مقالات رأي

حوار مع باحث محكوم عليه بالإعدام

مونتريال– يعتبر عماد الدين شاهين، أستاذ العلوم السياسية، واحداً من أبرز أهداف حملة الحكومة المصرية على المجتمع الأكاديمي. إذ كان أستاذ السياسة العامة في الجامعة الأميركية في القاهرة يلقي محاضرة خارج البلاد عن الحلول السلمية للصراع عندما سمع بأنه قد تم توجيه الإتهام إليه بالتآمر مع منظمات أجنبية بهدف تقويض الأمن القومي المصري. وصف شاهين تلك التهم بأنها “منافية للعقل” وهي وجهة النظر التي يرددها الأكاديميون الذين يعرفونه من جميع أنحاء العالم. فقد أخبر ناثان ج. براون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، صحيفة نيويورك تايمز، “ربما أصدق بأن نائب الرئيس بايدن عضو في جيش التحرير التكافلي أسرع من تصديقي للإتهامات الموجهة إلى عماد.”

لقد كان ذلك عام 2013، بعد فترة ليست بالطويلة من إطاحة الجيش المصري بمحمد مرسي، الرئيس الإسلامي المنتخب. عاد شاهين إلى وطنه، لكنه غادر في وقت مبكر من كانون الثاني/ يناير عام 2014، بعد أن علم بصدور مذكرة إعتقال بحقه. وفي العام التالي، حكمت محكمة مصرية على شاهين بالإعدام غيابياً إلى جانب الرئيس السابق مرسي وأكثر من مئة آخرين من المتهمين الذين تمت إدانتهم في محاكمة جماعية.

أثار الحكم إدانة دولية. لكن شاهين يقول إنه يبدو منطقياً عندما ينظر إليه على أنه جزء من الحملة الوحشية للحكومة المدعومة من الجيش بهدف إسكات الأصوات الناقدة. وبصفته باحثاً ذا سمعة دولية مرموقة، أدان شاهين مراراً الإنقلاب العسكري فضلاً عن عمليات القتل والسجن الجماعية التي أعقبت ذلك.

يعمل عماد شاهين حالياً أستاذاً زائراً في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة. في حزيران/ يونيو، حضر شاهين مؤتمر شبكة علماء في خطر في مونتريال، حيث أجاب على أسئلة ناتالي دي روزييه، أستاذة القانون الدستوري الكندية المعروفة. (بالإمكان مشاهدة فيديو الحوار هنا). كما تحدث مع بورتون بولغ من الفنار للإعلام أيضاً في الحوار أدناه:

– كيف ترى التطورات السياسية المضطربة في مصر في السنوات الخمس الأخيرة؟ بداية، مع إضطرار حسني مبارك، الرجل القوي لفترة طويلة، للتخلي عن السلطة في إحتجاجات الربيع العربي الشعبية عام 2011، ومن ثم الإطاحة بالرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي على يد الجيش عام 2013؟

منذ اليوم الأول، كتبت بغزارة ضد إنقلاب تموز/ يوليو 2013، لأنني أدافع عن عملية ديمقراطية بدأت عام 2011، قبل أن يتم إحباطها من خلال تدخل الجيش. عليّ أن أوضح، بأنني لم أكن أدافع أبداً عن أفراد، ولم أذكر مرسي أبداً. أعتقد أن الأستاذ الجامعي بمثابة قاضي وينبغي عليه ألا ينتمي أبداً إلى أي حزب سياسي، بل وعليه ألا يصوت أيضاً. أنا أدافع عن عملية سياسية كان يتوجب علينا أن ننتهي منها. يتوجب عليّ ألا أقول هذا لأنه من الممكن أن يكون تجريماً للذات – لكنني شاركت في العديد من المبادرات بهدف جمع الأطراف المختلفة معاً من أجل تمكين الجبهة المدنية ضد الحكم العسكري. كما إنني كنت صريحاً جداً في المؤتمرات الدولية. لهذا فقد كنت، بالنسبة لجنرالات الجيش الذين يحاولون إعطاء صورة معينة وإكتساب الشرعية في جميع أنحاء العالم، مزعجاً للغاية. ويجب أن أقول بأن المجتمع الدولي لم يكن مصدر دعم كبير حتى الآن، على الرغم من كل الفظائع وإنتهاكات حقوق الإنسان، لا تعتبر الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الأوروبية ما حصل في مصر على إنه إنقلاب.

– كيف علمت بأنه قد تم إتهامك بجرائم عقوبتها الإعدام؟

(يضحك عالياً وهو يجيب) كنت في الخارج لإلقاء محاضرات عن الحل السلمي للصراع. فأبلغني أحدهم عن طريق فيسبوك بأنني متهم بقضية من العيار الثقيل. لقد كانت الإتهامات فضفاضة جداً – مثل “التخابر والهروب” – وهذا هو ما يطلقونه عليها، وتهريب الأسلحة، مما إضطر القوات المسلحة للإنتقال من الجبهة الشرقية إلى الجبهة الغربية، إلخ. ولم يكن هنالك أي دليل ضدي من أي نوع كان. وقد أخبرني المحامي بأنه إذا ما قام ببناء إستراتيجية للدفاع عني، فإنه سيجد نفسه إلى جواري في السجن. ولذلك غادرت مصر.

– كيف هو الشعور عندما تكون في المنفى؟

لم أعامل نفسي كضحية على الإطلاق. لكن، كلما يطول ذلك، كلما يصبح الأمر أكثر إيلاماً. فتخامرك مشاعر الحنين إلى الوطن؛ وتشعر بضغط الظلم. لقد تغيرت حياتك تماماً – وأطفالك يكبرون، لكنك لم ترهم منذ فترة من الوقت. ويؤدي ذلك لكثير من الإنضباط الذاتي، ويجعلني أركز على عملي. أنا أشعر بأنني في حال أفضل بكثير من حال الكثيرين غيري. هنالك أساتذة آخرون يقبعون في السجون، ويتعرضون لتعامل وتعذيب مفرطين.

– برأيك، لماذا تتعرض الجامعات لهذه المعاملة القاسية في ظل الحكومة الحالية؟

عادة ما تكون الجامعات والطلاب في طليعة الإحتجاجات والمطالب الحرة. ولذلك تمت مطاردتهم من قبل النظام على مدى السنوات الثلاثة الماضية. هنالك مساع متعمدة لإخضاع المجتمع للإمتثال، وتجميد الشعب، وتأكيد قبضة الجيش على الحياة العامة. لقد تم قتل 24 طالباً رمياً بالرصاص في الحرم الجامعي، من أصل ما مجموعه 300 طالب لقي مصرعه على مدى السنوات الثلاثة الماضية. كما تم اعتقال أكثر من 5,000 طالب وطالبة أيضاً، ويقبع 3,000 طالب حالياً في السجن. وعلى الرغم من نفي النظام، ذكر وزير الداخلية، قبل بضعة أشهر، بأنهم قد سمحوا لـ3,562 طالب وطالبة بخوض إمتحاناتهم، مما يعني وجود هذا العدد الكبير على الأقل رهن الإحتجاز. وبالإضافة إلى ذلك، تم فصل 53 من أعضاء هيئة التدريس. فيما قتل 13 آخرين بالرصاص.

– هل قامت الحكومة بتغيير القوانين واللوائح المنظمة للجامعات؟

بعد الثورة (في عام 2011)، تمكن المصريون من تحقيق بعض المكاسب المتعلقة بإستقلال الجامعات. وقد إنقلب معظم ذلك فيما بعد. على سبيل المثال، يقوم الرئيس [المصري] الآن بتعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات. لم يعد يتم إنتخابهم كما كان عليه الحال بعد الثورة. ويسمح القانون الآن بتواجد قوات الأمن في الحرم الجامعي. كما إنهم قاموا بإعتبار المرافق الجامعية منشآت عسكرية. هنالك الآن 140 طالباً في طريقهم للمثول أمام محاكم عسكرية. علاوة على ذلك، أنت الآن بحاجة للحصول على موافقة من الدولة من أجل السفر إلى الخارج لأسباب أكاديمية، كحضور مؤتمر. وتم فرض حظر على البحث في عدد من الموضوعات. وقد تم نقض رسالتين لنيل شهادتي الدكتوراه وأحيل المشرفين عليهما في كلتا الحالتين إلى جلسات إستماع تأديبية.

– هل أصبحت الحكومة عدائية تجاه الباحثين الأجانب الذين يدرسون في مصر؟

يتم الآن ترحيل الباحثين الأجانب من مصر، ورفض دخول البعض منهم إلى البلاد. وفي قضية ريغيني، نحن بحاجة لمعرفة حقيقة ما حصل، وتشير معظم المؤشرات إلى تورط أمن الدولة. [جوليو ريغيني، طالب دراسات عليا من جامعة كامبريدج، كان يجري أبحاثاً في مصر، إختفى في القاهرة يوم 25 كانون الثاني/ يناير. وتم العثور على جثته وعليها آثار تعذيب شديد في حفرة في الثالث من شباط/ فبراير]. لكن ريغيني لم يكن حالة فريدة. لدينا العديد من الحالات المشابهة لحالة ريغيني من المصريين أيضاً.

– ما الذي يمكن القيام به؟

زيادة الوعي، من خلال أولاً: إستخدام حقائق وإحصاءات موضوعية وموثوقة وتقديمها للجمهور. كما أن الرقابة المستمرة للإنتهاكات والمعتدين في غاية الأهمية. وهنالك شيء آخر – وأعرف بأنه يبدو مثالياً للغاية – ألا وهو الزيارات التفقدية. علينا الإصرار كمجتمع أكاديمي على حق زيارة زملائنا في هذه السجون لمعرفة أوضاعهم. سيخلق هذا الكثير من الضغط. إقتراحي هو أن نقوم بالنظر إلى ذلك على أنها قضايا حقوق إنسان، وألا نقوم بتسييسها.

– هل هنالك ثمة أمل بالنسبة لمصر؟

في غضون خمس سنوات، ستكون مصر أفضل بكثير. وهذا ليس مجرد أمل زائف. المعارك تكسب أو تخسر. لكنهم وفي نهاية المطاف – وهذا هو الدرس الذي يرفض كل الطغاة تعلمه – سيمثلون أمام العدالة وسيضطرون لدفع الثمن. لننظر إلى بينوشيه [الدكتاتور العسكري السابق في تشيلي]. لننظر إلى الدكتاتور العسكري الأخير في الأرجنتين [الجنرال السابق رينالدو بيغنون] والدكتاتور التشادي السابق حسين حبري، [وقد أدين كلاً منهما بإرتكاب إنتهاكات لحقوق الإنسان في الأسبوعين الماضيين فقط] – حتى بعد مرور 30 عاماً، تمت مساءلتهم. سوف تكون هنالك عملية عدالة إنتقالية، من خلال لجان حقيقة ومصالحة على سبيل المثال. إنه أمر ممل وصعب للغاية، ولكنه ضروري من أجل تحقيق السلام والمصالحة الوطنية في النهاية، لكن، وبالطبع، ليس في ظل هذا النظام.

– هل يمكن أن تنجح الديمقراطية في الشرق الأوسط؟

ما يحدث في تونس، وما حدث في تركيا في مرحلة ما، وفي المغرب، وأماكن أخرى، يبين بأن في إمكان الديمقراطية أن تزدهر في العالم العربي. لذلك فإن فكرة الإستثناء العربي إستعمارية للغاية، ومذلة للذات للغاية. كل ما يمكنني قوله هو: رجاء، دعونا لا نفقد الأمل. لدي شعور بأنه وفي مرحلة ما سيدرك الجيش بأنه لن ينجح في إدارة البلاد، وسيقوم بالتراجع خطوتين إلى الوراء ويسمح بإستئناف حكومة مدنية.

* تم تحرير هذه المقابلة بهدف الإيجاز والوضوح.
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى