مقالات رأي

الفنانون العرب وصراع البقاء

هل يمكن للفنانين العرب البقاء وسط تقلص مساحة حرية التعبير في العديد من بلدانهم؟ وهل يمكنهم البقاء مع صعوبة إيجاد مكان ملائم للعمل مع الزملاء؟ وهل يمكنهم المواصلة مع الرفض اللامتناهي لمنحهم تأشيرات السفر؟

وهل يستطيعون البقاء مع خطر أن يصبحوا مجرد اسم لعلامة تجارية فاخرة بالنسبة لمقتني التحف، كساعة رولكس، بدلاً من مساعدة الجمهور الأوسع ليفتح أفراده عيونهم وقلوبهم وعقولهم؟

كانت هذه بعض الأسئلة التي تمت إثارتها في قلب الندوة التي عقدت على مدار اليوم في المتحف البريطاني مؤخراً بعنوان “بقاء الفنان”. وكان للحدث عنوان فرعي هو “كيف يمكن للفن والفنانين في العالم العربي البقاء والاستجابة في أوقات الصراع والرقابة؟”

حاولت مجموعة من الفنانين والداعمين لهم الإجابة على هذا السؤال والأسئلة الكثيرة التي تندرج ضمنه. وتساءلوا عما إذا كان الفنان العربي الذي يريد أن يرسم الزهور بطريقة أصلية يمكن أن يجد جمهوراً في حين يتوقع العديد من عشاق الفن أن يكون الفنانون العرب بمثابة مصورين فوتوغرافيين للحروب. وناقشوا أيضاً إذا ما كانت الرقابة يمكن أن تساعد حقاً في دفع الإبداع أو إذا كان ذلك بحد ذاته مسألة قمعية مثيرة للقلق.

لم يُذكر التعليم الفني إلا نادراً، على الرغم من وجود إشارات عابرة لعدم وجود منح دراسية. قالت شيرين الأتاسي، من مؤسسة الأتاسي، وهي منظمة مستقلة تعزز الفن والثقافة السورية، “وجدتُ الأمر مقلقاً عندما علمتُ بأن هناك القليل جداً من الأبحاث على [الفن العربي] من قبل الأكاديميين أو حتى الصحافيين.”

وضع عبد الله الكفري، كاتب مسرحي والمدير التنفيذي لمؤسسة اتجاهات التي تدعم الفن والثقافة السورية المستقلة، بعض “الوصايا” التي يعتقد بأنها ضرورية لرعاية الفنون في العالم العربي، بدءً بالخطوات الواضحة من قبيل “وجوب عدم تقبل القوالب النمطية” وحتى الأقل وضوحا مثل “وجوب ألا تقوم بما هو أكثر شعبية الآن.”

تحدث الفنان الفلسطيني، خالد جرّار، عن رحلته الفنية، حيث ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ليناقش خطر التمسك بها. فقد قام بإنشاء ختم جواز سفر لفلسطين وختم 700 جواز سفر به. وقال في وقت لاحق أنه استغرب من أن الاسرائيليين كانوا يرحبون بالزوار القادمين إلى فلسطين، وأن الطابع كان وسيلة للاحتجاج على ذلك. قال متحدثاً لجمهور المتحف البريطاني “حاربت الاحتلال مذ أن كنتُ في العاشرة من عمري. لقد أصبح الفن الوسيلة الوحيدة للمقاومة بعد الحجارة.”

في فلسطين، صنع جرّار أعمالاً فنية من الخرسانات التي تخترق الجدران التي أقامتها إسرائيل لتحيط بها نفسها، وقام بطلاء جزء من الجدار بألوان قوس قزح. وأخذ احساسه الفني خلال انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016 إلى الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. وفي زيارته لكلا الجانبين من الحدود، قام بلحم سلم معدني من أجزاء مسروقة من الجدار وأقامه في خواريز في المكسيك. وأطلق السكان المحليون على النحت اسم “سلم خالد”. (لمشاهدة مقطع فيديو عن التجربة اضغط هنا).

تركيب للفنان السوري عصام كرباج يتألف من أغلفة كتب صلبة تنتشر على الأرض وأحد المقاعد.

كما ظهر موضوع الحدود والمسافة أيضاً في عمل خالد بركة، وهو فنان سوري يقيم في برلين حالياً. وجلب بركة الاهتمام بالانقسام إلى أيرلندا الشمالية، حيث خلق نحتاً جديداً استوحاه من نحت أيقوني أقدم. وعمل فناناً مقيماً في مدينة تحمل اسمين، ديري ولندنديري، بسبب نزاعٍ سياسي. وكان النحات الأيرلندي موريس هارون قد أقام بالفعل تمثالاً يعرف باسم “أيادي عبر الانقسام” لرجلين يصلان إلى بعضهما البعض لكنهما لا يتلامسان تماماً. ويقوم النحت على جسر بين منطقة ذات أكثرية كاثوليكية وأخرى ذات أغلبية بروتستانتية.

وباعتباره فناناً مقيماً في المدينة، اعترت بركة الدهشة لكون الرجلين في التمثال غير قادرين على إكمال المصافحة. فقام بركة باستخدام كاميرا ليزر لقياس المسافة بين اليدين، ومن ثم استخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد لخلق قالب صب أسفر عن نحت من الفضاء. أطلق على النحت الجديد اسم “المسافة المجسمة” وهو جزء من مجموعة أكبر من الأعمال الفنية المتصلة بما في ذلك صور بانورامية ومقاطع فيديو ولوحات إعلانية و8000 تي شيرت. (كتب بركة مقالاً عن تجربة إنشاء التركيب).

بالاضافة لعمله كفنان، يعمل بركة أيضاً على إنشاء مؤشر الثقافة السورية The Syrian Culture Index، والذي يشمل قاعدة بيانات مشتركة وخريطة تربط الفنانين السوريين الذين لا يزالون في سوريا وأولئك المنتشرين في جميع أنحاء العالم. وسيكون المصدر غير سياسي. قال “نحن نعيش في عالم من الانقسام الشديد. أنا أقترح هذا ليكون مكاناً للجميع.”

حصل أولئك الذين حضروا الندوة على فرصة لتجربة الفن وليس مناقشته فحسب، حيث جلسوا في قاعة في الطابق السفلي، وفي القاعة الكبرى الشهيرة للمتحف في الأعلى كانت زهرة الغامدي، الفنانة من جنوب غرب المملكة العربية السعودية، تعمل على إنشاء تركيب مؤقت من الرمال والحجر الملون والحجر الرمادي المسحوق وقصاصات من النسيج لترثي فقدان التراث المعماري. في الجوار كان هناك تركيب للفنان السوري عصام كرباج يتألف من أغلفة كتب صلبة تنتشر على الأرض وأحد المقاعد.

في منتصف الندوة، تم تقديم عرض بعنوان “للغائبين”. وكانت بُنية العمل بمثابة تحية إجلال لعدد المرات التي لم يتمكن فيها الفنانون العرب من السفر بهدف الوصول إلى جمهورهم. أما أولئك الذين حضروا الندوة فقد ذهبوا إلى قاعة منفصلة حيث تم إعطاؤهم سماعات رأس واستمعوا أولاً لأصوات منحتهم الإحساس بأنهم تحت الماء.

منحوتة “المسافة المجسمة” للفنان السوري خالد بركة

كما استمع الجمهور بعد ذلك لقصة عائلة سورية توسلت بهدف الحصول على أخبار عن ابنها، وسجنت بسبب تقديمها المياه للمتظاهرين. كان العمل، كما أشار أحد القيمين في وقت لاحق، عمل خيال عظيم وحقيقة عظيمة على حد سواء، لاسيما وأن القصة المركزية التي يرتكز عليها قصة حقيقية.

في النهاية، أجابت الندوة على سؤالها الرئيسي، فمن خلال مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية التي نوقشت وعرضت في يوم واحد، نعم، يمكن للفنان العربي البقاء على قيد الحياة. ومن خلال القيام بما يجب القيام به لرغبة لا تهدأ للتعبير عن الروح الإنسانية، فلن يكون هناك نزاع أو رقابة ليضع لها حداً.

لكن، هناك العديد من الأسئلة التي يجب طرحها.

هل سيقوم المزيد من المحسنين العرب بدعم الفنانين العرب، وخاصة أولئك الذين تم اعتقالهم أو سجنهم أو تشريدهم؟

هل يمكن ربط الفن بالتعليم بشكل أفضل ليحظى بتقدير جمهور أوسع بذلك؟

وهل يمكن أن تجد أعمال الفنانين مكاناً لها في الأماكن العامة والمنازل الخاصة ومعارض محبي الفن؟

ملاحظة المحرر: كانت الندوة جزءً من مهرجان شباك، وهو مهرجان بمثابة “نافذة على الثقافة العربية المعاصرة” استمر انعقاده لمدة أسبوعين وانتهى الأسبوع الماضي. وكانت غرف الموزاييك The Mosaic Rooms شريكاً في الندوة. وشملت المنظمات الأخرى الداعمة للفنون التي تحدث ممثلوها في الاجتماع: الفنانون المعرضون للخطر، والمورد الثقافي، ومؤسسة رؤيا، وتاون هاوس غاليري.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى