مقالات رأي

رحلة وصول صحافية فلسطينية- سورية إلى جامعة كولومبيا

قبل أربعة أعوام، وعلى سطح منزل عائلتي القديم في مخيم اليرموك – موطن أكثر من 100,000 لاجئ فلسطيني في جنوب دمشق – كنت أدرس تحضيراً لآخر امتحانات دراستي الجامعية. كنت حافية القدمين ومتعبة من الاستماع إلى نفسي وأنا أقرأ بصوت عال من كتاب سميك بعنوان “التخطيط الإعلامي”.

في الواقع، لم يكن يتوجب علي الجلوس على السطح، لأنه لم يعد آمناً. كانت الحرب مستعرة، وكان القناصة على أسطح المباني المجاورة. لم أكن متأكدة إذا ما كان في إمكانهم رؤيتي أسير في دوائر وأنا أقوم بمراجعة دروسي. لكن منزلي كان مزدحماً. فقد لجأت عمتي وعائلتها إلينا بعد أن سقطت قذيفة قصف مدفعي على غرفة المعيشة الخاصة بهم. في النهاية، كان على عائلتي الفرار من المنزل بعد اجتياح المسلحين للحي.

الآن، لست في مخيم اليرموك ولا في سوريا حتى. أنا على بعد آلاف الأميال في مدينة نيويورك في السكن الجامعي الأنيق لجامعة كولومبيا في مانهاتن العليا. هل كنت أفكر في مكان كهذا قبل أربعة أعوام؟ وهل كنت آمل في الدراسة في واحدة من أفضل كليات الصحافة في العالم؟ لست أدري إن كنت قد فكرت، وأنا أجبر نفسي على شرب كل أباريق الشاي الساخنة تلك لكي أبقى مستيقظة للدراسة، في القهوة الأميركية الساخنة في المستقبل؟

لم أكن أحلم حتى بنيويورك.

العام الماضي، كتبت في الفنار للإعلام عن إحباطي بسبب فشلي في الحصول على القبول في برنامج لنيل شهادة الماجستير في الولايات المتحدة. كما كتبت أيضاً عن قلة المنح الدراسية المقدمة للاجئين السوريين الذين يحاولون الفرار من سوريا ومواصلة تعليمهم. في ذلك الوقت، لم أكن واحدة منهم.

وبعد انقضاء عام على ذلك، كنت ممتلئة بالحزن وأنا أستعد للمحاولة مرة أخرى للتقديم إلى إحدى كليات الدراسات العليا في أميركا. لقد مر عام على انتقالي إلى ألمانيا. كنت أعمل كصحافية وأتعلم أشياء جديدة كل يوم، بما في ذلك اللغة الألمانية، اللغة الصعبة، فضلاً عن معايير العمل الألمانية الصارمة والجديدة عليّ. كنت أتغير تدريجياً، في طريقة نظري وكلامي وتفكيري. لكن خطتي لم تتغير. كنت أرغب في الحصول على درجة الماجستير.

قضيت ساعات وساعات طوال عام كامل في البحث عن برامج دراسية وكيفية دفع تكاليفها. كما قضيت وقتاً أطول في التقديم لهذه البرامج. ومن إجابات الرفض العديدة التي تلقيتها، أدركت بأنني بحاجة لتحسين طريقة تقديمي. وقد كانت اللغة الإنجليزية المشكلة الأكثر وضوحاً. قضيت شهر آب/ أغسطس 2015 في إحدى مكتبات برلين لإنجاز نماذج من اختبارات القراءة وحفظ الكلمات الجديدة بهدف تطوير حصيلتي من المفردات. التقيت برجل بريطاني في السبعين من عمره على الإنترنت وقد ساعدني على تطوير لغتي المحكية. أخبرني بأنني استخدم كلمة “مثل” كثيراً. لحسن الحظ، كانت درجات امتحاني أعلى بكثير في المرة الثانية.

بدأت ببناء مسيرتي المهنية كصحافية تعمل مع العديد من الصحف الأميركية والألمانية. لكن تقدمي الكبير قد جاء عندما تعلمت بأنه ليس هنالك ما يبعث على الخجل في طرق كل الأبواب للحصول على المساعدة، دون خوف من الرفض.

عندما ألقيت نظرة على متطلبات الإلتحاق بكلية الصحافة في جامعة كولومبيا، اعتقدت بأنني لن أحصل على ذلك أبداً. وبعد أن تم قبولي، كنت متأكدة بأنني لن أكون قادرة على تحمل رسوم الدراسة والرسوم الأخرى. إتصلت بالجامعة طلباً للمساعدة، وتقدمت بطلب عبر ما يُسمى بمنحة السكن واتصلت بكل شخص أعتقد بأن في إمكانه المساعدة.

في هذه الأثناء، كانت أمامي أختيارات لأقوم بحسمها. كنت قد تقدمت بطلب للدراسة في ثلاثة برامج مختلفة في بريطانيا والدنمارك والولايات المتحدة الأميركية. وقد تم قبولي في البرامج الثلاثة. لا تتوقف الحياة عن مفاجأتك أبداً عندما يكون اتخاذ القرار شاقاً بقدر مساو لإنعدام وجود الخيارات. طوال أشهر، كنت أتخذ قراراً مختلفاً كل يوم بشأن المكان الذي سأذهب إليه، لاسيما وأن الخيارين البريطاني والدنماركي يتضمنان تغطية كاملة للرسوم، في حين أن الخيار الأميركي لا يتضمن ذلك.

مع ذلك، أردت أن أذهب إلى كولومبيا. كان البرنامجان الآخران رائعان بالتأكيد. لكنني اعتقدت بأن الدراسة في كولومبيا ستكون أفضل. وقد أخبرني صديق مقرب يعمل صحافياً كان قد عاش في نيويورك لمدة خمس سنوات بأنني “إذا ما تمكنت من النجاة والعيش في نيويورك، فإنك ستنجحين في كل مكان.” وقد كنت من الناجين بالفعل، فأنا أنتمي إلى هناك.

لكن لم أكن أمتلك النقود اللازمة للبقاء على قيد الحياة طوال عام إذا ما كان بإمكاني تغطية تكاليف الدراسة. كانت إحدى المحررات الصحافيات من خريجي جامعة كولومبيا على يقين بأن النقود وبمجرد إتخاذي للقرار لن تكون مشكلة. وثقت بكلامها ورفضت، في ما كان بالتأكيد من أصعب رسائل البريد الألكتروني التي كتبتها في حياتي، منحة تشيفننج البريطانية ومنحة إيراسموس التابعة للاتحاد الأوروبي اللتين فزت بهما.

ناضلت جامعة كولومبيا لمضاعفة منحتي الدراسية. حصلت على خصم كبير على رسوم السكن في المهجع الجامعي. وتبرع شخصان مذهلان بالمال. كان ذلك حقيقياً، وكنت ذاهبة إلى نيويورك على ما أعتقد.

في تموز/ يوليو، رفض مسؤول أميركي طلبي للحصول على تأشيرة طالب. قال الضابط في القنصلية الأميركية في فرانكفورت، “أنت لاجئة في ألمانيا. أعتقد بأنه يتوجب عليك البقاء للدراسة والعيش في ألمانيا.” عادة ما تكون تلك القرارات غير قابلة للنقض، وليس في إمكان قاضي، أو الكونغرس الأميركي، أو حتى الرئيس الأميركي تغييرها. بدا الأمر وكأنني وصلت إلى طريق مسدود وغير مشجع للغاية.

لكنني قمت بالتقديم مرة أخرى مع دعم أكثر من الجامعة، والمحررين الذين أعمل معهم، والداعمين لي. وكانت المرة الثانية ساحرة.

الآن، أجلس في البيت الدولي المطل على ريفرسايد درايف وأدرس في كولومبيا بينما أكتب هذه المدونة. كتبت لي إحدى الصديقات مؤخراً لتخبرني كم هي فخورة بي. وأنا فخورة بنفسي أيضاً. في الغالب، أنا أشعر بالإمتنان وعدم التصديق.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى