مقالات رأي

اللاجئون: الحاضر الغائب عن التعليم الدولي

أمضيت الخمس سنوات الماضية في كتابة وتغطية وتحرير قصص عن التعليم العالي في المنطقة العربية، حيث انطلقت ثورات تطالب بالتغيير والعدالة والديمقراطية ولتغرق بعدها غالبية دول المنطقة في المزيد من الصراعات السياسية والطائفية والنزاعات الإقليمية والفساد ولتتزداد معدلات البطالة وتتسع رقعة الفساد والمحسوبيات وتشتد القبضة الأمنية فتلقي بغالبية شباب المنطقة في السجون أو تنفيهم خارج بلادهم في أحسن الأحوال.

وخلال السنوات الثلاث الماضية، كان لدي اهتمام شخصي ومهني كبير بقضايا تعليم اللاجئين العرب. فأنا من سوريا، البلد الذي يعرف اليوم بأنه أكبر مصدر للاجئين في التاريخ، وأعمل في صحافة التعليم وأدرك تماماً أهمية التعليم في بناء الدول المتقدمة. مع ذلك، لايركز عملي وعمل مؤسستي على قضية تعليم اللاجئين السوريين فقط. فلسوء الحظ، يعج العالم العربي باللاجئين والنازحين من دول كثيرة: العراق، وليبيا، واليمن، والصومال، والسودان وفلسطين. وخلال عملي، التقيت بمئات الشباب والنساء الذين فقدوا ذويهم، وبيوتهم، وأوطانهم، وبعضهم فقد حتى أطرافه. لكنهم لم يفقدوا الأمل في مستقبل أفضل يمكن تحقيقه من خلال تعليم جيد.

الشهر الماضي، تشرفت بأن أكون متحدثاً رئيسياً في مؤتمر دولي نظمته جامعة دنفر في الولايات المتحدة عن التعليم الدولي وحمل عنوان “اللاجئين والهجرة والتعليم العالي الدولي“.

طُلب مني التحدث عن واقع اللاجئين في العالم العربي، خاصة فيما يتعلق بالتعليم، وشرح أهمية دعم تعليم اللاجئين كوسيلة لتعزيز التعليم الدولي من أجل حياة أفضل على هذا الكوكب. حملت معي إلى المؤتمر العديد من التقارير والإحصاءات الدولية حول عدد اللاجئين البالغ بحلول نهاية عام 2015 نحو 65.3 مليون ، منهم خمسة ملايين من بلدي سوريا، أي أن هناك شخص واحد من كل 113 بلا مأوى كنازح أو لاجئ أو طالب لجوء.

لكن قبل البدء باستعراض الأرقام، فضلت أن أكون صريحة واعترف أمام الحاضرين أنني وقبل ثماني سنوات، لم أكن أعرف الكثير عن التعليم الدولي، رغم حصولي على ثلاث شهادات بكالوريوس من ثلاث جامعات مختلفة. لذا، بدأت حديثي عن بداية فهمي لجوهر التعليم الدولي.

في عام 2009، التحقت ببرنامج تدريبي لمؤسسة تومسون رويترزفي لندن حول كتابة الأخبار والتقارير الاقتصادية. كان البرنامج فرصة كبيرة بالنسبة لي للتدرب في وكالة أنباء عريقة. كما كانت فرصة أيضاً لكسر بعض الصور النمطية، فلأول مرة في حياتي، التقي بصحافي من أفغانستان، البلاد التي يسكن أهلها الكهوف ويطلق رجالها لحاهم ويحملون البنادق طيلة الوقت. في الحقيقة، هذه هي الصورة التي كانت في مخيلتي عن أفغانستان والتي كونتها من تقارير الإعلام المحلي والدولي. كان غريباً جداً بالنسبة لي، أن ألتقي بصحافي شاب حليق الذقن، يحمل جهاز كمبيوتر محمول ويعمل على إنجاز تقرير إخباري عن تداولات السوق المالي. كما التقيت بصحافية أخرى من هاواي، حيث يجلس الناس – كما كنت أتخيل- على الشواطئ يشربون عصير الأناناس ويأكلون جوز الهند ويرقصون طوال اليوم. لقد فوجئت تماماً أن هذه الصحافية تعمل مثلي لصالح جريدة محلية وتحاول تطوير أدواتها الصحفية لكتابة تقارير محترفة عن فساد عالم المال.

خلال هذا البرنامج التدريبي، تطورت مهاراتي في الكتابة. لكن الأهم من ذلك، كان تطور معرفتي عن شعوب أخرى لطالما شاهدتها وقرأت عنها في وسائل الإعلام لكنني لم أمتلك عنها معرفة حقيقية. فقد قابلت لأول مرة في حياتي زميلات وزملاء من الفلبين والصين وأوزبكستان وجورجيا. وكان التواصل معهم نوعاً جديداً من التعليم لم أعرفه مسبقاً. فعلى الرغم من اختلاف أشكالنا ولغتنا وثقافتنا، إلا أننا كنا نجلس جميعاً ندون ذات الملاحظات من المدرب ونعمل معاً على إنجاز تقرير واحد ونطرح ذات الأسئلة لنعثر معاً على إجاباتها.

حينها فقط بدأت بإدراك أهمية التعليم الدولي التي قد لايعرفها إلا من جربها.

جامعة دنفر، تصوير رشا فائق

بعد بضع سنوات، أتيحت لي فرصة أخرى لتطوير فهمي لمفهوم التعليم الدولي. كان ذلك خلال زيارة إلى مدينة سانت لويس في الولايات المتحدة في أيار/ مايو 2013 لحضور مؤتمر هيئة المدرسين العالميين (نافسا) لأول مرة. وكانت المفاجأة كبيرة، فالمدينة كلها تحتفي بالمؤتمر الذي يستقبل أكثر من عشرة ألاف زائر من مختلف دول العالم وتشارك به مئات الجامعات الأميركية والدولية لمناقشة أفضل الطرق لاستقطاب الطلاب. العام الماضي، حضرت المؤتمر للمرة الثانية في مدينة دنفر، واستمتعت مرة أخرى بلقاء أساتذة وطلاب ومسؤولي جامعات من مختلف دول العالم لمناقشة أفضل الممارسات والاتجاهات الناشئة والبرامج الجديدة المصممة لاستقطاب الطلاب من مختلف أنحاء العالم.

لكن وسط كل هذه المناقشات المثيرة للاهتمام، سمعت القليل جداً عن الـ 65 مليون لاجئ المنتشرين في مختلف أنحاء العالم، والذين من بينهم الكثير من الطلاب والعلماء والأكاديميين. وسمعت القليل عن سبل مساعدة اللاجئين الشباب على الاندماج في نظام التعليم العالي الدولي وإمكانية إعدادهم للمساعدة في دعم المجتمعات المضيفة لهم الآن، وإعادة بناء بلادهم التي مزقتها الحروب لاحقاً.

شخصياً، لا أعتقد أن مناقشة التعليم الدولي ستكون شاملة أو واقعية أو فعالة في حال استبعدت ملايين النازحين والمشردين. فإذ كنا نؤمن حقاً بالتعليم بوصفه حقاً من حقوق الإنسان، ونؤمن بالتعليم الدولي كوسيلة قوية وعملية لسد الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية، فإنه ليس بوسعنا تجاهل ملايين الناس المتضررين من صراعات سياسية لايد لهم فيها. إن سياسات استقطاب الطلاب من جميع أنحاء العالم لا ينبغي أن تقتصر على الطلاب الأغنياء القادرين على تسديد رسوم الجامعات الدولية الباهظة، ولايجب أن تتعامل الجامعات الدولية مع الطلاب كمصدر لجني الأموال بل كقيمة مضافة لتعليم جميع طلابها. لذلك، ينبغي أن يشمل التعليم الدولي أولئك الطلاب الذين يؤمنون بالتعليم كطوق نجاة ووسيلة أساسية نحو حياة أفضل. إن دعم وصول اللاجئين للجامعات أمر بالغ الأهمية لنجاح رسالة التعليم الدولي.

خلال التحضير لمؤتمر التعليم الدولي، أصدر الرئيس الأميركي قراراً بحظر السفر للولايات المتحدة لمواطنين من سبع دول، هي: ايران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن بالإضافة إلى إيقاف وصول اللاجئين. عندما قرأت الخبر، اعتقدت أن مشاركتي في المؤتمر أصبحت بحكم الملغية. كنت متشككة أيضاً بإمكانية انعقاد المؤتمر فعلياً واعتقدت أنه في أحسن الأحوال سيتم تغيير موضوعه. لذلك، كتبت خطاباً لإدارة الجامعة التي وجهت لي الدعوة مبدية تفهمي المسبق لقرار إلغاء مشاركتي.

لكنني تلقيت رداً في غاية اللطف من قبلهم يؤكدون فيه على رغبتهم باستمرار “مشاركتي باعتبارها وموضوع المؤتمر أمراً شديد الأهمية للمناقشة اليوم.”

بحثنا إمكانية مشاركتي عبر سكايب، لكن في وقت لاحق تم رفع الحظر جزئياً وتمكنت من السفر ودخول الولايات المتحدة دون أي مشكلة لامتلاكي المسبق لتأشيرة دخول سارية المفعول.

أذكر ذلك لأنني أعتقد أنه مثال رائع للدور الحقيقي الذي يمكن للجامعات أن تلعبه في تعزيز التعليم الدولي ودعم الحريات الأكاديمية وإبقاء الباب مفتوحاً للنقاش بين الناس من جميع أنحاء العالم خاصة عندما يتم إغلاق الأبواب الأخرى بسبب إلى الصراعات السياسية والمخاوف الأمنية المزعومة.

أعتقد أنه من الضروري للمؤسسات الأكاديمية أن تولي اهتماماً حقيقياً لدعم تعليم اللاجئين، لا سيما وأن التعليم العالي لا يندرج عادة ضمن الخدمات التي تقدمها المنظمات الإنسانية خلال النزاعات. حيث يمكن للمؤسسات الأكاديمية المساعدة في تقديم المزيد من المنح الدراسية للطلاب اللاجئين، وتقديم برامج دراسية على الإنترنت وبرامج للدعم النفسي وأنشطة ثقافية تساعد اللاجئين والمجتمعات المضيفة على الاندماج. كما يمكنهم تقديم خبرة عملية عبر أساتذتهم والإستفادة من حماس طلابهم للتطوع والمساعدة في المدارس والجامعات في البلدان التي استقبلت أعداداً أكبر من اللاجئين. وأخيراً، يتوجب على الجامعات – ضمن برامج مسؤوليتهم الاجتماعية – العمل على تغيير الصور النمطية عن اللاجئين التي تظهرهم كعبء ومشكلة وأزمة، وليس كما هم حقاً في الواقع: أناس يعانون ويحاولون البقاء على قيد الحياة والعمل لإعالة أنفسهم ومساعدة مجتمعاتهم المضيفة.

ملاحظة المحرر: تمت كتابة هذه المقالة استناداً للخطاب الذي ألقته رشا فائق في مؤتمرجامعة دنفر حول “اللاجئين والهجرة والتعليم العالي الدولي” ، في دنفر، 14 نيسان/ أبريل 2017.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى