أخبار وتقارير

تاريخ مؤلم من العبودية خلف تنوع الموسيقى العُمانية

مسقط – لم يمضِ وقت طويل على مقابلتي مع ماجد الحارثي، المختص بعلم موسيقى الشعوب (علم الموسيقى العرقية)، حتى تحدث عما يراه تميّزاً هاماً. قال موضحاً بحماس ودود “لا تمتلك الموسيقى التقليدية العُمانية تأثيراً أفريقياً، لكنها تتمتع بـحضور أفريقي“.

في هذا الاختلاف الدلالي البسيط كما يبدو، بحسب الحارثي، يكمن إنكار تجارة الرقيق في تاريخ عُمان.

قال “أن تقول ’تواجد‘ يعني أنك توجد موقعاً متمركزاً لأفريقياً في المجتمع والموسيقى العُمانيين. لكن استخدام كلمة  ’تأثير‘ بمثابة قولنا إن العُمانيين قد ذهبوا إلى أفريقيا وأبدوا إعجابهم بالموسيقى وجلبوا بعضاً منها معهم إلى عُمان، وهذا ليس الحال هنا. لقد جاءت الموسيقى إلى عُمان مع الأفارقة.”

ولد الحارثي، رئيس قسم الموسيقى والعلوم الموسيقية بجامعة السلطان قابوس، في رواندا لأسرة عُمانية هاجرت إلى أفريقيا قبل ولادته بثلاثة أجيال. عندما كان في الحادية عشرة من عمره، انتقل إلى عُمان، لكن لا يزال بعض أفراد أسرته في رواندا، البلد الذي يقدره باعتزاز.

يُعتبر الهدف الرئيسي لأبحاثه الموسيقية في واقع الأمر تاريخياً وسياسياً – للاعتراف بانجازات مجتمع يشكل أقلية في عُمان، ولا يزال يعاني من التمييز على الرغم من سعادتهم بتقديم أنفسهم كعُمانيين.

قال الحارثي “لطالما تساءلت عن العلاقة بين عُمان وأفريقيا. في المدرسة، درسنا عن التواجد السياسي العُماني في زنجبار. لكن ما لم يتم التحدث عنه هنا هو تجارة الرقيق. ففي الفترة ما بين 1698 و1856، شكلت هاتان المنطقتان دولة واحدة هي سلطنة عُمان وزنجبار.

في شرق أفريقيا، كانت تجارة الرقيق قد تأسست قبل وقت طويل من ظهور الأوروبيين في المنطقة، وكانت خاضعة لسيطرة السلطات المحلية في جميع أنحاء المحيط الهندي. خلال حكم السيد سعيد بن سلطان، الذي حكم لمدة خمسين عاماً بدءً من العام 1806، مكنت السيطرة العُمانية على زنجبار وساحل شرق أفريقيا المجاور السلطنة من التوسع والهيمنة على تجارة الرقيق.

في تلك الفترة، تم انتزاع الأفارقة قسراً من أراضيهم للعمل كجنود أو خدم منازل أو عمال في جميع أنحاء منطقة الخليج وبلاد ما بين النهرين (المنطقة التي تشمل في العصر الحالي العراق، الكويت جزء من سوريا، جزء من جنوب شرق تركيا). وفي ذروة تلك التجارة، كان ما يقرب من خُمس العدد الإجمالي لسكان قطر من الأفارقة المستعبدين.

قالت ليزا أوركيفيتش، أستاذة علم الموسيقى العرقية ورئيسة قسم الموسيقى والدراما في الجامعة الأميركية في الكويت، “كانت عُمان مركزاً لتجارة الرقيق منذ القرن السادس الميلادي ولم يتم منعها قانونياً حتى العام 1970.”

ومع أن بلدان أخرى في منطقة الخليج ربما لم تشارك بنشاط في غارات الاستعباد كما فعلت عُمان، إلا أنها تأخرت أيضاً في إلغاء الرق. فقد حظرت اليمن الرق في العام 1962 – على الرغم من أن البعض يقول بأن الممارسة لا تزال قائمة هناك – وفعلت المملكة العربية السعودية ذلك في العام ذاته. وبعد حظر قطر تجارة الرقيق عام 1952، تجاهل الأمير في وقتها، علي بن عبد الله، الحظر وقام بجلب عبيده لحضور تتويج الملكة إليزابيث الثانية في العام التالي.

إن حقيقة كون هذا التاريخ حديثاً للغاية ولم يواجهه المجتمع في الخليج بالفعل بعد، بحسب الحارثي، هو ما يجعل من الأهمية بمكان الاهتمام الشديد بالمصطلحات التي يستخدمها علماء الموسيقى العرقية في وصف الموسيقى العربية التقليدية بأنها ذات جذور أفريقية.

قال “تذكر البحوث عن الموسيقى التقليدية في عُمان على الدوام التأثير الأفريقي، وأنا أعتبره تهميشاً للتواجد الأفريقي في عُمان، لذلك أنا أول من أشار لذلك التواجد. كما أنني لطالما نظرت إلى الموسيقى ليس من أجل جمالياتها فحسب بل للإطلال على الناس الذين يصنعونها. والناس الذين يقفون خلف هذه الموسيقى هم بوضوح عُمانيون من أصل أفريقي.”

قالت أوركيفيتش وهي تصف الحضور الأفريقي في الموسيقى العُمانية التقليدية، “ستسمع بعض النصوص السواحيلية وبعض أنماط إيقاعات الطبول التي نجحت في الوصول إلى هنا. يمكن أن تشير اللغة أو الألحان أو الآلات الموسيقية في المجمل للأصول الأفريقية.”

تُعتبر الموسيقى العُمانية التقليدية مزيجاً إنتقائياً من الأغاني التي تعكس صعوبات العمل في البحر، والحنين إلى الوطن، والإشتياق، وغيرها من موضوعات. ومن الأمثلة على أسلوب يحمل تأثير موسيقى “البلوز” في الأغاني التقليدية المغني سالم رشيد الصوري الذي ولد في العام 1910 وأصبح في نهاية المطاف المستشار الثقافي للسلطان.

غالباً ما يصف الخبراء الموسيقى العُمانية كنتاج لجغرافيتها – حيث تميل القبائل الصحراوية في الداخل لاستخدام الطبول وآلات القرع فقط لصنع موسيقاهم، فيما تعكس موسيقى الساحل الروابط مع الهند وإيران وأفريقيا فضلاً عن الجزيرة العربية.

وتستخدم الموسيقى الساحلية مجموعة كبيرة من الآلات الموسيقية، لاسيما آلة العود. تعتبر مدينة صور القريبة من الطرف الشرقي من البر الرئيسي في عُمان، مكاناً جيداً لرؤية هذا التقليد الحي يُمارس على أرض الواقع.

تمتلك صور مشهداً موسيقياً تقليدياً حياً ومتنوعاً وتجذب علماء الموسيقى العرقية من أمثال الحارثي. وغالباً ما يُذكر اسم المدينة في الأوراق البحثية التي تتناول موضوع الموسيقى العُمانية التقليدية. لا تزال المدينة بحرية وتمتلك ورش صغيرة لصناعة مراكب الداو، وهي القوارب التقليدية للتجار. كما كانت أيضاً ميناء لتجارة الرق.

يُمكن أن يُعزى غياب الرغبة في مواجهة هذا الماضي الغير مريح لحقيقة كون الدولة العُمانية الحديثة لا تزال في طور بناء قصتها الوطنية، بحسب أوركيفيتش.

قالت أوركيفيتتش “في سبعينيات القرن الماضي، بدأت عُمان بالبحث عن هوية كما هو الحال في جميع دول الخليج. فكل هذه البلدان حديثة التكوين، وعندما تحاول توحيد قطعة كبيرة من الأرض مثل عُمان فإنك لن ترغب في الحديث عن الأقليات. وقد كان الدافع سياسياً في محاولة السلطان لتوحيد البلاد معاً. ويعتبر السلطان قابوس بن سعيد، الحاكم الأوحد لعُمان منذ العام 1970، وهو سليل السلاطين الذين عملوا في تجارة العبيد في السابق.”

تشدّد أوركيفيتش على أنها لا تعتقد بأن بناء الأمة مبرّر لتهميش الأقليات، لكنها توفر سياقاً هاماً مع ذلك. قالت “لا أريد التقليل من عمل ماجد، لكنني سمعت شائعات حول معاناة الأشخاص الذين ينحدرون من نسل أفريقي من العنصرية. وقد سجل الحارثي نقطة إيجابية في هذا الصدد.”

يقول ماجد إنه قد سمع بحجة بناء الأمة كثيراً، لكنه يجادل حول كونه حوار قصير النظر ليقوم بتفضيله على حساب الاعتراف بالعمانيين من أصول أفريقية. قال “حتى موقف أصدقائي المقربين هو ترك الأمور كما هي.”

قد يعترف زملاؤه بهذا التاريخ، لكنه هو شخصياً يرى أن “عُمان تشبه بوتقة انصهرت فيها كل الاشياء السيئة لتختفي تدريجياً. لكنني أعتقد بأن من المهم ملاحظة هذه المسائل التي لم تتم إثارتها أبداً ولا يزال المجتمع لا يتناول العنصرية التقليدية التي لم تؤخذ على محمل الجد وهذا ما أراه من خلال عملي الميداني. يشير الكثير من الناس إلى السود على أنهم عبيد أو من سلالة عبد ما.“

للاستماع إلى نماذج من الموسيقى العمانية التقليدية، يمكمكم مشاهدة الفيديو أدناه:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى