مقالات رأي

نجاح الطلاب السوريين بين الألم والفخر

نيويورك- عندما توجهت سناء مصطفى للمشاركة في برنامج تبادلي لمدة ستة أسابيع في الولايات المتحدة في حزيران/ يونيو 2013، لم يكن في بالها أنها لن تعود مجدداً لبلادها. إذ تم اعتقال والدها الناشط السياسي من قبل قوات النظام السوري خلال رحلتها وفضلت عائلتها بقائها خارجاً تجنباً لتبعات اعتقال والدها، خاصة وأنه سبق اعتقالها هي أيضاً مطلع الثورة السورية. وبعد أن كانت طالبة في السنة الرابعة في كلية إدارة الأعمال في دمشق، وجدت سناء نفسها فجأة بلا جامعة أو عمل أو أسرة وأيضاً بلا مأوى.

اضطرت سناء للتنقل بين تسعة أماكن خلال عام واحد بحثاً عن مأوى، كما عملت كنادلة في مطاعم للوجبات السريعة وجليسة للأطفال لإعالة نفسها. لكنها نجحت لاحقاً في الحصول على حق اللجوء السياسي في الولايات المتحدة ومن ثم حصلت على منحة لدراسة العلوم السياسية في كلية بارد في نيويورك وستتخرج نهاية العام الحالي.

قالت “لم يكن طريقي معبداً على الإطلاق، لكنني تمكنت من إجتياز الكثير من المطبات. وأتمنى أن يتمكن غيري من الطلاب السوريين من ذلك أيضاً.”

كلام سناء جاء خلال جلسة ضمت مجموعة من الطلاب السوريين قمت بإدارتها خلال مؤتمر عقد على مدار يومين حول سبل توفير التعليم الرقمي للاجئين في مدينة نيويورك الشهر الماضي. ورغم معرفتي المسبقة بقصة سناء، خلال تحضيرنا للمؤتمر، إلا أن سماعي لقصتها منها مباشرة على المنصة أربكني. كنت حزينة ومتأثرة جداً خاصة وأنها لم تر عائلتها منذ أكثر من ثلاث سنوات كما أنها لا تعرف أي شئ عن مصير والدها. لكنني كنت أيضاً أشعر بالفخر لتقديمي لشابة سورية من بلدي، تعلمت الإنجليزية من مسلسلات تلفزيونية وتنقلت في العديد من المهن في بلد غريب قبل أن تتمكن من حجز مقعد لنفسها في جامعة أميركية.

سألتها خلال الجلسة عن أكثر الصعوبات التي واجهتها خلال السنوات الثلاث الماضية فقالت “كنت وحدي ولم أجد من يساعدني ولو بتقديم معلومات بسيطة، لقد عثرت على المنحة الدراسية صدفة عبر صفحة على الفيسبوك.”

إلى جانب سناء، جلس على المنصة كل من إدغار كعده وصهيب إبراهيم ورهام كوسا وفاطمة الزغبي. جميعهم طلاب سوريون من مدن مختلفة دفعتهم ظروف الحرب في سوريا إلى مغادرتها بحثاً عن سماء أمنة من القصف وأرض خالية من الاعتقال. لم أقم بتقديمهم خلال الجلسة وتركت لهم المهمة لتقديم أنفسهم كما يرغبون.

حصل كعده على منحة لدراسة الماجستير في العلوم الحيوية في جامعة بون بعد تخرجه كمهندس من جامعة حلب عام 2014، خلال عمله كمتطوع مع الهلال الأحمر السوري شاهد الكثير من مأسي الحرب التي دمرت معظم مدينته. مع ذلك، فقد أصر على استكمال مسيرته العلمية. قال “كنت محظوظاً لحصولي على منحة دراسية، لو توفر لي فرصة للدراسة إلكترونياً كنت سأبقى في سوريا بالتأكيد.”

بدوره، بدا إبراهيم القادم من مدينة القامشلي سعيداً بحصوله على فرصة عمل كمدير مشروع متعلق بالنقل في ولاية إلينوي بعد تخرجه من كلية الهندسة المدنية في جامعة الولاية. قبل حصوله على المنحة، درس إبراهيم في جامعتي حلب ودمشق. واليوم، وإلى جانب عمله، يساهم إبراهيم في برنامج معهد إلينوي للتكنولوجيا (IIT) لدعم الطلاب السوريين وتقديم المشورة والدعم اللازمين لمساعدتهم على استكمال تعليمهم والحصول على منحة دراسية. قبل ذلك

قال “بالعودة للوراء، أعتقد أن الحاجز الأكبر لدى غالبية الطلاب السوريين يكمن في غياب التوجيه السليم. التقدم بطلبات للدراسة في الخارج هو أمر جديد كلياً بالنسبة لغالبية الطلاب إلا في حال كان لديهم أقارب أو معارف يدرسون في الخارج.”

أما رهام كوسا، فرحلتها للوصول إلى ألمانيا ومن ثم الحصول على منحة دراسية في جامعة كولومبيا كانت طويلة جداً ومليئة بالتعقيدات الإدارية. قالت “تقدمت بأكثر من 7 طلبات للحصول على منح دراسية مختلفة، وفي كل مرة كنت أحصل على رسالة الرفض كنت أتساءل عن السبب. لاحقاً، اكتشف انني بحاجة لتحسين مستوى لغتي الإنجليزية.”

بعد تقدم مستواها في اللغة الإنجليزية، تمكنت رهام من الحصول على قبول في منحتين أوروبية وأخرى أميركية. اختارت الأخيرة لكنها واجهت صعوبة في الحصول على الفيزا. قالت “رفض طلبي أول مرة، لكنني حصلت عليها في المرة الثانية. لا شئ مضمون لكن لا شئ مستحيل أيضاً طالما رغبت به.”

في المقابل، تبدو فاطمة الزعبي، الحاصلة على بكالوريس في التربية من جامعة دمشق، أقل “حظاً” رغم وصولها للولايات المتحدة منذ أكثر من سبعة أشهر. فاطمة، التي وصلت وعائلتها إلى فيلادلفيا ضمن برنامج الأمم المتحدة لإعادة توطين اللاجئين السوريين، لا تتقن اللغة الإنجليزية وبالتالي هي غير قادرة على تحقيق حلمها بدراسة الماجستير أو حتى العمل رغم حاجتها الشديدة لإعالة نفسها وأسرتها.

قالت “قضيت في الأردن ثلاثة أعوام، لم اتمكن خلالها من الدراسة بسبب عدم امتلاكي للوثائق اللازمة لذلك وايضاً بسبب ارتفاع رسوم الدراسة الجامعية. كنت أتمنى أن أكمل دراستي هنا، لكنني للأن غير قادرة على التواصل بشكل جيد باللغة الإنجليزية. أتمنى لو تتوفر منح لدراسة اللغة على الأقل.”

جسدت رحلة مصطفى وقاعدة وإبراهيم وكوسا والزعبي لاستكمال تعليمهم وبناء حياة جديدة خارج سورية نموذجاً لرحلة آلاف الطلاب السوريين، الذين نجح بعضهم في الحصول على منحة دراسية في الخارج بينما مازال أكثرهم يصارع للفوز بفرصة لتغيير واقع شديد الصعوبة خاصة أولئك الذين مازالوا في دول الجوار. فعلى الرغم من توفر عدد من المنح الدراسية الجامعية إلا أن شروط الحصول عليهم تبدو تعجيزية في ظل افتقار غالبية الطلاب لوثائقهم الشخصية والدراسية. (اقرأ المقال ذو الصلة: عندما تنتهي أحلام الطلاب السوريين بسبب ورقة).

خلال الجلسة، لم يكتف الطلاب المشاركون بالحديث عن تجربتهم الشخصية بل شاركوا الحاضرين أيضاً تجارب وقصص لأصدقائهم ومعارفهم من الطلاب السوريين في داخل وخارج سوريا. كان العائق الأبرز من وجهة نظرهم يكمن في غياب المرشد أو الناصح حول ألية التقديم للمنح الدراسية وسبل إختيار المناسب منها. كما أجمعوا على أهمية فهم واقع اللاجئين القانوني والمعيشي قبل وضع شروط المنح الدراسية وضرورة الاهتمام بالدعم النفسي للطلاب المقبولين.

كما أبدى الطلاب جميعاً اهتماماً بفكرة التعليم الإلكتروني للاجئين، لكنهم أكدوا على أن نجاحها يتوقف على الألية التي سيتم إعتمادها لقبول الطلاب واللغة التي سيتم التدريس بها والتخصصات التي ستوفرها وقبل كل شئ قبول الشهادات الصادرة عنها من قبل حكومات المجتمعات المضيفة وسوق العمل.

كان الحماس واضحاً عليهم رغم كل الصعوبات التي واجهتهم وما تزال تواجههم، وأعربوا عن سعادتهم بالمشاركة في إيصال صوت الطالب السوري في جلسات تناقش سبل دعمهم. فعلى الرغم من انتهاء جلستهم في النصف الأول من اليوم، لكنهم حرصوا على حضور كامل الجلسات. بينما اعتذرت رهام بحزن عن اضطرارها للمغادرة للعودة إلى صفها الدراسي في جامعة كولومبيا.

بعد الجلسة، همس لي أحد الحاضرين “هؤلاء الشباب ملهمين حقاً.”

قلت له “ويستحقون المساعدة، صحيح!”

فأجاب بحماس “بالطبع. نحن نحاول بجهد لكن الفرص المتاحة تبقى أقل بكثير من عددهم.”

فقلت “أعتقد أنهم الفرصة الحقيقية التي لا ينبغي نحن أن نضيعها.”

*رشا فائق مديرة تحرير الفنار للإعلام. يمكنكم متابعتها على تويتر RashaFaek@

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى