مقالات رأي

كيف يمكن لمصر تبني سياسات أكثر عدالة لتعليم الطلاب ذوي الإعاقة

يلزم دستور مصر الجديد، والذي تم وضعه عام 2014، الدولة بضرورة دمج ذوي الإعاقة مع غيرهم من المواطنين إعمالاً بمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص. إلا أن سياسة دمجهم في الجامعات الحكومية تقصر التحاقهم فى أغلب الأحيان على عدد محدود من الكليات الأدبية. تقوم تلك السياسة على فكرة أن هؤلاء الطلاب قد لا يستطيعون تأدية الالتزامات الأكاديمية في كثير من التخصصات، خصوصاً العملية، بسبب إعاقتهم. وبالتالي تركز تلك السياسة على عجزهم، عوضاً عن قدراتهم ومهاراتهم التي يتعين على الجامعات تنميتها.

لا تختلف تلك السياسة المتحيزة كثيراً عن باقي السياسات والتشريعات المتعلقة بذوي الإعاقة في مصر، حيث يهيمن عليها بشدة النظر إلى الإعاقة من منظور النموذج الطبي التقليدي، الذي يُرجع عدم قدرة ذوي الاحتياجات الخاصة على المشاركة في الحياة الطبيعية إلى التلف أو العيب التكويني الذي يعانون منه. على عكس النموذج الاجتماعي الذي يسلم بأن السبب الرئيسي للإعاقة هو المجتمع الذي يعوق دمج هؤلاء الأشخاص في الأنشطة والخبرات الحياتية المختلفة.

تقوم السياسة المصرية على نظامين، يسمح الأول بقبول المكفوفين في خمسة كليات أدبية فقط هي: الآداب، ودار العلوم، والألسن، والحقوق، والخدمة الاجتماعية بشرط الحصول على 50 في المئة من المجموع الكلي في الشهادة الثانوية بحد أدنى.  ويشترط أيضا للقبول أن يعرض هؤلاء الطلاب على لجنة ثلاثية من أعضاء هيئة تدريس في كلية الطب التابعة للجامعة المتقدم لها الطالب. أما بقية الإعاقات فتندرج في فئة واحدة ويسمح بقبولهم في عدد أقل من الكليات النظرية فقط هي كليات: الآداب والحقوق والتجارة وبحد أدنى 50 في المئة من المجموع الكلى أيضاً وبنفس الطريقة التي تعتمد على توزيعهم على هذه الكليات وفقاً لتقرير اللجنة الطبية المذكورة سابقًا مع إمكانية تقديم الطلاب لتظلمات على قرارات اللجنة أمام اللجنة المركزية التي يشكلها المجلس الأعلى للجامعات. (اقرأ القصة ذات الصلة: خيارات محدودة لذوي الاحتياجات الخاصة بالجامعات المصرية).

يحاول هذا النظام أن يميز هؤلاء الطلاب تمييزاً إيجابياً من خلال السماح لهم بالالتحاق بالكليات المذكورة بالحد الأدنى لاجتياز المرحلة الثانوية. ولكنه في نفس الوقت يحكم على هؤلاء الطلاب، بغض النظر عن نوع الإعاقة التي يعانون منها، بأنهم غير مؤهلين سوى لعدد محدود جداً من الكليات. والأزمة هنا أن هذا النظام يعمم ذلك الحكم على كافة أنواع الإعاقات برغم ما بينها من تباين واسع. فعلى سبيل المثال يستطيع الشخص ذو الإعاقة الكلامية أن يمارس مهنة طبيب الجراحة، بينما قد لا يستطيع الشخص ذو الإعاقة البصرية ممارستها، ولكنه قد يستطيع العمل كمبرمج مثلًا، وذلك بالتحديد هو منطق التركيز على القدرة بدلًا من العجز. أما النظام الثاني، فيشبه إلى حد كبير النظام المتبع في قبول الطلاب العاديين في الكليات المختلفة. إذ يختار الطالب ذو الإعاقة الكلية الأدبية أو العلمية التي تتفق مع رغبته بشرط استيفاء مجموع الدرجات المطلوب في الشهادة الثانوية، لكن يزيد في هذا النظام أن التحاق الطالب بالكلية مرهون بقرار من لجنة ثلاثية من أعضاء هيئة تدريس هذه الكلية يوصى بمدى قدرة الطالب على الوفاء بالتزامات الدراسة في الكلية. وفى حالة عدم موافقة اللجنة على التحاقه بهذه الكلية يُرشح الطالب من قبل مكتب التنسيق لرغبته التالية طبقاً لترتيب الرغبات المقدم منه في برنامج التنسيق الالكتروني خارج كليات القطاع الذي سبق أن تم ترشيحه إليه.

يظهر في ذلك النظام مشكلتان تسهم في إقصاء ذوي الإعاقة من العديد من الكليات، الأولى هي تشكيل اللجنة التي تقرر إذا ما كان الطالب مؤهل للالتحاق بالكلية، إذ أن تلك اللجنة لا تضم في عضويتها خبراء في مجال الإعاقة ولكنها تضم أعضاء هيئة تدريس فقط. ولا شك أن وجود هؤلاء الخبراء واطلاعهم على أحدث التكنولوجيات المساعدة لذوي الإعاقة، بالإضافة إلى خبرتهم في مجال الإعاقة، يساعد على تحديد أكثر دقة لمدى صلاحية الطالب للالتحاق بكلية معينة.

المشكلة الثانية هي عدم توافر التكنولوجيا اللازمة لتسهيل تعلم هؤلاء الطلاب بالكليات العملية. فعلى سبيل المثال أصدرت الدكتورة منال ماهر وكيلة كلية صيدلة القاهرة منشوراً إدارياً للعام الدراسي 2015 – 2016 جاء في مقدمته أن كلية الصيدلة هي كلية عملية ولذلك فلا يسمح بقبول أنوع كثيرة من الإعاقات التي تتعارض مع المجهود المطلوب بذله من الطلاب، كما أوضح أن مرافق الكلية ممهدة لتناسب الطلاب ذوي إعاقات المشي فقط.

تعتبر هذه السياسة بدون شك إقصائية لحد كبير لكونها لا تطبق نفس شروط القبول على كافة الطلاب، وهو أمر يستوجب التغيير ووضع خطط فعلية للدمج تبدأ من التعليم المدرسي وصولاً للجامعي. ولحين وضع هذه الخطط، فإنني أقترح البدء في تنفيذ بديل لسياسة قبول الطلاب ذوي الإعاقة الخاصة بالجامعات الحكومية يتطلب الآتي:

          أولاً: يتوجب على مجلس إصدار تشريع يجرم التمييز على أساس الإعاقة في مؤسسات التعليم العالي، ويُلزم تلك المؤسسات باتخاذ كافة التدابير اللازمة وتوفير الوسائل التكنولوجية المساعدة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة.

          ثانياً: يجب أن تُغير وزارة التعليم العالي القرار السنوي المتعلق بقواعد قبول ذوي الإعاقة بالجامعات الحكومية، على أن يُصدر قرارا جديدا يتم من خلاله قبول هؤلاء الطلاب بحد أدنى 50 في المئة بالجامعات الحكومية، ليلتحقوا ببرنامج تأهيلي لمدة عام، بنظامين، أدبي وعلمي، وفقاً لنظام الطالب في الثانوية العامة.  ثم يخضع الطالب لاختبار قدرات موحد للالتحاق بالكلية التي يرغب بها.

          ثالثاً: يجب أن تُنشئ كافة الجامعات الحكومية جهازاً إدارياً جديداً لديه ميزانية مستقلة ويختص بشؤون ذوي الإعاقة وتوفير كل المتطلبات اللازمة لدعم تعليمهم بالصورة الأمثل (كأجهزة قراءة النصوص المطبوعة، وأجهزة تكبير خط الكتابة، وبرمجيات تحويل النصوص المكتوبة إلى مقاطع صوتية والعكس، وأجهزة الطباعة بطريقة برايل، وأجهزة تأهيل القصور السمعي)، بالإضافة إلى تدريب وتأهيل أعضاء هيئة التدريس والموظفين الإداريين حتى يتمكنوا من التعامل على النحو الأمثل مع ذوي الاحتياجات الخاصة.

إن من شأن تغيير السياسة الحالية تسهيل تعليم آلاف الطلاب المصريين وتمكينهم من الوصول إلى حقهم المكفول بالدستور ومن ثم الاستفادة من إمكاناتهم وتعليمهم لخدمة وتطوير بلدهم.

*محمود شلبي باحث في برنامج التعليم والطلاب في مركز عدالة للحقوق والحريات، مركز قانوني حقوقي مصري غير حكومي. للإطلاع على كامل الورقة البحثية لشلبي حول هذه القضية، الرجاء الضغط هنا.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى