أخبار وتقارير

بحوث تدوير المياه رهن قبول المزارعين

مسقط – يعمل عدد من الباحثين العرب على زيادة إمدادات المياه في المنطقة التي تعاني من الجفاف. إذ وجدوا حلاً لوجستياً بسيطاً، وهو ما ترغب سلطنة عُمان، على سبيل المثال، بتقديم الدعم المالي له. لكن ذلك لن ينجح ما لم يقتنع المزارعون وغيرهم من السكان بالبقاء منفتحي الأذهان، حيث أنهم يترددون الآن في استخدام المياه المُعاد تدويرها، على الرغم من أن الواقع في كل بلد تقريباً في العالم العربي بحاجة للمزيد من المياه، وهي مشكلة لا يمكن حلها بسبب التغير المناخي.

قال أحمد البوسعيدي، الباحث في قسم التربة والمياه والهندسة الزراعية في جامعة السلطان قابوس في سلطنة عُمان، “علينا أن نبحث عن كل قطرة مياه وأن نستخدمها بشكل جيد. لكن المزراعين يترددون في تبني نتائجنا.”

يعتقد البوسعيدي ومهندسون آخرون أن في استطاعة المزارعين ري محاصيلهم بالمياه التي استخدمت سابقاً في المنازل. يتم تمرير هذه المياه العادمة في سلسلة من المرشحات لإزالة المواد الصلبة، ومن ثم يتم تنظيفها بمساعدة بكتريا نافعة أو مواد كيميائية لتكون النتيجة النهائية لذلك الحصول على مياه آمنة للاستخدام في الزراعة بحسب البوسعيدي.

يقول الكثير من المهندسين إن البنية التحتية اللازمة لمعالجة المياه موجودة بالفعل في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي سلطنة عُمان، تستخدم هذه المياه أساساً في ري العشب والزهور التي تحف الطرقات في العاصمة مسقط. لكن ما يتبقى منها، وهو ما يقدر بحوالي 40 في المئة من إجمالي المياه المعالجة، يتم ضخه ببساطة في البحر.

تعتبر أغلب الأراضي العُمانية جبلية، لذلك تتركز المزارع على أشرطة من الأراضي المنبسطة المحاذية للشاطئ. ويواجه المزارعون هناك مشكلة تزداد صعوبتها كل يوم، حيث لا تحصل مزارعهم على كمية كافية من الأمطار، لذلك فإنهم يعتمدون على المياه الجوفية لزراعة محاصيلهم. لكن الطلب المتزايد على المياه فاق بكثير معدل تجديد هذه الآبار الجوفية، الأمر الذي أدى لسحب مياه البحر إلى إمدادات الآبار.

قال البوسعيدي “ليس لدينا ما يكفي من الأمطار لطرد المياه المالحة مرة أخرى إلى البحر. لذلك قالت الحكومة إن على المزارعين التوقف أو الحد من استخدام المضخات لأنه وبخلاف ذلك ستغزو المزيد من المياه المالحة جداول المياه وسوف يزداد الوضع سوء.”

تدرك الحكومات هذه المشكلة وتعتبرها أيضاً مسألة تتعلق بالأمن القومي.

يعتقد البوسعيدي أن الحكومة العُمانية مستعدة للاستثمار في مد خطوط أنابيب بهدف إيصال المياه المُعالجة للمزارع، لكن السلطات مترددة في إنفاق الأموال حتى تتأكد من كون المزارعين سيستخدمونها فعلاً.

يواجه الباحثون والمسؤولون الحكوميون العُمانيون حتى الآن مقاومة من قبل المزارعين.

قال البوسعيدي “يقولون إن المياه قذرة ولن يستخدمونها لأنهم قلقون حيال إحجام الناس عن شراء محاصيلهم.”

يتكرر هذا الاعتقاد لدى المزارعين في أماكن أخرى من العالم العربي.

قالت باكيناز زيدان، أستاذة الموارد المائية وهندسة السدود بجامعة طنطا في دلتا النيل، “إنه ذات الموقف في مصر على الرغم من أن استخدام المياه مقبول إذ تعلق بري النباتات غير الصالحة للأكل كالأشجار.”

ولا يختلف الوضع في فلسطين. يقول راشد الساعد، مدير معهد الدراسات البيئة والمائية في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، “إنها مسألة اجتماعية وثقافية ومن الصعب رفع مستوى الوعي لإقناع الناس بأنها آمنة. نحن نحاول استخدام علومنا لإقناعهم.”

أما في الكيان الإسرائيلي، على الجانب الآخر من الحدود، فإن هذه الممارسة شائعة، بحسب الساعد، لكن في معظم البلدان العربية، بما في ذلك فلسطين والأردن، ما زالت نسبة تصل إلى 65 في المئة من إمدادات المياه العذبة تستخدم في الزراعة.

يعتقد خبراء أن الأدلة العلمية تدعم الاستخدام الزراعي للمياه المُعاد تدويرها. قال الساعد “بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن هذه المياه آمنة. حيث تتم إزالة حتى الفيروسات باستخدام تقنية الأغشية. ليس هناك دليل واحد على أن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة يشكل أي قضية تتعلق بالصحة العامة.” وأضاف “حتى إذا ما كان الناس متعلمين، فإن الأمر يتعلق بتقبلهم للجانب النفسي من المسألة.”

في سلطنة عُمان، أجرى البوسعيدي تجارب جديدة في محاولة لإقناع المزارعين بقضيته. إذ قام بزراعة وحصاد محاصيل باستخدام المياه الجوفية العادية ومياه الصرف الصحي المُعاد تدويرها. قال “أظهر تحليلنا أن النباتات تنمو بشكل أفضل بكثير مع المياه المعالجة بسبب وجود الكثير من المغذيات فيها.” وذلك ناتج عن بقايا مركبات النتروجين غير الضارة من النفايات.

لكن المزراعين ظلوا مرتابين واتهموا الباحثين بالتدخل في التجارب للتلاعب في النتائج. ولشعورها بالاحباط بسبب عناد المزارعين، قررت الحكومة المضي قدماً بخطة تجريبية، تأمل في أن تخترق في النهاية الوصمة المرتبطة باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة.

قال البوسعيدي “تقول وزارة الزراعة أن علينا القيام بذلك في خمس مزارع مختلفة لبضع سنوات ورؤية كيف ستسير الأمور. وأن علينا التخطيط للقيام بذلك على نطاق أوسع على المدى الطويل.”

تمتد خطوط الأنابيب بالفعل عبر الكثير من الأراضي الزراعية، مما يعني أن كل ما تبقى لاستخدام مياه الصرف المعالجة على نطاق واسع هو ربط المزارع  بالأنبوب الرئيسي. مما يزيد من أمل الباحثين في أن يسهم عملهم قريباً إسهاماً جدياً في حل أزمة نقص المياه في المنطقة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى