مقالات رأي

عندما غيّر برنامج تدريبي طريقتي في التفكير

اسطنبول- باعدت سنوات خمس بين عامين مؤثرين في مسيرتي المهنية. ففي عام 2006 عدت إلى مقاعد الدراسة الجامعية في مدرسة صيفية للتدريب عن أساليب تحقيق التنمية المستدامة وفي عام 2011 شاركت في ثورة 25 يناير.

التحقت بمدرسة نماء الصيفية عام 2006 وكنت وقتها أعمل كصحافية في مؤسسة معروفة أرادت إنشاء مؤسسة مدنية تدعم التطوير المهني للصحفيين. وضمت المدرسة التي عقدت برعاية جامعة القاهرة وهيئة المعونة الألمانية GIZ، مزيجاً  متنوعاً من معيدين في الجامعة، وأطباء حديثي التخرج، موظفين، وطلاب جامعيين يجمعهم الاهتمام بتطوير أدواتهم ومعارفهم لخدمة مجتمعهم.

كان التدريب غنياً ومؤثراً في حياة معظم المشاركين نظراً لما تضمنه من أساليب تدريس تفاعلية لم يكن معظمنا قد جربها في دراسته الأكاديمية السابقة. إلى جانب الأسلوب التفاعلي، اعتمدت المدرسة على تمارين تحفز التفكير وتشجع على التعبير عن الرأي.

خلال أحد التدريبات، طُرح علينا سؤال مع إمكانية اختيار إجابة من اثنتين: هل تنصاع لتنفيذ قانون ظالم تفرضه الدولة؟ أم تخالف القانون في محاولة للضغط من أجل تغييره؟

طُلب مننا الانقسام بحسب الإجابة إلى مجموعتين. في البداية، انضممت إلى المجموعة الأولى، فكيف لصحافية أن تصبح “خارجة” عن القانون؟ وبدأ أعضاء كل مجموعة يعرضون آراءهم، وبعد النقاش، قررت العدول عن رأيي والانضمام للمجموعة الثانية. لم أشعر بالحرج من تغيير موقفي، بل شعرت أنه من الشجاعة أن يغير المرء موقفه عندما يتضح له عدم صحته.

في تمرين أخر، طلبت المنسقة من إحدى المجموعات الوقوف صفاً واحداً، ثم طلبت من بعضهم التقدم خطوة ثم خطوة أخرى، بعيداً عن رفقاء الصف في محاكاة لما يحدث في الحياة، ثم تم طرح السؤال لمن تقدم عما إذا  كان سيحتفظ بعلاقاته مع من كانوا معه على نفس الخط سابقاً؟

كان الدرس بسيطاً وواضحاً، التقدم في الحياة فرصة يجب أن تكون متاحة للجميع، لكنها لا يجب أن تؤدي لتفسخ المجتمع، لأن المجتمع الصحي هو من تبقى مجموعاته على تواصل يشعر كل منها بالطرف الآخر.

https://www.bue.edu.eg/

وفي 25 يناير 2011 اندلعت الثورة المصرية ضد حكم الرئيس محمد حسني مبارك، وكنت لحسن الحظ متواجدة في ميدان التحرير أمارس دوري كصحافية محترفة وأيضاً كمواطنة وشاهدة عيان لتغييرات كبيرة ومؤثرة على حاضر ومستقبل بلادي.

كان لافتاُ أنه ومنذ الأيام الأولى لانطلاقة الثورة، أن أشاهد وجوه الكثير من زملائي وزميلاتي في قاعة الدرس في مدرسة نماء، والذين جاءوا للميدان للمشاركة بفاعلية في أهم حدث سياسي يقع في بلادهم خلال سنوات عديدة.

حينها، سألت نفسي عما إذا كانت مشاركتنا جميعاً مصادفة؟ لم أعتقد ذلك.  فالشغف بتقدم بلادنا والذي قادنا إلى الاجتماع في المدرسة، قادنا أيضاً للتظاهر السلمي في ميدان التحرير. في المدرسة تعلمنا تنظيم أنفسنا في مجموعات، والاجتماع على الإيمان بفكرة، والخروج من “منطقة الراحة” أو ما يسمونه بالانجليزية comfort zone عندما يستدعي الأمر، وهو ما حدث في الميدان، آمنا أن التغيير للأفضل يستدعي وقف الروتين اليومي للحياة، والاعتصام والتعبير عن السخط والتنظيم في مجموعات.

تذكرت ذلك وأنا أطالع التقرير العالمي لرصد التعليم ، الذي أصدرته هيئة اليونسكو لعام 2016، حيث جاء في التقرير “من المرجح أن يجعل التعليم المواطن الساخط يعبر عن سخطه بوسائل غير عنيفة عن طريق الأنشطة الميدانية السلمية مثل الاحتجاجات والمقاطعة والإضراب والتجمعات والمظاهرات السياسية.”

بالطبع، فإن العلاقة بين التعليم والاضطرابات في المجتمعات أعقد من ذلك. فالتعليم “لا يشكل بحد ذاته حلاً سحرياً،” بحسب التقرير، “فعندما ترتفع مستويات التعليم بينما تكون أسواق العمل في حالة ركود، يتولد الاحباط ويزيد الغليان.”

لكن التعليم القائم على تحفيز التفكير النقدي يسهم بصورة أو بأخرى في تحفيز فكر الشباب ليس فقط على الاعتراض وإنما في ابتكار الحلول وإيجاد فرص جديدة للتنمية والتطوير. لطالما كان التعليم سلاحاً لمحاربة الجهل والتخلف وأداة للتقدم والتنمية، لكنه مع الأسف في مجتمعاتنا مازال سلاحاً لقتل الكفاءات الشابة ووأد المواهب بأسلوبه القائم على التحفيظ والاستذكار عوضاً عن تحفيز التفكير والنقاش.

أؤمن بما قاله كونفشيوس قبل 500 عام “التعليم يولد الثقة، الثقة تولد الأمل، والأمل يولد السلام.”

لكنني أؤمن أيضاً أن تعلم كيف نتعلم هو الأهم الآن، فليس الأمر قاصرا على “ماذا” نتعلم ولكن “كيف” نتعلم؟

مؤخراً، سررت بمعرفة أن المدرسة مازالت تزاول نشاطها رغم كل الظروف الحالكة التي تمر بها مصر. وأتمنى أن يتم تعميم تجربة المدرسة على نطاق أوسع ليشمل أعداداً أكبر من الطلاب والطالبات في مراحل عمرية مبكرة تشمل طلاب المدارس الإعدادية والثانوية الأكثر احتياجاً اليوم وقبل أي وقت مضى إلى أدوات ومهارات شخصية تساعدهم على رسم مستقبلهم في منطقة تغرق في الظلام يوماً بعد يوم.

صباح حمامو، صحافية مصرية مقيمة في اسطنبول. يمكن متابعها على تويتر SabahHamamou@ 

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى