مقالات رأي

كيف يمكن مكافحة التطرف في الفصول الدراسية

في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان “أقنعة التطرف: منابع صناعة الراديكالية الدينية في المغرب”، والصادر عن دار أون توت ليتر، يحاول الصحافي هشام حذيفة استكشاف موضوع التطرف الديني من خلال مجموعة متنوعة من وجهات النظر. مع ذلك، فإنه يبدأ وينتهي بالتعليم.

يصف الفصل الأول من الكتاب أجواء أقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات المغربية. ففي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق، يحضر الطلاب محاضرات الأستاذ زين الدين بلافريج. هناك، يتم فصل الطلاب في القاعة على أساس الجنس، حيث يستخدم الطلاب والطالبات مداخل منفصلة ويجلسون على جانبين منفصلين. وعندما يجلس عدد قليل من الرجال في الجانب المخصص للنساء، يقوم الأستاذ بإلقاء ملاحظات سلبية عن الاختلاط (الاختلاط بين الجنسين). في عام 2013، تصدر الأخبار محاولات الفصل بين الطلاب والطالبات بشكل تام، لكن القرار تم إلغاؤه وتم فصل العميد.

يُعتبر بلافريج نجماً في سماء السلفية في المغرب، مع قناته الخاصة به على موقع يوتيوب، وموقعه الإلكتروني وصفحته على موقع فيسبوك. كما يدرس بلافريج ويعظ في المساجد، وينشر الكتب ويصدر الفتاوى. ولا يحضر محاضراته الطلاب فحسب بل الكثير من الأتباع والمعجبين.

نصح بلافريج بعدم السماح للنساء بالذهاب إلى الحمامات العامة لأنه لا ينبغي لهن خلع ملابسهن خارج منازلهن، ودافع عن النقاب (تغطية الوجه بشكل كامل)، وقال إن التقاليد المغربية تدعو المرأة لإظهار “عين واحدة فقط” وأن المرأة “المنقبة المحترمة لا يُمكن لها أن تدخل مقهى حيث يتواجد زبائن من الرجال أو الجلوس مع نساء غير منقبات”. وأنها إذا ما قامت بذلك تعتبر “كاذبة” أو ربما “عاهرة”.

وفي قسم آخر للدراسات الإسلامية بجامعة بنمسيك، قال أحد الأساتذة المشهورين لطلابه إن “هناك إسلام واحد فقط، وقرآن واحد. وقبل كل شيء يجب أن لا نمسّ الدين، خوفاً من خطر التسبب في فتنة.” وفي خارج الفصل الدراسي، سمعت المراسلة طالباً يقول إن مشاهدة مباريات كرة القدم حرام، وألقى باللوم على اليهود في التسبب بجميع مشاكل الأمة، وشرح بأن لحم الخنزير محرّم في الإسلام لأن لحم الخنزير يضرّ بصحة الإنسان ولأن “ذكور الخنازير لا تمتلك غيرة على إناثها”.

في ذات القسم، يدرّس الأستاذ مصطفى بوهندي مادة الأديان المقارنة ودعا لـ “تفسير القرآن بالقرآن” – من دون الرجوع لما تراكم عبر القرون من التفاسير والتقاليد التي بنيت عليه.

يحاضر بوهندي أمام طلابه قائلاً “لماذا نخاف على أفكارنا؟ لنقم بوضعها على المحك، وإذا لم تصمد، لنقم بالتخلص منها. لقد وضع الإمام البخاري، الذي يريد الجميع أعتباره مقدساً، 60,000 حديث متداول في زمانه في موضع الاختبار، ولم يبق سوى ستة ألاف حديث. تخيلوا ردة فعل الشيوخ في زمانه ممّن اعتادوا استخدام تلك الفتاوى والأحاديث في تعليمهم.”

يذكر حذيفة بأن الطلاب يتجمعون حول بلافريج في نهاية محاضراته، ويعاملونه باحترام يماثل احترام المريدين لسيدهم. لكنهم يقاطعون بوهندي ويتجادلون معه وأخبروا المراسل في وسطهم، قائلين “نحن على علم بالرسالة التي يحاول إيصالها. إنه يريد أن يتخلص من السُنة، وهو أمر غير مقبول.”

يدرّس الأستاذ بوهندي لمدة ساعتين فقط في الأسبوع، ويقول إنه يواجه “حرباً منسقة” من زملائه، ومطالبات بفصله. وعلى الرغم من تواجد علماء في المغرب والدول العربية الأخرى ممّن طالبوا بقراءات أكثر تطوراً وارتباطاً بالسياق للنصوص، فإنهم غالباً ما يتعرضون لهجوم من زملائهم من العلماء، والسلطات الدينية، والمحافظين اجتماعياً.

يُثير كتاب حذيفة مسألة ما يُساهم في تشكيل التطرف الديني، والعلاقة بين الحركات الأصولية مثل السلفية والعنف الراديكالي. ولا يعتبر أولئك المذكورين في القاعات أعلاه أنفسهم متطرفين أو أصوليين، بل مجرد مسلمين ملتزمين. هناك الكثير من الفصول الدراسية في المنطقة، بل وجامعات بأكملها حتى، يتم فيها الفصل بين الطلاب على أساس الجنس. كما أن هناك الكثير من الفصول الدراسية أيضاً، حيث يتم اعتبار كلام الأستاذ، أياً كان الموضوع، كلاماً “مقدساً”.

تتبنى السلفية قراءة حرفية ومحافظة للنصوص الإسلامية، وتدعو المسلمين للعيش بأقصى قدر ممكن وفق الطريقة التي عاش بها أصحاب النبي، لكنها لا تدعو للعنف. العديد من الجهاديين الشباب اليوم تطرفوا عبر الإنترنت، وخارج سلطة المدرسة والأسرة. يقول بعض المراقبين إن السلفية، مع تركيزها على الصلاح الديني اليومي بدلاً من معارضة السلطات، هي الحصن ضد التطرف العنيف الصريح.

فيما يرى آخرون بأن السلفية – مع تمييزها ضد النساء وغير المسلمين، وإصرارها على العقيدة بدلاً من الحرية، وضبطها العدواني لسلوك المسلمين – تهيئ بيئة تسهل من انتشار التطرف. ليس كل السلفيين من الجهاديين، كما يواصل النقاش، لكن معظم الجهاديين هم من السلفيين في البدء.

شهد المغرب هجمات إرهابية محلية وسافر الجهاديون من هنا إلى أفغانستان والعراق وسوريا. وقد ردّت السلطات على تلك المخاوف بشأن التطرف بحملات أمنية لفرض الأمن بالقوة وأيضا من خلال التشديد على تقاليد الإسلام المعتدل في البلاد.

تأسست جامعة القرويين، الجامعة الأقدم في العالم، في فاس عام 859 للميلاد (من قبل امرأة هي فاطمة الفهرية). وقد درست كل المعارف المتوفرة في تلك الفترة، من العلوم إلى اللغة العربية وحتى اللاهوت. في عام 1963، ارتبطت بنظام الجامعات الحكومية وأصبحت جامعة حديثة مع كليات للشريعة، واللغة العربية، وأصول الدين في مدن في جميع أنحاء البلاد.

في عام 2016، افتتحت الحكومة مدرسة جديدة في الرباط لاعداد الأئمة المغاربة والأفارقة. وبدأت أيضاً بإصلاح للمناهج الدينية في عموم النظام المدرسي، بهدف “إعطاء أولوية لتعليم قيم التسامح في الإسلام، في إطار المدرسة المالكية السُنية، والتي تؤكد على إيجاد أرضية وسط، والاعتدال والتسامح، والتعايش مع الثقافات والحضارات المختلفة،” بحسب بيان من مجلس الوزراء الملكي. كما قام الإصلاح أيضاً بإزالة الملاحظات الافترائية من 147 كتاب مدرسي في مختلف المواضيع.

مع ذلك، وفي كتاب حذيفة، انتقد العديد من المربين الإصلاحات لكونها متسرعة وسطحية، ويقولون بأن منهج الدراسات الإسلامية لا يزال جامداً ومملاً ومكتظاً بالأوامر بدلاً من الفرص للتأمل والنقاش. وقد سلط جدال أثير مؤخراً حول طريقة تقديم الفلسفة في أحد الكتب الدينية المدرسية الضوء على هذا. ولم يتم تدريب المعلمين أنفسهم لتقديم الدراسات الإسلامية بطريقة جديدة.

قال محمد الصغير جنجار، عالم الأنثروبولوجيا ومدير مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود، وهي مكتبة ومركز للأبحاث في الدار البيضاء، “لمواجهة هذا التصاعد في التطرف، يتوجب علينا البدء بإصلاح تعليمي يُشجع على التفكير النقدي، مع الحاجة لجرعة من العقلانية وثقافة دينية متينة بين الطلاب.”

يبدو أن النقطة، فيما يخص إصلاح التعليم الديني، ترتبط بتغيير الطريقة التي يعلّم بها المرء بذات القدر من الأهمية – إن لم يكن أكثر – من تنقيح المحتوى.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى