مقالات رأي

طالب ليبي يروي تجربته بعد “حظر ترامب”

ملاحظة المحرر: أصدر دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، قراراً في 27 كانون الثاني/ يناير يمنع مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة لمدة ثلاثة أشهر، كما يمنع اللاجئين من دخول أميركا لمدة أربعة أشهر واللاجئين السوريين لأجل غير مسمى. لاحقاً، علَّقت محكمة فيدرالية العمل بالقرار، لكن إدارة ترامب استأنفت  التعليق أمام محكمة الاستئناف التي رفضت بدورها وقف التعليق ليتم وقف تنفيذ القرار الذي أثار عاصفة من الاحتجاجات.

في عام 2012 حصلت على منحة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الليبية لدراسة الماجستير في الخارج، ووفق هذه المنحة أدرس الآن للحصول علي الماجستير في تعليم اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها في جامعة كولورادو بالولايات المتحدة.

اخترت جامعة كولورادو لسببين: الأول أن برنامج تدريس اللغة الإنجليزية كلغة ثانية في جامعة كولورادو معروف بجودته وتميزه بين الجامعات الأخرى. ثانيا: أن الدراسة بها تعد فرصة كبيرة للنمو الأكاديمي تضيف إلى سبع سنوات من الخبرة حصلت عليها من خلال العمل كمدرس للغة الإنجليزية في ليبيا.

حصلت بجانب دراستي لنيل الماجستير، على فرصة تدريبية لتدريس اللغة الانجليزية كلغة ثانية، في برنامج جامعة كولورادو للطلاب الراغبين في الالتحاق بالدراسة الجامعية في الولايات المتحدة، لذا أعمل الآن، بجانب مهمتي الأساسية كطالب دراسات عليا، كمدرس للغة الإنجليزية بدوام نصفي.

بالرغم مما كان يحدث في بلادي، حفزتني فرصة الجمع بين التعليم والتعلم أن أبذل قصارى جهدي.

وكان على مجابهة بعض الصعوبات، كوفاة زوجة أخي بعد صراع مع مرض السرطان، وإصابة أبي إصابة بالغة، وكذلك تأخر استلام المستحقات المالية اللازمة لمتطلبات المعيشة.

كما لم أتمكن من زيارة عائلتي، حيث لا تسمح لي تأشيرة دخول الولايات المتحدة بالعودة إذا ما غادرتها.

لم يؤثر ذلك في عزيمتي، على العكس، حفزني على أن أبذل جهداً إضافياً، واستطعت الحصول على وظيفة كمساعد معلم للغة الانجليزية في مكتبة جامعة كولورادو لمساعدة الطلاب المبتدئين على استخدام قاعدة معلومات المكتبة. حصلت كذلك على فرصة تدريبية في الإعلام الرقمي لترويج إتقان اللغة الإنجليزية في ولاية كولورادو.

كل ما سبق جعلني أشعر وكأنني حققت “الحلم الأميركي” الذي يتحدثون عنه، لم أكن أعرف أن ذلك الحلم سيتحول إلى كابوس.

بداية، لم أكن أتوقع أن يفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، لأن معظم سكان ولاية كولورادو لم يرغبوا بالتصويت له بالأساس.

زار بيل كلينتون، الرئيس الأميركي الأسبق، ولاية كولورادو قبل أربعة أيام فقط من موعد الانتخابات، لحث الناخبين على التصويت للمرشحة هيلاري كلينتون.

كانت الأجواء العامة مشجعة للغاية، صافحت الرئيس السابق كلينتون والتقطت معه صورة سيلفي، لكن في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر، وصلتي الأخبار الصادمة أن دونالد ترامب أصبح رئيساً منتخباً للولايات المتحدة.

لن أنسى كيف كانت مشاعر زملائي في الصف والعمل وطلابي يومها، كان الأمر أشبه بجنازة، الجميع صامت وحزين. إحدى زميلاتي احتضنتني وانخرطت في البكاء قائلة ” أشعر بالأسى من أجلك يا محمد، آسفة لما حدث أمس.”

زميل آخر قال “أنا سعيد لأني ليس لدي أطفال، لم أكن لأجد كلمات أفسر بها لهم ما حدث ليلة أمس.”

بعد مضي أسبوع واحد على تولي ترامب لمنصبه، أصدر قراراً تنفيذياً  يحد بصورة قاطعة من حق اللاجئين وحاملي جنسيات بعض الدول (منها ليبيا) من دخول الولايات المتحدة. ساندني أساتذتي وزملائي في الصف والعمل، لكن تأثير القرار على بعض زملاء الليبيين كان صادماً.

على سبيل المثال، عندما صدر القرار التنفيذي، كانت حنان زوجة أحد أصدقائي في مطار الأردن،  في طريق عودتها إلى الولايات المتحدة، بعد حضور جنازة والدها وزيارة والدتها المريضة في ليبيا، بصدور القرار أصبحت حنان عالقة مع طفلها الرضيع الذي يتمتع بالجنسية الأميركية لأنه ولد في هنا.   

لم يكن مسموحاً لها بمغادرة مبنى المطار لأنها مسافرة ترانزيت، وكان يتوجب علي مساعدة زوجها في إجراء اتصالات لمحاولة حل الأمر، لأن لغته الانجليزية لا تسعفه لإجراء الاتصالات المطلوبة.

تواصلت عبر فيسبوك بأستاذتي السابقة، التي تمكنت بعون من زملاء لها و مسؤولين في ولاية كولورادو من مساعدة حنان، وبالفعل أثمرت الجهود أن يُسمح لحنان بمغادرة الأردن والتوجه  إلى بوسطن في الولايات المتحدة، وآمل أن تصل بسلام.

خططي المستقبلية هي أن أدرس الدكتوراه في إحدى الجامعات المرموقة هنا، قد يبدو الأمر إفراطاً في التفاؤل والثقة، لكنها الروح الأميركية.

أعترف، الأحداث الأخيرة أثرت على طريقتي في التفكير، كنت أخطط لزيارة عائلتي والزواج قبل أن أبدأ في دراسة الدكتوراه، لكن في اللحظة الراهنة، لا يبدو الأمر ممكناً.

بالرغم من ذلك، ما حدث في الأسابيع الماضية أظهر لي القيم الرفيعة التي يتمسك بها الأميركيون. شخصياً، تلقيت مساندة هائلة من جميع معارفي الأميركيين، داخل وخارج الولايات المتحدة.

ما يجعل أميركا دولة عظيمة، ليست الفرص التي تتيحها، أو مبادئها الديموقراطية، بل التعامل الكريم والصادق لمواطنيها. صدقاً، لا أعرف كيف أصف امتناني لهم في كلمات .

*محمد المهدي، ليبي يدرس الماجستير في تعليم اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها في جامعة كولورادو بالولايات المتحدة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى