مقالات رأي

الصمت القاتل: سجن باحث اقتصاد في الإمارات

حكمت محكمة إماراتية الأسبوع الماضي على ناصر بن غيث، الخبير الاقتصادي البارز الذي يدعو للمزيد من الديمقراطية وحقوق الإنسان، بالسجن عشر سنوات. وتضم جرائمه المزعومة منشورات على الإنترنت، بما في ذلك بعض الانتقادات لمصر، الدولة الحليفة للإمارات العربية المتحدة، تتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان هناك.

وأدين الخبير الاقتصادي بتهمة “التواصل مع منظمات سرية مرتبطة بجماعة الاخوان المسلمين، من خلال إنشاء حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي ونشر صور ومقالات تسيء لرموز الدولة وقيمها وسياساتها الداخلية والخارجية وعلاقاتها بإحدى الدول العربية.”

ووجهت لبن غيث التهم بموجب قانون جرائم المعلوماتية لعام 2012 والذي ينص على السجن لمدة أقصاها 15 عاماً عقوبة على نشر مواد على الإنترنت بقصد “السخرية” أو “الإضرار بسمعة” الدولة أو قادتها، وبموجب قانون مكافحة الإرهاب للعام 2014، والذي يمكن السلطات في الإمارات العربية المتحدة، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، من “مقاضاة أولئك الذين يعبرون عن معارضتهم السلمية للحكومة، سواء أكانت بطرق مكتوبة أو شفاهية، بصفتهم إرهابيين.”

في السنوات الأخيرة، انخرطت أجهزة الاستخبارات في دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً في مراقبة عدوانية لوسائل التواصل الاجتماعي، وفي عمليات قرصنة تستهدف الناشطين في مجال حقوق الإنسان وطلاب الدراسات العليا الأجانب.

التقيتُ ببن غيث مرة واحدة، في رحلتي إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2012. في وقتها، كان بن غيث قد أتهم بالفعل، وأدين وتم العفو عنه في قضية “الإماراتيين الخمسة”، والتي اُتهم فيها ونشطاء آخرون في مجال حقوق الإنسان بإهانة قادة الأمة في منشورات شاركوها في منتدى على الإنترنت مؤيد للديمقراطية.

كان بن غيث محاضراً في فرع جامعة السوربون في أبو ظبي قبل محاكمته الأولى، لكن الجامعة الفرنسية نأت بنفسها عنه بأسرع ما يمكن.

وقتها قال لي “اعتقدتُ أن الجامعات الأجنبية ستجلب ثقافة حرية التعبير. يعتمد المجتمع الأكاديمي بالكامل على التفكير والتحدث بحرية. لكن، للأسف، كان ذلك أشبه بواجهة للعرض فقط. لقد كان هناك نوع من الاتفاق بين حكومة أبو ظبي والجامعات الأجنبية – ربما كانوا بحاجة للانفتاح على المنطقة أو ربما المال، وكانت الحكومة المحلية بحاجة للانفتاح أيضاً، والشرعية، [عن طريق القدرة على القول]، انظروا، لدينا كل هذه المؤسسات التعليمية الأجنبية.”

اُعتقل الأكاديمي مرة أخرى في آب/ أغسطس 2015. وطوال تسعة أشهر لم تعرف أسرة بن غيث شيئاً عن مكان تواجده، حيث تم احتجازه في الحبس الانفرادي لمعظم فترة احتجازه قبل المحاكمة. وعند ظهوره أمام المحكمة أول مرة في عام 2016، قال إنه تعرض للضرب والتعذيب والحرمان من النوم لمدة تصل إلى أسبوع. وورد أن القاضي ردّ على هذا التصريح بإيقاف ميكروفون بن غيث حتى لا يتمكن أحد من سماعه.

في عام 2012، كانت لدي تساؤلات حول الكيفية التي تتمكن من خلالها جامعة نيويورك، التي افتتحت مؤخراً حرماً جامعياً بدعم كامل من الإمارات العربية المتحدة، من البقاء مستقلة والحفاظ على قيمها الليبرالية في ظل الرعاية المباشرة لأسرة حاكمة لم تسمح لمواطنيها بالتعبير عن أنفسهم بحرية. تعتبر جامعة نيويورك من أبرز الجامعات الغربية العديدة التي تمتلك مواطئ قدم في دولة الإمارات العربية المتحدة، والأكثر سخاءً في التمويل بالتأكيد.

من الصعب تفسير صمت الجامعات الغربية التي أسست فروعاً لها في دولة الإمارات العربية المتحدة في وجه القمع الواسع الذي يحدث هناك منذ ذلك الحين بأي شيء آخر غير توصلهم لتسوية عميقة للمبادئ المؤسسية. فلم تعترض جامعة نيويورك حتى عندما كان أندرو روس، أحد أساتذتها والناقد القوي لمعاملة العمال المهاجرين في الإمارات العربية المتحدة ولتواجد جامعته هناك، ممنوعاً من دخول البلاد.

تقول جامعة نيويورك إن اهتمامها الوحيد هو الحرية الأكاديمية في حرمها الجامعي، وهو ما تزعم بأنه مضمون تماماً. (علينا تصديق كلامهم بخصوص ذلك، ونفترض عدم وجود رقابة ذاتية. من ناحية أخرى، لدي شكوك كبيرة حول قدرتهم على تعيين أو دعوة أي شخص يرغبون فيه، لأن لأجهزة الأمن المحلية رأي دائماً بخصوص من يتمكن من الدخول إلى البلاد.)

أنا متأكدة من أن البرامج الأكاديمية في جامعة نيويورك في أبو ظبي ممتازة، وأن معظم الأساتذة هناك ملتزمون بإجراء مناقشات مفتوحة في الفصل الدراسي، وأنا معجبة بمبادرات من قبيل  المكتبة العربية. وتعقد الجامعة عروض أفلام وندوات لا يُسمح بعقدها في أي مؤسسة تعليم عالي أخرى في البلاد.

لكن، وبسبب ذلك على وجه التحديد، وصف أحد الأكاديميين الأجانب، والذي يعمل منذ فترة طويلة في البلاد، وجود جامعة نيويورك أبو ظبي بـ “الهلوسة”.

قال لي الأستاذ “إنها تُدعى جامعات الفقاعات من قبل معظم الذين يدرّسون في جامعات أخرى لأنهم يعملون في واقعٍ مغاير هناك على جزيرة السعديات. لأنهم غير ملتزمين بالتدابير الأمنية المحافظة والمصابة بجنون العظمة بوضوح والتي يتوجب علينا، نحن البقية، العمل في ظلها.”

وبعيداً عن كونها نموذجاً للجامعات الأخرى في البلاد، فإن جامعة نيويورك أبو ظبي تتميز عن غيرها بشكل تام. حيث أن حرية التعبير النسبية فيها مكفولة على حساب تضامنها مع الجامعات الأخرى (والتي لا يتمتع موظفوها ولا طلابها بوضعها المدلل) وبتجنبها للمشاركة في النقاش العام أو التعبير عن أية آراء نقدية للحالة السياسية أو القضايا الاجتماعية في البلد المضيف.

فهل يمكن للمرء أن يعتقد بشكل جاد أن الحرية الأكاديمية مكفولة في بلد يحترم حرية التعبير بشكل ضئيل؟ وما هي قيمة الحرية الأكاديمية إذا ما اقتصرت على الجيوب الناطقة بنعومة من النخب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى