مقالات رأي

أزمة اللاجئين في أوروبا بعيون صحافي بريطاني

ملاحظة المحررين: يأتي استعراض هذا الكتاب ضمن سلسلة من المقالات التي تكرسها الفنار للإعلام للكتب التي تم تأليفها من قبل لاجئين أو تتحدث عنهم.

تعد قصة هجرة السوري هاشم السوقي، أحد الذين تابعهم الصحفي البريطاني باترك كينغسلي في كتابه “الأوديسة الجديدة: قصة أزمة اللاجئين في أوروبا”، نموذجاً واضحاً على التضحيات التي يتحملها السوريون من أجل عائلاتهم.

يلتمس السوقي موافقة أباه على مغادرة سوريا قائلاً “الوضع أصبح لا يحتمل هنا، لابد لي أن أرحل، ليس من أجلي، لكن من أجل أطفالي وزوجتي.”

لم يمض وقتاً طويلاً، حتى انضم السوقي وأسرته في حزيران / يونيو 2013  إلى آلاف الفارين من الحرب في سوريا. انتقلوا من سوريا إلى الأردن، ثم إلى مصر، وهناك تركهم السوقي وعبر وحده البحر الأبيض المتوسط في أحد القوارب ​​إلى إيطاليا، ثم انتقل إلى فرنسا فألمانيا ثم الدنمارك، ليجد ملاذاً أخيراً في السويد. آملاً أن يجد فرص تعليم ومستقبل أفضل لأبنائه الثلاثة وزوجته، الذين لم يتمكنوا من اللحاق به إلا بعد مرور عام من وصوله، بسبب الإجراءات العديدة.

قام كينغسلي، أول مراسل متخصص لتغطية قضية الهجرة في جريدة الغارديان البريطانية، والذي يعمل حالياً لصالح جريدة نيويورك تايمز، بمرافقة وتوثيق رحلة السوقي بين إيطاليا والسويد، وكذلك تابع قصص العديد من المهاجرين الآخرين، وسافر من أجل هذه المهمة إلى 17 دولة، تشمل ليبيا والنيجر ومصر وتركيا واليونان. لم يتحدث فقط إلى اللاجئين والمهاجرين، ولكن أيضاً للمهربين وضباط حرس السواحل ورجال الإنقاذ والنشطاء والمتطوعين والمسؤولين ليكتب عن أزمة اللاجئين بصورة شاملة تغطي جميع جوانب الأزمة.

وجه كينغسلي سؤاله “لماذا يخاطر آلاف اللاجئين بحياتهم ويهاجرون في قوارب أقرب إلى ‘التوابيت العائمة’؟” لمئات اللاجئين ممن قابلهم، وكان من بين من أجابه على طبيب إريتري قال له “لأن إريتريا أسوأ بكثير، ولأن البقاء في الدول المجاورة مثل السودان، حيث للإرتريين حقوق قليلة، يعرضنا لخطر الترحيل، والوضع هناك ليس أفضل من إريتريا بكثير.”

غلاف كتاب: الأوديسة الجديدة: قصة أزمة اللاجئين في أوروبا.

جاءت إجابة أخرى على نفس السؤال من أبو جنى، الضابط السابق في الجيش السوري، البالغ من العمر 35 عاماً، والذي هرب إلى مصر في الأيام الأولى من عام 2011 بعد رفضه إطلاق النار على المتظاهرين العزل. قال “لأننا نثق في رحمة الله أكثر من رحمة الناس هنا.”

كان أبو جنى مهدداً من السلطات المصرية بالترحيل إلى سوريا بعد انتهاء صلاحية جواز سفره.

في عام 2015، بلغ عدد اللاجئين الذين وصولوا في قوارب إلى القارة الأوروبية، بطريقة غير شرعية، عن طريق اليونان ​​888 ألف شخص بحسب بيانات منظمة فرونتكس (هيئة الحدود الأوروبية ووكالة حرس السواحل).

ووصل عدد النازحين نتيجة الصراع المسلح في سوريا حتى 12 مليون شخص (منهم 7.6 مليون نزحوا داخلياً، و4.1 مليون غادروا سوريا)، مما خلق أكبر موجة من اللاجئين تجتاح أوروبا، منذ موجة اللاجئين التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.

لماذا حدثت الزيادة الكبرى في عدد اللاجئين إلى أوروبا بعد مرور أربع سنوات كاملة على بدء الحرب السورية؟ يجيب كينغسلي من خلال شرح وجهة نظر اللاجئين. قال “إذا لم يعد يذهب أطفالك إلى المدرسة لعدة سنوات، وإذا كان منزلك قد دمر منذ عام 2012، ولم تتمكن من إعادة بنائه لعدم الشعور بالأمان، فإن الوقت قد حان للمغادرة.”

قال كينغسلي إن عمله تركز على تغطية قضية الهجرة في أوروبا، ومن ثم كان قادراً على زيارة جميع المحطات الرئيسية تقريباً في مسارات الهجرة عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الطريق إلى أوروبا مما أعطاه الفرصة لدراسة وفهم ما يجري بعمق، ورأى أنه من المهم جمع كل ما قدمه من تقارير وتحليلات في كتاب.

وقال كينغسلى فى مقابلة مع الفنار للإعلام”إن الكثير من التقارير الاخبارية التى نقرأها لا تخبرنا سوى عن جانب صغير من أزمة اللاجئين.”

يشبه كتاب “الأوديسة الجديدة” قارب اللاجئين، فهو يحتوي على العديد من الأصوات المتنوعة، أحدها لأمازيغي، تخرج في كلية الحقوق، ثم أصبح مهرباً للبشر في ليبيا. وآخر للصبي الإريتري آدم، البالغ من العمر 15 عاماً، والذي أجبره المهربون على الوقوف، لمدة 12 ساعة يومياً لمدة شهر كامل، في الشمس الليبية الحارقة، لإجبار أسرته على دفع فدية لإطلاق سراحه. وكذلك هاشم السوقي، الموظف السوري الذي كان يعيش في سعادة مع عائلته، يستمع إلى فيروز في طريقه إلى العمل كل يوم، ويشرب الشاي أسفل شجرة المشمش في عطلة نهاية الأسبوع، ثم جاءت الحرب فدمرت منزله وأجبرته على الرحيل.

بحسب الشهادات التي كتبها كينغسلي عن اللاجئين، فإن الفرار من الحرب وعبور المتوسط سعياً للوصول إلى أوروبا  كان مجرد خطوة أولى. فقبل العبور وخلاله وبعده، كانت هناك صعوبات كثيرة. حيث نقل الكاتب شهادات اللاجئين عن أعمال السرقة التي تعرضوا لها في البحر وعلى حدود دول البلقان، حينما حاولوا التسلل عبر الحدود لتجنب اعتقالهم، ووضعهم في المخيمات مزرية. وأشار إلى إحدى الحوادث ضمن الكتاب، حيث تم احتجاز اللاجئين في ملعب بدون طعام أو ماء لمدة 24 ساعة في إحدى الجزر اليونانية.

يعتقد المؤلف أن سبب الأزمة ليس فقط زيادة عدد اللاجئين، بل القيود التي فرضتها البلدان المجاورة من رفض منح اللاجئين تصاريح العمل وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية والتعليم. ويقارن بين تمكن أوروبا من إعادة توطين ما بين 12 و14 مليون أوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، وتمكنها كذلك من استيعاب 1.3 مليون لاجئ بعد الحرب الهند الصينية وبين أزمة اللاجئين الحالية، ويسأل: هل أزمة اللاجئين الحالية عصية على التعامل معها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى