أخبار وتقارير

التعليم المهني: الحل المهمش في قطاع غزة

قطاع غزة- بعد مرور أكثر من خمسة أعوام على تخرّجه من الجامعة حاملاً شهادة البكالوريوس بتخصّص معلم صف، قرر أحمد خالد، البالغ من العمر 27 عاماً والذي يقطن في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، الالتحاق بتدريب على يد أحد السباكين ليمتهن السباكة.

قال “فقدت الأمل في الالتحاق بوظيفة معلم في إحدى مدارس قطاع غزة سواء الحكومية أو الخاصّة أو تلك التي تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، إذ لم يعد بإمكاني الإنتظار أكثر، فاتجهت إلى السباكة لتأمين متطلّبات حياتي.”

يكسب خالد ما لا يقل عن 500 دولار أميركي شهرياً من عمله في السباكة. في حين أن راتبه الشهري كأستاذ في مدرسة خاصة لم يكن ليزيد عن 300 دولار أميركي.

أحمد واحد من آلاف الخريجين الجامعيين في قطاع غزة، الذين يواجهون صعوبات كبيرة للعثور على فرصة عمل في ظل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر وتقييد الاستيراد والتصدير، إضافة لأزمة الكهرباء المتصاعدة مما رفع معدل الفقر وجعل أكثر من 80 في المئة من السكان يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الدولية من أجل العيش بحسب تقارير الأمم المتحدة. العام الماضي، بلغت نسبة البطالة في القطاع غزة 41.7 في المئة، وهي النسبة الأعلى في العالم، بحسب تقرير سابق للبنك الدولي، منهم 60 في المئة من خريجي الجامعات. (اقرأ القصة ذات الصلة: شبح البطالة يطارد خريجي الجامعات في فلسطين).

يضم قطاع غزة 18 جامعة حكومية وخاصة، يتخرّج منها سنوياً ما بين 7 الى 8 آلف شاب وشابة. في المقابل، يفتقر للمدارس والكليات المهنية، حيث لا يوجد سوى كلية واحدة تمنح شهادة الدبلوم، وثلاث مدارس ثانوية صناعية وزراعية تقع جميعها في مناطق نائية وتشترط اجتياز الطلاب للصف العاشر بنجاح.

قال مدحت الدسوقي، مدير المدرسة المهنية في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، “نحن بحاجة ماسّة إلى مدارس جديدة لأن الحالية تقع في مناطق نائية بعيدة عن غالبية السكان، وهو ما يتسبّب في تسرّب أعداد كبيرة من الطلاب.”

لا يتجاوز عدد طلاب مدرسة دير البلح هذا العام 122 طالب فقط، يدرسون في 9 تخصصات هي: صيانة الحاسوب، والكترونيات صناعية، واتصالات سلكية ولاسلكية، وصيانة الآلات المكتبية، والكهرباء، والنجارة، وكهرباء السيارات، وميكانيكا سيارات، وتصميم صفحات ويب.

يشتكي محمود الزعانين، مدير مدرسة هاني نعيم الزراعية الثانوية في بيت حانون أقصى شمال قطاع غزة، من قلة عدد الطلاب في مدرسته المهنية أيضاً. إذ لم يتجاوز عددهم هذا العام 120 طالب فقط.

قال “تقع المدرسة في أقصى شمال قطاع غزة حيث يصعب على الطلاب من رفح وخان يونس ووسط غزة الوصول إليها.”

لاينكر الزعانين ضعف إمكانات المدرسة أيضاً، قال “الصفوف صغيرة والمرافق قليلة وتحتاج لصيانة شاملة. نحتاج لتجديد المدرسة وإنشاء فروع لها في مناطق أكثر قرباً من سكن الطلاب.”

مع ذلك، تسعى المدرسة التي تأسست عام 1952 تحت إشراف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين قبل أن تنتقل إلى العمل تحت إدارة وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية في العام 1995، إلى تزويد طلابها بالمهارات الزراعية الأساسية ليكونوا قادرين على دخول سوق العمل فوراً.

قال”نعتمد بشكل أساسي على الدروس العملية تقدم من مهندسين زراعيين حول كافة أنواع الزراعات وتربية جميع أنواع الحيوانات والطيور، وكذلك الصناعات الحيوانية.”

في غزة مدرسة مهنية واحدة للإناث تقع في وسط القطاع، مع ذلك لا تضم اليوم أكثر من 124 طالبة يدرسن في قسمين الأول خاص بالتجميل وتصميم وتفصيل الأزياء والثاني خاص بصيانة الحاسوب والهواتف المحمولة وتصميم صفحات الويب والجرافيك.

على مستوى التعليم المهني مابعد الثانوي، يضم القطاع كلية واحدة فقط تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا تمنح شهادة الدبلوم. تشترط الكلية، التي تضم 22 تخصصاً مختلفاً، للانتساب إليها حصول الطلاب والطالبات على شهادة الثانوية العامة.

تخرجت ولاء عاشور، 25 عاماً، من الكلية قبل خمس سنوات بتخصص تصميم الأزياء. بعد التخرج افتتحت  مع زميلتين لها في مشغلاً صغيراً لتفصيل زي المدارس.

قالت “الوضع المالي لأسرتي دفعني للبحث عن فرصة لتعلم مهنة تمكنني من العمل بصورة سريعة.”

يعتقد الزعانين، مدير مدرسة هاني نعيم الزراعية الثانوية، أن التعليم المهني يشكل فرصة حقيقية لدعم العائلات مالياً وأيضاً اقتصاد القطاع المتدهور. فعلى سبيل المثال، “يساعد التعليم المهني الزراعي جزئياً على تغطية احتياجات السوق المحلي من المنتجات الزراعية والحيوانية، خاصة في ظل الحصار، “كما يقول.

يتفق حسن الرضيع، باحث اقتصادي، مع الزعانين على أهمية التعليم المهني لمواجهة معدلات البطالة المرتفعة في القطاع خاصة بين صفوف خريجي الجامعات.

قال “هناك الكثير من التخصصات المهنية اللازمة للسوق خاصة في مجالات البناء والزراعة والكهرباء، الاستثمار في تعليم هذه الاختصاصات مهم لتنشيط الاقتصاد.”

بدوره، يقر جواد الشيخ خليل، مدير التعليم المهني في وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة، بقلة عدد المدارس والكليات المهنية في القطاع وبُعدها الجغرافي عن وسط القطاع، ويؤكد سعي الوزارة لإقامة مدارس جديدة بتخصصات حديثة خلال السنوات القادمة. لكنه يشير إلى أن عزوف سكان القطاع عن إلحاق أبنائهم وبناتهم بالتعليم المهني هو المشكلة الأكبر وليس فقط قلة عدد المدارس.

قال “تحمل ثقافة المجتمع الفلسطيني نظرة اجتماعية متدنية لحملة الشهادات المهنية، باعتبارهم الطلاب الأقل اجتهاداً وغير القادرين على استكمال دراستهم الجامعية. كما لايوجد وعي كافي لدى الغالبية بالفرص المتاحة أمام الطلاب بعد التخرج ومنها إمكانية استكمال الدراسة الجامعية في تخصصات مماثلة في حال حصول الطالب على درجات متفوقة. أيضاً هناك فرص للعمل أكبر من تلك المتوفرة لخريجي الجامعات.”

النظرة الاجتماعية المتدنية لتعليم المهني ليست قاصرة على قطاع غزة، إذ تنتشر في غالبية الدول العربية. مع ذلك، يعتقد خالد، الذي تخلى عن حلم العمل كمدرس ويعمل سباكاً اليوم، أن البطالة وصمة اجتماعية أشد وطأة.

قال “العمل ليس عيباً، ولو أراد أي من أبنائي الالتحاق بالتعليم المهني سأشجعه بقوة لأن فرص العمل أمامه ستكون أوسع.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى