نصائح ومصادر

حراك إلكتروني لترجمة العلوم إلى العربية

قبل أربع سنوات، وعندما كان طالباً في الصف الثاني من كلية الطب بجامعة بابل، ساهم عمر أكرم المهدي بتأسيس المشروع العراقي للترجمة، وهو موقع يعمل على نشر ترجمات لمواد أكاديمية إلى اللغة العربية. استلهم المهدي الفكرة من بيت الحكمة في القرن الثامن الميلادي ببغداد حيث عمل باحثون من مختلف الأعراق والأديان على ترجمة النصوص اليونانية والسريانية والهندية إلى اللغة العربية.

يجمع مشروع الترجمة العراقي بين المقالات الأكاديمية والصحافة العلمية وأشرطة الفيديو ويعد واحداً من بين العديد من مبادرات الترجمة والتعليم المستقلة عبر الإنترنت التي تشبه ساميزدات – نوع من الكتابة ظهرت على يد منشقين في الاتحاد السوفييتي السابق تحدياً للرقابة – والتي أنشئت في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ العام 2011 بهدف تعزيز العلوم ومناقشة المواضيع التي غالباً ما تتجاهلها مؤسسات التعليم العالي في المنطقة مثل التطور والتكنولوجيا والجنسانية.

قال المهدي “نحن نهدف لنشر المعرفة المعززة بالمصادر لتقليل معدلات الجهل المرتفعة في مجتمعاتنا.”

أشارت دراسة عن هذه المشاريع، نشرها مركز جسور للدراسات عام 2016 وهي مؤسسة أبحاث سورية مقرها تركيا، إلى شعبية هذه المواقع بين القراء العرب. إذ تحرص هذه المبادرات على تحسين نوعية وكمية المواد التي تقوم بنشرها باستمرار. يقول التقرير إن “قدرة هذه المبادرات على الاستمرار من دون تمويل مكنتها من البقاء مستقلة. كما أن عملهم بسيط وغير معقد، وهذا من بين نقاط قوتهم.”

تمتلك المبادرات الأكثر شعبية من هذه المشاريع أعداداً مثيرة للاعجاب من المتابعين لصحفاتهم على موقع فيسبوك.

من بين المشاريع الأكثر شعبية الباحثون السوريون، وهي مبادرة أسسها عالم الاحياء السوري المقيم في بريطانيا مهند ملك. إذ يتابع ما يقرُب من 2.3 مليون شخص صفحة مشروعه على الفيسبوك، حيث يقوم بنشر مقالات في 20 مجال مختلف تشمل بحوثاً في الطب والفلسفة والاقتصاد. ويعمل مع ملك ما يقرُب من 450 مساهم يقومون بكتابة وترجمة واستعراض المقالات الأكاديمية. (إقرأ القصة ذات الصلة: باحث سوري يُروج للعلوم باللغة العربية).

ومن المواقع الأخرى الأكثر قراءة مبادرة أنا أصدق العلم، وهو موقع إلكتروني تم اطلاقه عام 2011 يقوم بترجمة مقالات علمية ووثائقيات تغطي مجموعة واسعة من المجالات فضلاً عن انتاج الرسوم البيانية. وبعد تأسيسه من قبل أحمد الريس، وهو جيولوجي عراقي يقيم في لبنان، حصدت صفحة الموقع على الفيسبوك ما يقرُب من مليوني متابع. ويترجم موقعه الآخر، نظرية التطور، والذي أطلقه في أيار/ مايو 2017، أوراقاً بحثية عن الانتقاء الطبيعي نشرتها جامعة كاليفورنيا في بيركلي وبموافقة إداريي الجامعة. ويتابع صفحة المبادرة على الفيسبوك 189.000 شخص.

وتشمل المواقع المشابهة مبادرة أخبار العلوم، وهو جهد تم اطلاقه عام 2015 لنشر الصحافة العلمية ويتابع صفحتهم على الفيسبوك 500.000 شخص، ومبادرة ناسا بالعربي، وهو مشروع تأسس في فرنسا عام 2013 ويتابعه 600.000 شخص ويقوم بنشر علوم الفضاء بشكل غير أكاديمي وباللغة العربية.

يقول مؤسسو المجموعات إن الإنترنت وسيلة مثالية لعملهم لأنه يسمح للناس بالتحدث بكل صراحة في فضاء افتراضي آمن، في بلدان غالباً ما لا يتمكنون فيها من مناقشة اهتماماتهم في الأماكن العامة، خصوصاً وأن بعض مقالاتهم تنتقد بشكل غير مباشر العقيدة الدينية التقليدية والتفسيرات الرسمية للتاريخ.

كما أنهم يعتقدون بوجود مجال للتوسع، حيث يعيش حوالي 156 مليون مستخدم نشط للفيسبوك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب التقرير السابع عن الاعلام الاجتماعي العربي الذي نشرته كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية في دبي.

أحمد الريس، مؤسس أنا أصدق العلم ونظرية التطور، في بيروت.

قال أحمد الريس، مؤسس مبادرة أنا أصدق العلم، والذي يكرس كامل وقته الآن للعمل على موقعه على شبكة الإنترنت، “العمل على أرض الواقع سيكون ضاراً أكثر من كونه نافعاً بالنسبة لنا. التغيير الحقيقي يُمكن أن يُصنع هنا عبر الإنترنت. في عام 2017، يمكن أن يتعلم الشخص ألف مرة من خلال مقال يقرأه في السرير أكثر ممّا سيحصل عليه من حضور محاضرة مملة في احدى الجامعات.”

عادة ما يهاجم المتعصبون دينياً هذه المجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويجبرون المحررين على توضيح كونهم قد لا يتفقون دائماً مع وجهات النظر المعروضة على صفحاتهم على الفيسبوك، وتغريداتهم على تويتر، والمواقع الإلكترونية وغيرها من منصات.

قال المهدي “إن ترجماتنا لا تمثل بالضرورة رأي المشروع أو المترجمين. إنها مجرد نقل أمين للمعرفة.”

تمثل هذه الصراعات عواقب لدفاع هذه المجموعات عن الحرية الفكرية، بحسب محمود إبراهيم، الكيميائي في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية، والذي أسس مبادرة الباحثون اللبنانيون عام 2015، وهو مشروع مقره بيروت يعمل على تقديم أخبار مبسطة ومترجمة عن العلوم.

تسعى المبادرات أيضاً لإثراء البيئات الفكرية في مجتمعاتها. على سبيل المثال، تعاون مشروع الباحثون اللبنانيون مع النادي الفلكي في الجامعة اللبنانية الأميركية في تنظيم زيارة لدونالد توماس، رائد الفضاء في وكالة ناسا، في نيسان/ أبريل 2017. وأجرى مشروع “أنا أصدق العلم” لقاءً مع عالم الكونيات والفيزيائي الأميركي لورانس كراوس وعلماء آخرين، فضلاً عن عقد ندوات دراسية حول العلم لأشخاص عاديين وطلاب في مصر ولبنان وسوريا.

معظم هذه المشاريع منظمات غير ربحية ذاتية التمويل تعتمد على المتطوعين.

قال الريس، الذي يمول مشروع “أنا أصدق العلم” شخصياً مع شريكه المؤسس، “لا نحصل على أي دعم مالي فيما عدا بعض التبرعات الرمزية من وقتٍ لآخر.” وأضاف بأنه ينفق حوالي 2.500 دولار أميركي شهرياً على الموقع، فضلاً عن مبلغ مماثل توفره الإعلانات عبر الموقع لتغطية نفقاتهم.

لكن الأمر يستحق ذلك، بحسب الريس.

قال الريس “نتلقى عشرات الرسائل كل يوم من أشخاص يشكروننا على مساعدتهم على التخلص من الخرافات والجهل. هنالك قصة جميلة لأقصها لكم، حين كتب لنا شخص قمنا بحظره بسبب انتقاداته القاسية لنا قائلاً، “الرجاء إلغاء الحظر. أنا خجل جداً. لقد كنتُ أؤمن بالخرافات وبمحاربتكم وشتمكم. لقد تغيرتُ الآن وبدأت بالتفكير خارج الصندوق”، فقمنا بإزالة الحظر عنه.”

يقر الريس بأنه وزملاؤه لا ينتجون مجلات عملية موثقة. وسيكون من غير المنصف، بحسب الريس، أن نتوقع منه ومن الآخرين الوصول إلى مستوى المجلات المعترف بها دولياً.

وقال الريس أنه يعمل من أجل تحقيق هدف البدء بمواقع إلكترونية باللغات الكردية والفارسية والتركية. قال، “نحن نبذل قصارى جهدنا لتعزيز العلوم وطريقة التفكير المنطقية.”

وأضاف “هنالك شباب متحمسون للتعاون معنا.”

دليل لمواقع الترجمة الجديدة:

  •  الباحثون السوريون: مشروع تأسس عام 2011 تحت شعار “العلم هو الحل” من قبل مهند ملك وأكاديميين آخرين. يعمل 450 متطوع، معظمهم من السوريين في سوريا والمهجر، لصالح المشروع الآن، ويتابعه 2.3 مليون قارئ وقد نشر حتى الآن 11,589 مادة.
  •  أنا أصدق العلم: مبادرة أسسها أحمد الريس عام 2011 وانضم إليها ألف متطوع منذ ذلك الحين، يعمل 300 منهم معهم حالياً. ويتابع صفحة الموقع 1.97 مليون قارئ وقام بنشر 10,000 مادة.
  •  ناسا بالعربي: مبادرة أسسها همام بيطار عام 2013 وتضم 250 متطوعاً ويتابعها 600,000 قارئ. وقد نشرت حوالي 4,000 مادة.
  •  المشروع العراقي للترجمة: مشروع أسسه رعد طالب وحسن مازن وريام عيسى ومصطفى شهباز ومحمد عبد الرضا وعمر المهدي عام 2013. ويتابعه 131.000 قارئ وقام بنشر خمسة ألاف مادة حتى الآن. شعار المشروع، “لأن عقوداً من الظلام الفكري لا تنتهي إلا بمعرفة الآخر الناجح، لا بُدّ من الترجمة”.
  •  الباحثون المصريون: مبادرة أسسها إسلام سامي ومحمود توفيق عام 2014 في مصر. وتضم 280 عضواً ويتابعها 366,000 قارئ.
  •  الفضائيون: مبادرة أسسها ياسين بجدو في المغرب عام 2015. شعارها هو “ننظر إلى العلم من زاوية علمية”، وتضم 40 عضواً، معظمهم من سوريا ومصر، ويتابعها 421.000 قارئ.
  •  الباحثون اللبنانيون: مبادرة أسسها محمود إبراهيم في لبنان عام 2015. وتضم المبادرة 50 عضواً – معظمهم من طلاب الجامعات من مختلف البلدان – ويتابعها 304.000 شخص. حتى الآن، قامت بنشر 4.500 مادة.
  •  المغرب العلمي: مبادرة تأسست عام 2012 في المغرب تحت شعار “المعرفة العلمية للجميع” ويتابعها 198.000 شخص. وقد حصلت على جائزة أفضل موقع مغربي في عام 2013.
  •  النادي الليبي للعلوم: مبادرة تأسست عام 2014 تحت شعار “بالعلم نرتقي” ويتابعها 71.000 شخص.
  •  السعودي العلمي: مبادرة تأسست عام 2012 في المملكة العربية السعودية. وقد نشرت منهجاً عن التطور ويتابعها 534.000 قارئ.
  •  مرصد المستقبل: تأسست النسخة العربية على يد هاشم الغيلي، وهو باحث يمني يقيم في ألمانيا. تركز المبادرة على التكنولوجيا ويتابعها 4.37 مليون شخص.
  •  نظرية التطور: مبادرة أسسها أحمد الريس عام 2011 وقامت بتطوير موقعها عام 2017. تهدف المبادرة لـ “نشر الوعي وتسليط الضوء على هذه القضية المعرفية المهمة، ووجوب تدريس نظرية التطور في المدارس، وألاّ يكون هناك مجال للخرافات في مؤسساتنا التعليمية.” يتابع المبادرة 189.000 شخص.
  •  العلوم الحقيقية: مبادرة تأسست في العراق لمكافحة “العلم الزائف والخرافات”. تنشر المبادرة مجلة إلكترونية شهرية تتضمن مقالات عن التعليم العالي العراقي، ويتابعها 140.000 شخص.
  •  أخبار العلوم: مبادرة أطلقت موقعها الإلكتروني عام 2017 بعد أن تأسست على موقع الفيسبوك عام 2015. ويتابعها 513.000 شخص.

ملاحظة: الكاتب متطوع كمترجم في المشروع العراقي للترجمة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى