه البقاء هناك، لكنه عاد إلى موريتانيا ودرّس الفيزياء في جامعة نواكشوط.

يُعتبر قرار العودة إلى الوطن “مسألة دَين عليك الإيفاء به وخدمة تقدمها لبلدك وتطوره”، بحسب السيد سالم. وفي حالته، كان ذلك القرار “مسألة إرتباط سياسي”.

ولد السيد سالم عام 1963، بعد ثلاث سنوات من حصول موريتانيا على إستقلالها من فرنسا. وانخرط في السياسة في سن الرابعة عشرة من عمره، بصفته عضواً في “حزب إتحاد القوى الديمقراطية”، الحزب المعارض الرئيسي في البلاد.

قال “كان جيلي مكافحاً جداً. ومتأثراً جداً بالإستعمار.” ففي ذلك الوقت، سافر جميع الطلاب الموريتانيين إلى الخارج لمتابعة دراستهم العليا. وقد ذهب سالم إلى فرنسا لدراسة الفيزياء، وقضى أحد عشر عاماً هناك – الوقت الذي يقول بأنه قد ساهم في “إنضاجه”، وتعقيد وجهات نظره عن الغرب.

إتسم تاريخ موريتانيا الحديث بالحروب مع جيرانها، وسلسلة من الإنقلابات والزعماء المستبدين. مع ذلك، وعلى الرغم من إنعدام الإستقرار، فقد تحسن وضعها بشكل تدريجي في مجالي حقوق الإنسان والإنفتاح السياسي. وأصبح السيد سالم وزيراُ للمالية عام 2009 ووزيراً للتعليم العالي عام 2014.

اليوم، يتواجد في موريتانيا ما يقرب من 20,000 طالب جامعي (11 في المئة من الشباب في سن الجامعة، تقريباً)، ومعظمهم مسجلين في جامعة نواكشوط أو في المعهد العالي للدراسات الإسلامية في العاصمة. ويُعتبر الصيد من القطاعات المهمة في الإقتصاد الموريتاني، وتمتلك البلاد أيضاً الحديد وبعض النفط والغاز الطبيعي. لكن جزءاً كبيراً من السكان يعتمدون على زراعة الكفاف ويعيشون تحت خط الفقر.

https://www.bue.edu.eg/

قال السيد سالم “يشكل التعليم العالي مشكلة بالنسبة للبلدان ذات الموارد القليلة. في العموم، إنه لأمر جيد أن يكون الشباب متعلماً، وأن يكون واعياً – لكن كل دولة بحاجة لأن تتكيف مع واقعها الإقتصادي.”

قال الوزير “نحن بحاجة إلى فنيين،” مشيراُ إلى رغبته في أن يستخدم الطلاب المنح الدراسية من الدول المجاورة لمتابعة دراستهم في المجالات التقنية مثل الكهربائيين، والمهندسين المعماريين، والمحاسبين. وأضاف “سيكون هدراً تدريب مهندسي طاقة نووية أو مهندسي طيران – ليس لأنها مجالات غير مجدية ولكنها ليست أولوية.”

يعمل الوزير على إيجاد كلية هندسة جديدة (والتي ستعمل على تدريب الطلاب في مجالات الهندسة المدنية، والتعدين، والبترول والغاز، من بين تخصصات أخرى). من الناحية المثالية، كما يقول، يجب أن يسير تدريس الهندسة جنباً إلى جنب مع دعم الصناعات التحويلية. قال السيد سالم “لا يمكننا تحقيق جودة التعليم العالي من دون النمو الإقتصادي أو الصناعي. لدينا إقتصادي إستهلاكي وليس إنتاجي. كل شيء في بلداننا مصنوع في الصين.”

ثم قال، وهو يشير إلى بهو الفندق حيث كان يجلس، “صناعة الأكواب، والمناديل، والطاولات. كل ذلك سيضيف لمعرفتنا وخبرتنا.”

ورغب الوزير أيضاُ في طمأنة الموريتانيين الشباب – الذين يدرسون باللغتين العربية والفرنسية – بأنهم مرتبطون بالعالم الخارجي . وقد أسس الوزير معهداً للترجمة وآخر للغة الإنجليزية، حيث يخطط أن يأخذ دروساً بنفسه لتحسين مهاراته اللغوية.

وإزدادت ساعات تدريس الأساتذة من 6 إلى 8 ساعات في الأسبوع – وهو تحرك لم يكن يحظى بشعبية كبيرة بين الأساتذة الموريتانيين. إن نظام المحاضرات لمدة ست ساعات يعتمد على النظام الفرنسي، بحسب السيد سالم، لكن الأكاديميين هناك يقضون المزيد من الوقت أيضاً في إجراء البحوث.

ويعمل الوزير على تأسيس مجلس أعلى للبحوث، سيتألف أعضاؤه من الوزارات التي تمتلك أجندات وإحتياجات بحثية، وسيعمل على تقديم تمويل للأبحاث. حتى الآن، كما يقول “لا يزال الأساتذة مستمرون بالعمل على موضوعات أطاريحهم فقط.”

وبصفته وزيراً سابقاً للمالية، قال السيد سالم “أنا مدرك تماماً لمسألة الإنفاق العام، وأنا مهتم جداً بتحسين ذلك.” وقد قام بجمع بيانات عن الطلاب، وأعضاء هيئة التدريس، والأقسام وفقاً لما يقرب من 100 فئة. وأضاف “الآن، لدينا كنز من الإحصاءات سيسمح لنا بتقديم الحلول وإحداث التغييرات.”

وما أن تضع موريتانيا تلك الحلول والتغييرات موضع التنفيذ، ربما سيكون صوت البلاد “موريتانيا” مسموعاً بشكل أكثر تواتراً.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى