مقالات رأي

العقوبات الأميركية تعيق التعليم العالي في السودان

* تمت ترجمة المقال عن اللغة الإنكليزية.

تركت العقوبات الأميركية المفروضة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن الاقتصاد السوداني في أزمة، وأصابت النظام التعليمي بأضرار بالغة. إذ تقلص الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت إلى حد كبير، ويصعب الحصول على التمويل والمواد اللازمة للبرامج والأبحاث الأكاديمية. فيما عانت الجامعات السودانية من ضربات القيود المستمرة والعزلة التي شلت إنتاج المعرفة بشكل كبير. كما غادر العديد من الأكاديميين الشباب البلاد.

في عام 1997، فرضت إدارة كلينتون عقوبات اقتصادية على السودان بموجب قانون طوارئ السلطة الاقتصادية الدولي (IEEPA). وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد حددت في وقت سابق السودان كدولة راعية للإرهاب. وكان من المفترض أن تؤدي العقوبات لزيادة تأثير الولايات المتحدة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية من خلال دفع الحكومة لزيادة التعاون في قضايا مكافحة الإرهاب. تسببت العقوبات بانهيارٍ اقتصادي ومشكلة تضخم، وكان تأثيرها الإنساني شديداً، متمثلا بالفقر، والبطالة، ومحدودية فرص الوصول للمعلومات، وأكثر من ذلك. على مر السنين، تم توسيع بعض تلك العقوبات وتقليص أخرى. تمكن المستهدفون الفعليون من العقوبات وإلى حدٍ كبير من إستخدام ثرواتهم والقدرة على تجنب آثارها، وواصلت الحكومة السودانية تشويه صورة الولايات المتحدة وحلفائها، ممّا يكشف عن عجزهم وعدم قدرتهم على التصرف فحسب.

تبدو آثار هذه العقوبات على التعليم قليلة بالمقارنة مع الضرر الذي ألحقته بالقطاعات الأخرى، لكنها تركت تأثيراً عميقاً على المجتمع الأكاديمي. ففي عصرٍ يمتاز فيه التعليم بطبيعته بالإنفتاح والتعاون، فإن عدم قدرة المواطنين السودانيين في الحصول على المعلومات أمر غير مقبول. حيث تبقى مواقع إلكترونية تعليمية مثل أكاديمية خان مغلقة. وأفاد البعض بأنهم إذا ما تمكنوا من الوصول إلى المساقات المتوفرة عبر الإنترنت، فإن حصولهم على الشهادة يواجه طريقاً مسدوداً.

وتعتبر عزلة الأكاديميين عن نظرائهم الدوليين من النتائج الرئيسية الأخرى لهذه العقوبات. فيما يعني الوصول المحدود للمؤسسات المالية الدولية، وضرورة العمل بالدفع النقدي، بأن العديد من الباحثين لم يتمكنوا من حضور المؤتمرات والاجتماعات الدولية. ولا تتمكن الجامعات من دفع ثمن الخدمات الضرورية، والتكنولوجيا، والاشتراكات، مما يتسبب في حرمان أعضاء هيئة التدريس لديهم من الوصول إلى الدوريات العلمية وقواعد البيانات مثل سكوبس Scopus، وساينس دايركت Science Direct، أو حتى الباحث العلمي من جوجل في بعض الأحيان. وقد جعلت هذه العزلة العالمية من المستحيل على الأساتذة التقدم في حياتهم المهنية في الجامعات السودانية وأدى لحدوث هجرة عقول من الأفراد المتعلمين تعليماً عالياً ممّن غادروا بحثاً عن ملاذ أقل توتراً.

في نيسان/ أبريل 2013، كان هنالك رفع جزئي للعقوبات المتعلقة بالتبادل التعليمي. وتضمنت بعض الأنشطة المثيرة للإهتمام التي تمت الموافقة عليها توفير خدمات تعليمية في العلوم الإنسانية، والعلوم الاجتماعية، والعلوم البيئية، والزراعة، والأشغال العامة، والصحة العامة، والقانون، أو العمل في المؤسسات الأكاديمية السودانية من قبل أفراد من الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، تم السماح بأداء امتحانات الشهادة المهنية وامتحانات القبول في الجامعات في السودان، والسماح للمؤسسات المالية الأميركية بقبول مدفوعات الأجور الدراسية، والمنح الدراسية، ورسوم الدخول، وغيرها من النفقات من المواطنين السودانيين، تحت شروط محددة. وبالإضافة لذلك، تم السماح للمنظمات المعفاة من الضرائب والمؤسسات الأكاديمية والبحثية غير الربحية بعقد ندواتٍ في السودان حول موضوعات مثل الاستدامة البيئية، وتدريب المعلمين، والصحة العامة، والأنشطة الإنسانية، وبناء الديمقراطية.

تعمل بعض الفروع المحلية والأقسام التابعة لمنظماتٍ ومؤسساتٍ علمية دولية – مثل جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE)، وجمعية النساء العربيات في الحوسبة – في السودان. ويبدو وكأنهم يمشون على البيض ويتغلبون على الحواجز بحذر. وقد حققت جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) في السودان قفزاتٍ ملحوظة، وقامت بتنظيم مؤتمرات ومسابقات دولية. مع ذلك، لا يزال أعضاء الجمعية (IEEE) من السودان يكافحون من أجل التمتع بالمزايا الكاملة لعضويتهم.

تحدثت إلى الباحثين في مشروع القمر الصناعي بجامعة الخرطوم، والمعروف أيضاً بإسم كيوبسات CubeSat، وهو برنامج دولي يسعى لتعزيز وتطوير المهارات اللازمة لإطلاق أقمار صناعية صغيرة لأغراض البحث وإستكشاف الفضاء. وأعرب الباحثون عن إمتعاضهم قائلين إنهم غير قادرين على تطبيق الكثير من فرص الإطلاق المتوفرة للمؤسسات التعليمية. فالكثير من المنتجات البرمجية المجانية التي تستخدم لمحاكاة الأقمار الصناعية محظورة. ويواجه الباحثون السودانيون مشاكل في الحصول على المعدات والمكونات المناسبة، بسبب العقوبات أيضاً.

كما تواجه اللجنة المنظمة للمعرض السنوي لطلاب الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة الخرطوم تحدياتٍ مماثلة. ومن خلال مشاركتي في تلك المعارض، علمت عن العملية المرهقة اللازمة لإنشاء طرقٍ معقدة عبر عدة قارات بهدف ترتيب تسليم المكونات الإلكترونية التي يحتاج الطلاب إليها من أجل تنفيذ مشاريعهم. مع ذلك، يستقطب المعرض كل عام العديد من الطلاب، والباحثين، والمتخصصين في هذا القطاع، والذين يعترفون بإنجازات الطلاب في الابتكار على الرغم من كل العقبات التي يواجهونها. حيث يمثل المعرض تحدٍ قوي ضد الضغوطات المحلية والدولية.

يعتبر الإستعمال الشائع لما هو  في أفريقيا – حيث يتجاوز الناس الأنظمة الرسمية غير الواضحة  ليخلقوا أنظمتهم  الخاصة بهدف مواكبة الاحتياجات المتزايدة لطبقةٍ إستهلاكية متنامية –أمر ملحوظ بين السودانيين، سواء في الداخل أو الشتات. لا يستطيع الناس إنتظار الحكومة لإصلاح مشاكلهم. وتشمل بعض الأنظمة غير الرسمية التي برزت للإلتفاف على العقوبات إجراء المعاملات النقدية عبر أطراف وسيطة، أو بلدان أخرى، أو تعهد شفوي، أو حتى من خلال الأقارب القريبين والبعيدين. ولما كانت شركة كيك ستارتر Kickstarter وغيرها من منصات التمويل الجماعي محظورة في السودان، لذلك عادة ما يتم حشد مصادر التمويل من قبل أفراد في المهجر ، ليتم تحويل الأموال إلى السودان فيما بعد عن طريق المسافرين.

وهذا هو ما يسعى إليه أنور دفع الله، الأستاذ بجامعة الملك فيصل والناشط، من خلال مبادرة الباحثين السودانيين، المبادرة المكرسة للإلتفاف على العقوبات، بإستخدام قوة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي جزئياً، بهدف المساعدة في خلق إنسيابية أكبر وتعبئة للباحثين السودانيين في الداخل والخارج. ومن بين أهداف المبادرة إنشاء قاعدة بيانات للباحثين السودانيين حول العالم وربطهم ببعضهم البعض، وتوفير منبر لدعم أقرانهم، وتشجيع الشعب السوداني على الإنخراط في الأبحاث، وبالتالي المساهمة في تنمية بلادهم. نظمت مبادرة الباحثين ورشات عمل، وندوات عبر الإنترنت، ومؤتمرات ذات صلة بجميع التخصصات.

وفي ورقةٍ بحثية حديثة، قامت شادي مهرابي من جامعة ألبرتا بدراسة كفاءة العقوبات الاقتصادية كأداة للسياسة الخارجية. وبأخذ إيران كنموذج لدراسة الحالة، كتبت بأن العقوبات “تؤثر على إمكانية الوصول للتعليم العالي وجودته في البلد المستهدف.” كما تشير تقارير حديثة من وزارة الخارجية الأميركية إلى بعض الإذعان من جانب الحكومة السودانية بسبب العقوبات فيما يتعلق بموضوع مكافحة الإرهاب وحل النزاعات الداخلية. ويصر العديد من الدبلوماسيين والمراقبين السياسيين بأن العقوبات قد تجاوزت الغرض منها وأن على حكومة الولايات المتحدة إتخاذ خطوات ملموسة وفورية لإعادة النظر في سياستها تجاه السودان. وشكك آخرون بالتزام الولايات المتحدة بمبادئ حقوق الإنسان، آخذين في نظر الإعتبار التأثير السلبي والخطير للعقوبات على المجتمع السوداني. مع ذلك، ليس هنالك أي تحرك لتحقيق المزيد من تخفيف العقوبات حتى الآن.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى