أخبار وتقارير

جورج نصر: رحلة سينمائية وأكاديمية غنية

طرابلس- يعتبر كثيرون جورج نصر، المخرج السينمائي والذي يبلغ اليوم من العمر 90 عاماً، أباً للسينما اللبنانية. إذ ساهم فيلمه “إلى أين؟” بوضع لبنان على خريطة السينما العالمية.

وعلى الرغم من توقف إنتاجه السينمائي بسبب الحرب الأهلية اللبنانية، إلا أن نصر استمر في عمله السينمائي من خلال رعاية جيل جديد من المخرجين اللبنانيين الذين يقدرون كثيراً تاريخه السينمائي.

وكانت اللجنة المنظّمة لمهرجان “كان” السينمائي الفرنسي قد عرضت نسخة الفيلم، المرممة من قبل شركة “أبّوط برودكشن” للإنتاج و”مؤسسة سينما لبنان”، ضمن تظاهرة “كانّ للأفلام الكلاسيكية” في الدورة السبعين من المهرجان التي أقيمت في أيار/ مايو الماضي، بعد 60 عاماً على عرض الفيلم الأصلي في المسابقة الرسمية للمهرجان.

قال نصر “عندما أنجزت هذا الفيلم، لم يكن لدينا ممثلون محترفون ولا تقنيون محترفون ولا معدات، فاستعنت بحدّاد لصنع سكة للكاميرا، وبنجار لصنع عربة الكاميرا المتنقلة والألواح العاكسة للإضاءة”. مضيفاً “لم يكن يوجد سينما لبنانية في تلك المرحلة، كنا نحن رواد السينما اللبنانية.”

خلال المعرض الاستعادي لمشوار جورج نصر. الصورة لـ:اسبر ملحم

لم يكن “إلى أين” عند عرضه في كان عام 1957، أول فيلم لبناني في مسابقة المهرجان الفرنسي، بل كذلك أول فيلم لبناني يعرض عالمياً، وأول “فيلم مؤلّف” لبناني. تنافس الفيلم على “السعفة الذهبية” مع أفلام لمُخرجين عالميين كوليام وايلر وإنغمار برغمان وفديريكو فلليني وروبير بريسون وستانلي دونن وأندريه فايدا. تناول الفيلم قضية الهجرة التي لا تزال مطروحة اليوم. أما فيلم نصر الثاني فحمل اسم “الغريب الصغير” واختير أيضاً لمهرجان كان عام 1962، وكان أول فيلم لبناني ناطق بالفرنسية، ثم فيلم ثالث بعنوان “المطلوب رجل واحد” عام 1975. بعد ذلك، لم يُخرج نصر أي فيلم روائي طويل.

درس نصر السينما في جامعة كاليفورنيا – لوس أنجليس (UCLA) القريبة من هوليوود، ثم عاد إلى لبنان برغبة كبيرة لإدخال صناعة السينما إليها. لكن بعد أفلامه الثلاثة بين العامين 1957 و1975، اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية ولم يتمكن بعدها من إنجاز أي فيلم.

مع ذلك، لم يغادر نصر لبنان خلال الحرب أو بعدها. بل انشغل بإخراج أفلام وثائقية وكتابة سيناريوهات لأفلام جديدة لم تر النور بسبب عدم وجود إنتاج. كما حاول تأسيس نقابة لتقنيّي الأفلام وصندوق دعم وطني للسينما اللبنانية، لكنّ هذه المحاولة لم تتكلّل بالنجاح أيضاً. ليتجه نحو التدريس في الأكاديميّة اللبنانيّة للفنون الجميلة.

قال “تجربة التدريس رائعة، فهناك الكثير من الطلاب الموهوبين والذين يحتاجون إلى دعم فني ومالي ليصلوا بإبداعاتهم للعالمية.”

لا تقل أهمية نصر الإخراجية عن أهميته الأكاديمية، كما يعتقد الكثير من النقاد.

قال غسان قطيط، أحد تلامذة نصر ومدير مدرسة السينما في الأكاديمية اللبنانية للفنون، والذي وضع مؤخراً كتاباً وثائقياً عن رحلة نصر باللغة الفرنسية “لا يمكن فصل أهمية نصر التعليمية عن أهميته السينمائية، فهو صاحب خبرة طويلة وفكر متميز وهو مرجع أساسي للكثير من السينمائيين اللبنانيين قبل أن يكون مرجعاً لطلابه في الأكاديمية.”

يعتقد جان رطل، الناقد الفني، أن نصر يهتم بالصورة بشكل كبير ولا يسمح بحوارات غير مبررة كما أنه يبرز الطبيعة بصورة كبيرة في أفلامه.

قال “يتبع نصر المدرسة الأميركية في الإخراج التي تختلف عن المدارس السينمائية الأخرى في كثير من التقنيات المتبعة وهذا ينعكس في المحصلة على أسلوبه التدريسي والمبادئ التي يقدمها لطلابه.”

نصر أمام بوستر فيلمه الأول “إلى أين؟” صورة: اسبر ملحم

بدوره، يحرص حسام خياط، المخرج السينمائي وأستاذ مادتي الإخراج والسيناريو في الجامعة اللبنانية وجامعة الجنان، على دعوة طلابه لمشاهدة أفلام نصر الثلاث باستمرار. قال “أنا كأستاذ سينما أطلب من تلامذتي مشاهدة أفلام نصر، فهو ليس فقط مخرج متميز لكنه أيضاً مدرسة خاصة في زوايا التصوير والإضاءة. ورغم قلة إنتاجه السينمائي إلا أنه يمتلك الكثير من الخبرة لنتعلم منه.”

يعيش نصر اليوم في مدينة طرابلس الشمالية، مسقط رأسه، حيث اعتاد المخرج اللبناني المعروف بطول قامته وأناقته الباريسية الذهاب كل يوم أربعاء إلى مقهى نيجريسكو بالقرب من منزله لتناول قهوته المفضلة وأيضاً لقاء أصدقائه القدامى. يشغل نصر اليوم منصب الرئيس الفخري لمهرجان طرابلس للأفلام.

قال “المهرجان فعالية مهمة لإعادة إحياء ثقافة السينما بين الجمهور وتشجيع المخرجين والمنتجين على دفع عجلة صناعة السينما في لبنان. فالسينما ليست أداة للتسلية فقط لكنها ثقافة قبل أي شيء.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى