أخبار وتقارير

كيف يمكن إيصال الكتب للقراء العرب

“لا يمكن أن يكون لديك مجتمع معرفة من دون مكتبات،” هذا ما تقوله أستاذة دراسات المكتبات سمية أحمد. وهذا هو السبب الذي يدعو دولاً مثل قطر والإمارات العربية المتحدة – وهي دول صغيرة فتية وغنية بالنفط لأن تكون من مراكز التعليم والابتكار – للاستثمار في مجال المكتبات. وهو أيضاً سبب مجيء أحمد إلى قطر في خريف عام 2016 لتقوم بتدريس دراسات المكتبات والمعلومات في برنامج جديد لمنح شهادة الماجستير من كلية لندن الجامعية في قطر. تقع كلية لندن الجامعية في المدينة التعليمية، وهو مجمع للتعليم العالي تأسس عام 2003 والذي يستضيف فروعاً من جامعات نورث وسترن، وجورج تاون، وتكساس أي آند إم، والعديد من مؤسسات التعليم العالي الأخرى.

وبصفتها طالبة دكتوراه في كلية الإعلام وعلوم المكتبات بجامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، شاركت أحمد في زمالة لمدة أربعة سنوات للمساعدة في تدريب أمناء المكتبات في منطقة الشرق الأوسط. استمر البرنامج من عام 2011 وحتى العام 2015، وتعطل جزئياً بسبب اضطرابات الربيع العربي. لكن ذلك لم يكن العقبة الوحيدة.

قالت أحمد “للأسف، يُنظر إلى علم المكتبات بازدراء، ويُنظر إلى أمناء المكتبات بصفتهم أناس لا يمكنهم القيام بأية وظيفة أخرى”. نادراً ما يعمل في المكتبات أشخاص حرفيون ومدربون، على الرغم من أن العديد ممّن يعملون هناك تواقون لمعرفة المزيد والحصول على الاعتماد. وبقولها ذلك، تضيف أحمد بأن غياب المعرفة والاحترام لمهنة المكتبات ليس أمراً خاصاً بالدول العربية حيث قالت “حتى في الولايات المتحدة، لا يفهم الناس ما يقوم به أمناء المكتبات.” لكن قدرتهم على تنظيم المعلومات والوصول إليها وتأطيرها، بحسب أحمد، مهارة مطلوبة ليس في المكتبات فحسب، بل في شركات القطاع الخاص ذات البيانات الكثيفة أيضاً.

بدأ اهتمام أحمد بالشرق الأوسط عندما اعتنقت الإسلام في سن السابعة عشرة. وخلال دراستها الجامعية، سافرت أحمد المولودة في شيكاغو إلى المغرب ضمن برنامج للدراسة في الخارج، لتنال درجة البكالوريوس في الدراسات العربية. وتقدمت لدراسة برنامج يمنح شهادة الدكتوراه في علم المكتبات بناء على توصية من أحد الأصدقاء. وبتحدثها اللغة العربية بطلاقة، تعتقد أحمد بأن “دراسات المكتبة تحتاج لأن تكون ذات صلة بالوضع المحلي … وينبغي أن يكون الأساتذة على دراية باللغة والثقافة.”

بحسب “علوم المكتبات والمعلومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا“، وهو كتاب صادر عام 2016 من تحرير أحمد وأماندا بي. كليك، وجاكوب هيل، وجون د. مارتن الثالث، هناك 71 برنامجاً في علم المكتبات في المنطقة. لكن هذه البرامج لا تقدم على الدوام درجات علمية عليا، أو تدريباً حديثاً في مجال تكنولوجيا المعلومات. وتحظى الدرجة بـ “وضع متدني، بحسب باحثين، والغالبية العظمى من الطلاب يسجلون في برامج علوم المكتبات بسبب البحث عن الراحة والسهولة وليس بسبب اهتمامهم بهذا المجال.

يتضمن الكتاب توصيات بإنشاء رابطة إقليمية لبرامج المكتبات بهدف زيادة التنسيق بين المكتبات، وتحديث مناهج وطرق التدريس، وجعل البرامج موجهة فنياً ومهنياً بشكل أكبر.

الكثير من العمل المنجز لتحقيق هذه الأهداف في برامج علم المكتبات والمعلومات تم القيام به في المغرب العربي ومنطقة الخليج. تمتلك دول مثل قطر والإمارات العربية المتحدة تراثاً شفوياً ثرياً من الشعر ورواية القصص، لكنها تمتلك القليل على هيئة وثائق مكتوبة من قبل أبناء البلد. مع ذلك، تعتبر هذه الدول الآن في طليعة الاتجاه الإقليمي لتشجيع القراءة.

من المقرر افتتاح مكتبة قطر الوطنية الموسعة هذا العام، فيما تبني العديد من المتاحف والجامعات في هذه الإمارة مكتباتها الخاصة أيضاً. قالت أحمد “تقول الحكومة القطرية إنها بحاجة للمئات من أمناء المكتبات، ويمكن لمهنيي مجال المعلومات العمل في القطاع الخاص أيضاً.” في عام 2016، أنشأت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع برنامجاً وطنياً للقراءة بهدف تشجيع القراءة في وقت مبكر. وتقوم مبادرة أخرى حديثة على شكل برنامج تلفزيوني موجّه للأطفال الصغار بهدف تعليمهم الأبجدية العربية.

في دولة الإمارات العربية المتحدة، أنشأت السلطات في إمارة الشارقة مكتبات صغيرة في عشرات الآلاف من المنازل، وهناك خطط للقيام بذات الشيء في المساجد ومحطات المطار. في العام الماضي، مررت البلاد قانوناً يهدف لـ “جعل القراءة عادة مدى الحياة“. وينص القانون على أن يحصل جميع الأطفال في دولة الإمارات على عدة حقائب من الكتب في سن مبكرة، والسماح للموظفين بالقراءة بهدف التنمية المهنية في أوقات العمل، وإلزام المقاهي بتوفير مواد للقراءة، وإعفاء الكتب من الضرائب. وأعلنت دبي – على وجه الخصوص – بأنها ستقوم ببناء “أكبر مكتبة في العالم العربي“، ستقام في مبنى على شكل كتاب مفتوح.

لكن، ليست كل الأخبار إيجابية. فبينما تعتبر منطقة الشرق الأوسط موطناً لبعض من أقدم المكتبات وأشهرها في العالم – مثل مكتبة الجيزة، التي قد يرجع تاريخها للعام 2,500 قبل الميلاد، ومكتبة الإسكندرية الملكية في مصر، والمكتبة الملكية لآشوربانيبال في العراق – فإن من الشائع اليوم أن نسمع عن أسى الأكاديميين والكتاب بسبب غياب ثقافة القراءة.

وفي ظل عدم توفر معلومات موثوقة عن النشر والقراءة في المنطقة، فإننا نعلم بأن سوق الكتاب في العالم العربي اليوم يعاني من غياب توزيع إقليمي فعال، فضلاً عن الرقابة والقرصنة. ومن الواضح أيضاً أن عدد الأشخاص الذين يقرأون بانتظام من أجل المتعة منخفض جداً، حيث يتراوح متوسط عدد النسخ المطبوعة من معظم الكتب بين 1,000 و3,000 نسخة. لا تزال الأمية مشكلة، لكنها ليست القصة الكاملة – فقد وجدت دراسات واستطلاعات بأنه حتى في أوساط المتعلمين هناك العديد ممّن لم يلتقطوا كتاباً بعد الانتهاء من تعليمهم النظامي.

من بين التفسيرات التي تقدم لتوضيح أسباب انخفاض القراءة في المنطقة انتشار التواصل الشفهي، بحسب أحمد. قالت “الوقت في التخاطب وجهاً لوجه مفضل على قضاء الوقت مع كتاب.” ترتبط القراءة بشكل وثيق مع الأنشطة العملية، مثل قراءة الكتيبات، والتعليم المدرسي (وضجر وصرامة تجربة العديد من الطلاب في المدرسة)، بالاضافة للدين (حيث أن ما يُقدر بنحو 17 في المئة من الكتب المنشورة في المنطقة من الكتب الدينية).

كما تعاني المنطقة أيضاً من غياب المكتبات العامة المحلية ومكتبات الأطفال والمكتبات المدرسية. إذ غالباً ما يؤدي الانشغال بـ “تأمين” المعرفة بجعل المكتبات غير مضيافة، ويصبح اقتراض الكتب أو الحصول على المخطوطات – والعديد منها غير مرقمنة – أمراً صعباً.

في بلدان مثل العراق وسوريا، تسبب الصراع الدائر بتدمير المكتبات إلى جانت العديد من المؤسسات والمعالم الثقافية الأخرى. تجري حالياً حملة على الانترنت لإعادة ملء مكتبة جامعة الموصل بالكتب، والتي أحرقت وتدمرت أثناء معركة استعادة السيطرة على المدينة من ميليشيا تنظيم الدولة الإسلامية. وفي بلدان أخرى، استهدف القمع السياسي تلك المباني. في الآونة الأخيرة، أغلقت السلطات المصرية ثلاث مكتبات تخدم الأطفال في الأحياء المحرومة، لأنها قد أنشئت من قبل ناشط بارز في مجال حقوق الإنسان يخضع للمحاكمة الآن.

https://www.bue.edu.eg/

تقول أحمد إنها تنزعج لـ “رؤية الناس الذين يحاولون الحصول إلى الكتب والوصول إلى المجلات الأكاديمية ولا يتمكنون من ذلك” بسبب تكلفة الشحن والاشتراكات في قواعد البيانات الأكاديمية.

وبحسب تقرير نشرته الفنار للإعلام مؤخراً، تعمل بعض المكتبات في المنطقة على إنشاء قواعد بيانات رقمية مشتركة على الانترنت. تعتقد أحمد بأن الوصول الالكتروني إلى المجموعات المكتبية مصدر ممتاز، لكنها تحذر من أن ذلك ليس حلاً للجميع. فلا يزال العديد من القراء المحتملين يفتقرون لارتباط بالانترنت يمكن الاعتماد عليه، أو الأجهزة اللازمة لقراءة الكتب والمواد عبر الإنترنت.

قامت أحمد بالعديد من أبحاثها في المغرب، والتي تعاني، على الرغم من كونها موطناً لكثير من المحفوظات القديمة وأقدم مكتبة موجودة في العالم، مثلها مثل العديد من البلدان في المنطقة، من غياب ثقافة القراءة. وجدت أحمد بأن القراءة في الأماكن العامة أمر نادر وتعتبر في بعض الأحيان “معادية للمجتمع”. لكن المغرب، وكما وثقت، يعتبر أيضاً موطناً لعدد متزايد من التدابير المتخذة لتشجيع القراءة. ويشمل ذلك “حافلات الكتب” المتنقلة التي تتجه إلى القرى في جبال الأطلس النائية، والمشاريع التي تشجع مجاميع القراءة العامة، وإنشاء مكتبات صغيرة لإقراض الكتب مع مئة كتاب فقط في كلٍ منها، والموزعة في جميع أنحاء البلاد.

يمكن أن تكون هذه مجرد خطوات صغيرة، لكن المبادرات الشعبية مثل هذه، إلى جانب البرامج الأكبر على المستوى الحكومي كتلك الموجودة في دول الخليج، يمكن أن تكون الحل لـ “أزمة القراءة” في المنطقة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى