أخبار وتقارير

مبادرة سورية لتعليم الأطفال اللاجئين في لبنان

البقاع، لبنان– على مقاعد الدراسة في كلية الطب في جامعة دمشق، أمضى فادي الحلبي أكثر من تسع سنوات استعداداً لممارسة جراحة الأعصاب. لكن ظروف الحرب في سوريا، أجبرته على مغادرة بلاده إلى لبنان ومغادرة مهنة الطب، المهنة التي طالما حلم بممارستها، نهائياً. إذ تمنع الحكومة اللبنانية مزاولة مهنة الطب وغيرها الكثير من المهن التي تتطلب مؤهلات أكاديمية عليا على غير اللبنانيين.

لكن إيمان الحلبي بأهمية التعليم خاصة بالنسبة للاجئين من أبناء بلده دفعه لإطلاق مشروع خاص لدعم تعليم الأطفال واليافعين بصورة غير رسمية في منطقة البقاع الحدودية الممتدة بمحاذاة الحدود الشرقية للبنان مع سوريا والتي تضم العدد الأكبر من المخيمات العشوائية لنحو 300 ألف لاجئ سوري.

في لبنان، يوجد  اليوم أكثر من 250 ألف طفل – حوالي نصف الأطفال في سن الدراسة والمسجلين– بدون تعليم. بعضهم لم يدخل أي فصل دراسي أبداً بحسب تقرير “يكبرون بلا  تعليم: حواجز تعليم الأطفال اللاجئين السوريين في لبنان” لمنظمة هيومن رايتس وتش. وعلى الرغم من سماح الحكومة اللبنانية  للاجئين السوريين بالالتحاق بالمدارس الحكومية مجاناً  وفتح فصول مسائية للسوريين في 238 مدرسة للعام الدراسي 16-2015، إلا أن كثيرين لم يلتحقوا بالمدارس الحكومية. فبحسب تقرير المنظمة، تتسبب القوانين المتشددة التي تمنع السوريين من الحصول على إقامة وعمل بشكل قانوني في تقويض سياسات لبنان السخية في مجال تسجيل الأطفال بالمدارس. كما تعاني غالبية العائلات من الفقر وتخشى الاعتقال إن حاولت العمل أو العثور على عمل. في الغالب، لا تستطيع هذه العائلات توفير مصاريف الدراسة، مثل النقل واللوازم المدرسية، أو تعتمد على عمل الأطفال عوضاً إرسالهم إلى المدرسة. من جهة أخرى، يواجه الطلاب السوريين تحديات أخرى تمنع التحاقهم بالمدارس الحكومية كالمضايقات العنصرية من قبل الطلاب والأساتذة اللبنانيين والتدريس بلغات غير معتادة – مثل الإنجليزية والفرنسية – وغياب الدعم الكافي لتدريس اللغات. كما تواجه الفتيات والأطفال الأكبر سناً وذوو الاحتياجات الخاصة على وجه الخصوص عراقيل في التسجيل.

قال الحلبي “كسوريون نعي جيداً المشكلات التي تواجهنا في بلد اللجوء، لذلك حاولنا في مبادرتنا أن نحل تلك المشكلات لنشجع الطلاب وذويهم على استكمال تعليمهم.”

انطلقت مبادرة الحلبي عام 2013 تحت اسم Multi Aids Programs وضمت مجموعة سوريين معظمهم أطباء ومهندسين وأساتذة يقيمون في لبنان ويرغبون بمساعدة أبناء بلدهم في مجالي الصحة والتعليم.

قال “بدأنا بمبادرة تعليمية بسيطة مكونة من عدة صفوف للتعليم الابتدائي غير الرسمي ومستوصف بسيط أقمناه في موقف للسيارات بهدف التأكيد على دور وإمكانية مساعدة السوريين لبعضهم البعض في دول الجوار.”

اليوم، يبلغ كادر المبادرة نحو 300 سوري يعملون في مجال تعليم 3,500 طالب سوري من سن ست سنوات وحتى مرحلة الشهادة الثانوية وفي مجال تقديم الدعم الطبي لما يقارب من 10 آلاف مريض شهرياً. يدرس الطلاب السوريون في تسعة مراكز أسستها المبادرة في البقاع، في شمال لبنان، وفق مرحلتين صباحية ومسائية لإستيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب بالإضافة إلى مركز خاص لطلاب الشهادة الثانوية. تبدو الصفوف الدراسية، في إحدى المدارس التي تمت زيارتها- صغيرة لكنها نظيفة ومزينة جدرانها برسومات ملونة للطلاب. كما يمتلئ فناء المدرسة بأحواض الزرع.

 مع ذلك، لاتحمل المدارس ترخيصاً رسمياً حتى الآن.

قال الحلبي “في البداية عملنا تحت مظلة جمعية لبنانية مرخصة ثم لاحقاً حصلنا على ترخيص قانوني كجمعية من وزارة الداخلية. لكننا لانملك ترخيصاً للمدرسة لأننا لا نملك المواصفات المنصوص عليها في الدولة اللبنانية التي تخولنا إنشاء مدارس.”

تعتمد المبادرة على التبرعات العينية لتأمين مسلتزمات الطلاب المدرسية، وتسديد أجور بسيطة للمعلمين.

قال الحلبي “المشكلة الكبرى التي تواجه الطلاب السوريين اليوم هي عدم امتلاكهم لأوراق ثبوتية رسمية تطلبها المدارس اللبنانية للتسجيل. كما أن عدداً كبيراً منهم انقطع عن الدراسة لأكثر من عامين ويحتاجون إلى مساعدة كبيرة للعودة لمقاعد الدراسة مجدداً.”

تعتمد مدارس المبادرة على المنهاج اللبناني في تدريس الطلاب، لكنها تركز أيضاً برنامج التعليم المستمر CECS  لإشراك الطالب في العلوم التجريبية إلى جانب التركيز على الفنون في التعليم.

قالت مريم العبد، الحاصلة على دبلوم تربية من كلية دمشق والمسؤولة عن النشاطات في المبادرة، “النشاطات الفنية هي النافذة الوحيدة لمساعدة الطلاب على الترويح عن أنفسهم وتشجيعهم للعودة للدراسة بعد انقطاع.”

من جهة أخرى، تعتقد العبد أن عملها في المبادرة يساعدها بصورة شخصية أيضاً. قالت “لانتقاضى أجور كبيرة، لكنها تساعدنا لتسديد بعض التزاماتنا المعيشية.”

يخضع كوادر المراكز من اللاجئين السوريين لتدريبات ترفع من كفاءتهم التعليمية، على أيدي مختصين أكاديميين جامعيين من الجامعة الأميريكية في بيروت، وعبر برنامج التعليم المستمر وخدمة المجتمع التابع لمنظمة MAPS.

أما عن أهمية الدور الذي يلعبه الأستاذ السوري، قال الحلبي “إن وجود المعلم السوري بجانب الطالب السوري له أثر رائع على مستوى أداء الطالب نظراً لتفهم المعلم السوري لواقع وظروف الطالب ابن بلده.” مشيراً إلى أن الحوادث العنصرية التي واجهها بعض الطلاب السوريين في المدارس اللبنانية دفعت بالكثيرين منهم للتوقف عن الذهاب للمدرسة.

تعرب لينا حقوق عن رضاها لنقل ابنتها من إحدى المدارس الرسمية اللبنانية في منطقة المرج إلى إحدى مدارس المبادرة. قالت “لم تتعلم شيئاً يذكر في المدرسة الرسمية، إذ لايوجد اهتمام حقيقي بالطلاب. لكن الوضع هنا جيد، إذ حققت تقدماً واضحاً وهي سعيدة بأصدقائها السوريين.”

بدورها تبدي لبنى صقر، معلمة لبنانية وأخصائية تربوية في مدرسة لبنانية في البقاع، إعجابها بتجربة مدارس المبادرة. قالت “تبدو التجربة مثالية خاصة في منطقة كالبقاع، مليئة باللاجئين الذين يعانون من فقر شديد في بلد يعاني سكانه أصلا الفقر ويفتقر إلى البنية التحتية والتنمية.”

مع ذلك، تعتقد صقر أن تعليم الطلاب اللاجئين يتطلب “خطة أكثر دقة وتشمل كل الطلاب اللاجئين في البلد وليس فقط في منطقة واحدة.”

وعلى الرغم من التوسع الكبير الذي شهدته المبادرة خلال السنوات الثلاث الماضية إلا أن الحلبي لايبدو متفائلاً حول فرص التوسع مستقبلاً. قال “التوسع إلى مناطق أخرى ليس بالأمر السهل إذ يتطلب إمكانات تمويلية أكبر وإدارية وقانونية تضمن استمرار عملنا.”

مجموعة صور من مدارس الأمل في منطقة البقاع

تصوير: مطيعة حلاق

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى