مقالات رأي

هل تجعل التكنولوجيا التعليم ممكناً في كل مكان؟

الابتكار أمر معقد، فهو يتواجد في الفضاء الواقع ما بين عالم العلم ومشاعر الإنسان. وتتعزز الحالة في ذات اللحظة التي ينتصر فيها الأمل على المنطق ويخلق الزخم اللازم لجعل المستحيل ممكناً.

بالنسبة لي، بدأت لحظة الابتكار مع صورة لرحلات مدرسية على أرض طينية.

كانت الرحلات المدرسية مستقرة بين سماء زرقاء رائعة وأرضٍ برتقالية اللون. وجاء في البريد الإلكتروني “نحن بحاجة للبدء في إعطاء حصص عبر الإنترنت هنا في شهر أيلول/ سبتمبر.”

بدا ذلك مستحيلا، فقد كنا في شهر آذار/ مارس من عام 2010، ولم تكن هناك خدمة إنترنت ولا مصدر للطاقة الكهربائية. في الواقع لم يكن هناك مبنى حتى. لكن الأمل الذي لا يهاب شيئاً تغلب على الخيال وانتصر بطريقة أو بأخرى على المنطق.

تعتبر المبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم Jesuit Worldwide Learning منظمة غير ربحية توفر فرص التعليم العالي في مواقع تعليمية في جميع أنحاء العالم. بدأت المبادرة عام 2010 ببرنامج مجلس عموم اليسوعية: التعليم العالي في الهوامش، وهو البرامج الذي يعتمد على أكثر من 450 عاماً من الخبرة في تقديم تعليم عالي الجودة يركز على تشكيل الشخص بالكامل. وبوصفها شبكة عالمية، تبنى اليسوعيون استخدام أدوات الاتصال منذ البداية. فكانت مسألة تقديم تعليم متمازج عالي الجودة يقدر نهجهم التربوي التحولي بمثابة الخطوة المنطقية التالية. وقد أدى تركيزهم على المجتمعات المهمشة في جميع أنحاء العالم إلى مزج المهمة مع التكنولوجيا. لكن، ما الذي تعلمته المبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم؟

الأمر لا يتعلق بالتكنولوجيا

يعتمد التعليم على المتعلم. إذ ليس هناك حل بمقاس واحد يناسب كل شيء في مجال التعليم المعزز بالتكنولوجيا. يجب أن يبدأ الإعداد لوضع برنامج تعليمي ما بتحليل مفصل لما قد تبدو عليه التجربة المثلى لتعلم الطلاب. يكشف القيام بذلك التحليل المتطلبات الأساسية للبنية التحتية اللازمة. لأن الهدف يتمثل في توفير التعليم للطالب وليس الكومبيوتر. كما أن التعليم ليس نقلاً أحادي الإتجاه للمعرفة بل تجربة ثلاثة الأبعاد.

تتمثل المهمة الأساسية للتعليم اليسوعي في تشكيل ورعاية الشخص ككل – والمتجسدة في العبارة اللاتينية Cura Personalis  أو “رعاية الشكل بالكامل”. ومن سماته المميزة الأخرى التشكيك والنقاش – أو ما يعرف باسم Eloquentia Perfecta بمعنى التعبير عن المنطق الصحيح بطريقة فعالة ومسؤولة وتتحلى بالكياسة. تشكل هذه المبادئ أساسيات التجربة اليسوعية في التعلم وتؤثر في تصميم طرق تقديم التعليم المعزز بالتكنولوجيا في المبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم.

وبهدف توفير أعلى مستويات الجودة من مناهجنا التعليمية على مواقعنا التعليمية، قررنا استخدام المواد التعليمية ذات النطاق العريض التردد والتي تستند على أحدث الأبحاث المتعلقة بكيفية تعلم الطلاب باستخدام وسائل الإعلام. أسّس هذا النهج لسيناريو يمكن أن يحد من انتشارنا في المناطق التي يكون فيها عرض النطاق الترددي ضعيفاً. لذلك توجب علينا أن نكون خلاقين والعمل على تطوير حلول تقنية مصممة خصيصاً في مواقع التعلم الخاصة بنا، لنتمكن من تقديم تجارب طلابية بذات المستوى الذي نرغب في تحقيقه في كل مكان.

طلاب مخيم ملاوي يدرسون عبر الإنترنت للحصول على شهادة في الدراسات الحرة من جامعة ريجيس في دنفر، في كولورادو.

ليس هناك حل بمقاس واحد يناسب كل شيء

بالنسبة لنا، يكمن الحل لإعداد بيئة للتعلم في توحيد التجارب الطلابية المطلوبة في جميع مواقع التعلم. وهذا ما يحرك الحلول التقنية التي ستختلف تبعاً للتغيرات الفريدة في كل موقع.

في مخيم كاكوما في كينيا، والواقع بالقرب من خط الاستواء، تلتهب درجات الحرارة، تكاد الحرارة والرياح أن تكون سمة دائمة للمكان. عندما بدأنا في العمل هناك عام 2010، كنا نمتلك نطاق ترددي يقل عن 1 ميغابايت في الثانية في سبعين محطة تتوفر فيها أجهزة الكومبيوتر. ويمثل هذا أقل من عرض النطاق الترددي المتوفر في مودم الاتصال الهاتفي القديم.

وبما أننا نعلم بأننا بحاجة لأن نكون قادرين على توفير كل من المواد ذات الجودة العالية بالإضافة إلى إيجاد وسيلة تمكن الطلاب والمعلمين من التفاعل عن بعد، قررنا استخدام عرض النطاق الترددي الذي امتلكناه لتفاعل الناس مع بعضهم البعض. ومن ثم قمنا بإنشاء شبكة محلية يتمكن طلابنا من خلالها من الوصول إلى مقاطع الفيديو والعروض التقديمية المروية بشكل صوتي. وبتحميل المحتوى التعليمي على خادم محلي، تمكنا من إعطاء الطلاب فرصة للوصول إلى أحدث محتوى من الوسائط المتعددة حتى إذا ما كنا نتوفر على إنترنت ذو عرض نطاق ترددي منخفض للغاية. وكميزة إضافية، ساعد الخادم أيضاً في إدارة استخدام الإنترنت.

لكن عرض النطاق الترددي للإنترنت لم يكن سوى جزء من المشكلة. فإلى جانب ذلك، كان علينا التعامل مع الحرارة المرتفعة والرياح وإنعدام مصادر الطاقة الكهربائية. اخترنا استخدام ما يعرف باسم تكنولوجيا العميل صفر – لاسيما استخدام علبة صغيرة تقوم بتقسيم القدرة الحاسوبية لكومبيوتر واحد إلى العديد من أجهزة الكومبيوتر. توفر هذه التكنولوجيا قدرة حوسبة كاملة رغم أنها تتطلب قدراً ضئيلاً من الطاقة، ولا تضيف المزيد من الحرارة في الغرفة – وهو أمر حيوي بالنسبة للبيئة التي كنا نعمل فيها. ونظراً لتصميمها المضغوط وإنعدام الأجزاء المتحركة فيها، لا تتأثر تكنولوجيا “الزبون صفر” بالغبار – وهي مشكلة رئيسية أخرى واجهناها في هذا الموقع.

كان النظام بسيطاً وسهلاً في التنصيب وبالإمكان دعمه عن بعد. كما جعل الحجم الصغير لتكنولوجيا “الزبون صفر” من تكاليف الشحن والنقل منخفضة، فيما جعل إنعدام القيمة للأجزاء المنفردة من النظام تلك الأجزاء أقل عرضة للسرقة مقارنة بأجهزة الكومبيوتر المحمولة.

يصبح التفاعل بين هذه المتغيرات مهماً للغاية عند تقييم أي موقع جديد. في بعض الأحيان لا تكون أفضل الحلول بالضرورة الأكثر كفاءة أو الأقل تكلفة. ففي عمان، في الأردن، يتوفر الإنترنت ذو النطاق الترددي العالي، كما يتوافر الدعم والمعدات الممتازة لدى البائعين المحليين. وبذلك يعتبر تحقيق التوازن بين ما يمكن شراؤه من داخل البلاد وما لا يمكن توفيره جزء مهم من الحل.

وحيثما كان ذلك ممكناً، يعتبر شراء المعدات من الأسواق المحلية الحل الأمثل. لأن القيام بذلك يعني وجود دعم محلي، وهو أمرٌ حاسم عندما تكون هناك حاجة لإصلاح أو استبدال بعض القطع. كما أن دعم الاقتصاد المحلي فائدة أخرى. ويمكن أن يكون التوفير في تكاليف الشحن والاستيراد كبيراً. باختصار، هناك تكاليف خفية في عملية تنفيذ وإدارة ودعم بيئة التعلم عن بعد والتي يمكن التقليل منها عن طريق الشراء من الأسواق المحلية.

الحلول التقنية معقدة – يمكن لاختياراتك أن تعزز أو تحد ممّا يمكنك تقديمه لطلابك

من بين الطرق التي يمكنك التفكير فيها بهدف توفير أحد الحلول التكنولوجية ما يلي: أفضل بيئة للتعلم = التكلفة (أفضل الأجهزة + أفضل البرمجيات + أفضل إتصال بالإنترنت + أفضل مصدر للطاقة + أفضل دعم + أفضل السياسات)

من شأن تفكيك المعادلة إلى مكوناتها المنفردة أن يساعد في اتخاذ القرار.

أفضل الأجهزة

يمكن أن يكون الاختيار المبني على احتياجات اليوم مغرياً، لكن من المهم أن نفكر مسبقاً في احتياجات البرامج المستقبلية، فضلاً عن التفكير في تكاليف الصيانة والاستبدال. لأن أجهزة الكومبيوتر الأساسية الأرخص والتي يتم شراؤها اليوم سرعان ما سيعفو الزمن عليها. وعليه، من الأفضل الاستثمار في توفير أفضل ما يمكنك توفيره – لأن التوفير سيكون أعظم في وقت لاحق.

من الممكن ألا يكون خيارك الأفضل بخصوص الأجهزة متمثلا في جهاز كومبيوتر على الإطلاق. من بين الحلول الجيدة للغاية جهاز مايكروسوفت Surface  اللوحي، والذي يشغل تطبيقات تقليدية مثل مايكروسوفت أوفيس ومايكروسوفت ويندوز مع توفير مزايا الجهاز اللوحي المتمثلة في إمكانية النقل وتوفير الطاقة.

وإذا ما كان نظام إدارة التعلم الخاص بك يعتمد على الحوسبة السحابية بشكل كامل، فسيمكنك استخدام جهاز مثل كروم بوك Chromebook  حلاً رائعاً ومنخفض التكاليف. من ناحية أخرى، سيزيد ذلك ما ستحتاج إليه في عرض النطاق الترددي ويقيد ما يمكنك تعليمه – وهذه هي المقايضات والقرارات التي يتوجب على كل برنامج وموقع مواجهتها.

أخيراً، ومع تقدم تكنولوجيا الهاتف المحمول، فمن المهم الإهتمام بالحلول الجديدة التي تزيد من إمكانية وصولك مع الإلتزام بتحقيق تجربة الطالب القياسية الخاصة بك.

أفضل البرمجيات

عن طريق تثبيت أحدث البرامج المرخصة، ستتمكن من بناء القدرة على تبني الميزات الجديدة – والكثير منها يحافظ على النطاق الترددي للإنترنت ويوسع قدرات معداتك. وبهذا ستتغير العروض التعليمية. تتطلب الحلول الناشئة، مثل الواقع الافتراضي وأدوات الحوسبة السحابية الممتدة، الحد الأدنى من المعايير. يمكن أن تكون البرمجيات المجانية أو المقرصنة مكلفة للغاية إذا لم يكن لديك شخص ما لتقديم الدعم أو إذا ما أدى ذلك لتعريضك للمساءلة القانونية. هناك برمجيات مجانية ممتازة من مصادر مفتوحة متاحة بحسب احتياجاتك.

أفضل اتصال بالإنترنت

هنالك دفع كبير باتجاه تبني استراتيجية الحوسبة السحابية أولا Cloud First. تتطلب العديد من الخدمات التي كانت متاحة محليا في السابق الوصول إلى السحابة الإلكترونية. تشهد تكاليف الإنترنت ذو عرض النطاق الترددي العالي انخفاضا ويجري ادخال حلول جديدة بوتيرة سريعة. من المهم أن نفهم ما يضمنه لك مجهز خدمة الإنترنت الخاص بك واستعراض حلول الاتصال بالإنترنت الخاصة بك كل عام.

أفضل مصدر للطاقة

لدينا الكثير من الخيارات بخصوص الطاقة اليوم، من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحتى شبكات الكهرباء التقليدية والمولدات الكهربائية. ويمكننا وضع مختبر للتعلم في أي مكان في العالم تقريباً. وبحساب التكلفة اللازمة لتوفير معدات توليد الطاقة واختيار الحل المناسب للبيئة المحلية، يمكنك المساعدة في الحفاظ على الموارد.

أفضل سبل الدعم

يعتبر الاعتماد على البائعين المحليين إحدى طرق مساعدة الاقتصاد المحلي وضمان وجود دعم محلي لك على أرض الواقع. في بعض الأحيان، قد لا يكون ذلك ممكناً. في هذه الحالة، سيكون التفاوض للحصول على أفضل اتفاقيات الدعم (أو الاستبدال) لكل من الأجهزة والبرمجيات أمراً مهماً.

لاجئون يبنون مركز للتعلم في مخيم ملاوي، المبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم.

أفضل السياسات

غالباً ما يتم تجاهل السياسات اللازمة للتطوير عند خلق بيئة تعليمية. من الضروري أخذ سياسات مثل تلك المتعلقة باستخدام الكومبيوتر، وصيانة المختبرات، وسياسات الاستبدال في نظر الاعتبار عند إنشاء بيئتك التعليمية. كيف ستضمن السلامة؟ وهل ستعرض الطلاب للخطر عندما تطلب منهم حمل المعدات؟

يجب أن تكون كل هذه المتغيرات متوازنة مع الأموال التي تمتلكها من أجل إيجاد بيئات التعليم المعززة بالتكنولوجيا الصحيحة.

إيجاد الشركاء المناسبين

قد تشعر المنظمات في بعض الأحيان بالحاجة إلى السيطرة على جميع جوانب البيئة التي تعمل فيها، لكن الشركاء الجيدين يمكن أن يكونوا ضروريين ويساهموا في توفير قيمة كبيرة. في حالة المبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم، نحن نعتمد دائماً على إيجاد شريك محلي يعرف السياق والثقافة، ويمكن أن يساعد في إدارة الأنشطة اليومية في بيئة التعلم.

إن شريكنا الأول والأكثر استمرارية على الأرض هو الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين. وهي هيئة معروفة بخبرتها في توفير التعليم الإبتدائي والثانوي والتعليم المجتمعي في سياق حالات الطوارئ. من خلال الشراكة، تمكنا من توسيع خدماتهم بشكل فوري وتعزيز مهام كلٍ منا.

وبذكر عدد قليل من شراكات أخرى: يمكن لطلابنا الحصول على شهادة في الدراسات الحرة من شريكنا الأكاديمي المتمثل بجامعة ريجيس في دنفر، في كولورادو. ويتم منح شهادات كليات المجتمع في جامعات متعددة. كما تستضيف جامعة جورجتاون نظام معلومات الطلاب ونظام إدارة التعلم. وتوفر شراكة فريدة من نوعها مع كلية المجتمع في سولت ليك سيتي وجامعة ولاية يوتا طريقاً للتعلم للحصول على درجة البكالوريوس في العمل الاجتماعي. وقدمت مؤسسات أخرى، مثل حرم جامعة جورجتاون الدوحة وجامعة غونزاغا خدمات مثل التقييم والتأمين. وتبرعت جامعة جون كارول وجامعة سان فرانسيسكو، من جملة آخرين، بتوفير المعدات.

من المهم أن تنظر في نوعية الشركاء الذين تحتاج إليهم. ومن بين من ستحتاج للتفكير فيهم الشركاء التقنيين، والشركاء القانونيين، والجمعيات الأكاديمية، وشركاء من الشركات، والمؤسسات، والجهات المانحة. من شأن وجود بيان رؤية ومهمة واضحين المساعدة في تحديد من سيتمكن من تعزيز مهمتك ومساعدتك على التقدم خطوة واحدة لتقترب من تحقيق رؤيتك.

ما الذي حصل على تلك الأرض الطينية؟ بإشراف الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين، يعتبر مركز أرّوبي، الذي تم بناؤه باستخدام الطوب الذي صنعه اللاجئون، والمحاط بحديقة مجتمع، الآن محوراً للنشاط. فمن تعلم اللغات وحتى الحصول على دورات جامعية، يواصل الطلاب هناك تغيير المجتمع من حولهم. ومن خلال التعلم مع طلاب من خمس وعشرين دولة مختلفة وأعضاء هيئة تدريس من مختلف أنحاء العالم، يجسد المركز رؤية المبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم: “التعلم معاً من أجل تغيير العالم” وهكذا أصبح المستحيل ممكناً بفضل الابتكار في الهوامش.

سيندي بونفيني-هوتلوس، نائبة رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات والابتكار في المبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم Jesuit Worldwide Learning.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى