أخبار وتقارير

مبادرات لإعادة تأهيل أطفال مجندين

بانغي، جمهورية أفريقيا الوسطى – يلاحق خمسة عشر مراهقاً كرة في الباحة، بينما تقفز ثماني فتيات فوق حبل بلاستيكي. ويجري شباب آخرون ذهاباً وإياباً.

كان الصغار يلعبون في يوم حار في مركز تدريب في اتحاد الفنيين للشباب العاطلين عن العمل، وهي منظمة غير حكومية تحاول المساعدة في إعادة دمج الأطفال الجنود السابقين في المجتمع.

صاح هيرجي ويليكون بسعادة وهو يلعب، يتناقض هذا مع ماضيه القريب. هذا الشاب الذي يبدو بريئاً في بنطاله القصير الرمادي وقميصه الأحمر والأصفر، والذي يبلغ من العمر 16 عاماً، مقاتل سابق ارتكب أعمال عنف مريعة، كسائر سكان مركز الشباب هذا.

قال “قتلت خمسة مسلمين – امرأة مسنة، ثلاثة مراهقين وطفلة في الرابعة من عمرها- في نقطة تفتيش بواسطة منجلي. كان القائد يهنئني في كل مرة على شجاعتي.” وأضاف أنه كان تحت تأثير المخدرات قبل تنفيذ هذا القتل الوحشي.

كان ويليكون ينتمي إلى أنتي بالاكا، وهي ميليشيا مسيحية تقاتل منذ أربع سنوات مجموعة مسلمة تدعى سيليكا، وخليفتها، الإكس-سيليكا، وذلك في إطار الحرب الأهلية الطويلة في جمهورية أفريقيا الوسطى. يشير مصطلح أنتي بالاكا من اللغة الشعبية إلى مجموعة تحارب أعداء مدججين بالسلاح.

في أحد الأيام، في العام 2014، ذهب ويليكون إلى متجر في حيّه في بانغي ليشتري الخبز. وفي طريق العودة، رأى دخاناً أسود كثيفاً يتصاعد فوق منزل عائلته. كان الناس يبكون ويفرّون في جميع الاتجاهات. دوّى صوت طلقات نارية. فهرب ويليكون وقد أصابه الهلع.

حين عاد، كان منزله قد احترق تماماً. كان أهله وأخوه البالغ من العمر 5 سنوات ميتين تحت الرماد. كان رجال سيليكا قد أحرقوا منزل عائلته وثلاثة منازل أخرى من الحيّ ذاك المساء. خاف ويليكون من الميليشيا المسلمة وهرب إلى أقرب معسكر لأنتي بالاكا، وهو مصمم على الانتقام.

بعد بضع أشهر، قام ممثلون من بلان انترناشيونال، وهي مجموعة بريطانية تدافع عن حقوق الأطفال، بإقناع أنتي بالاكا بتحرير المراهق.

قال فريديريك بيدا، المسؤول عن الإعلام في بلان انترناشيونال في جمهورية أفريقيا الوسطى، “نلتقي مع المجموعات المسلحة لنطلب منهم أن يطلقوا سراح الأولاد لنعتني بهم. يحدد كل طفل المهنة التي يودّ أن يتعلمها بعد مغادرته المجموعة المسلحة أو إذا ما كان يرغب بالعودة إلى المدرسة. كما أننا نؤمن الدعم النفسي والمتابعة للأفراد الذين نساعدهم.”

عُهِد ويليكون بعدها لليونيسيف واتحاد الفنيين للشباب العاطلين عن العمل. ويعيش حوالى 100 شاب وجندي سابق ويتلقون الدروس في منشأة الاتحاد في العاصمة.

يصنّع ويليكون القمصان منذ ثلاث سنوات ويبيعها في السوق في بانغي

يتدرب أطفال مجندين سابقاً في ميليشيا أنتي بالاكا المسيحية على النجارة تحت إشراف مدربيهم كاندجيلي ماكس أليكسيس، الذي يرتدي قميصاً أحمر، في أوتيفاجيد.

يساعده عمله الصغير هذا على عدم الانجرار مجدداً نحو العنف، مثل مئات آلاف الأطفال الآخرين الذين نزحوا أو تيتموا في البلاد بعد سنوات من الحرب الأهلية. ووفقاً ليونيسيف، لم يتمكن حوالى 94.000 تلميذاً في المرحلة الابتدائية من إجراء الامتحانات النهائية بسبب إغلاق المدارس لانعدام الأمن.

يق]م الاتحاد للشباب، بالإضافة إلى السكن والطعام، دروساً في الخياطة، وتصفيف الشعر، وصناعة السلع الجلدية، والنجارة وصناعة الصابون. كما يمكنهم أن يحسّنوا معرفتهم بالقراءة والكتابة وأن يتعلموا الطبخ ومهارات ريادة الأعمال.

يشرح كاندجيلي ماكس أليكسيس، وهو نجار في الاتحاد، كيف يقوم هو وفنيون آخرون بتعليم الحرف. قال “نقوم أولاً بمساعدة الأولاد في تعلم اسم كل أداة ودورها”. ثم يعلمونهم المهارات، مثل رسم المفاصل بواسطة قلم رصاص ومسطرة ذات زاوية مستقيمة.

وأضاف أليكسيس “في مرحلة النشر والنقر، أبدأ بتعليمهم الوضعية التي يجب اتخاذها، فإذا كان وضعيتك خاطئة لن يكون الخط مستقيماً. إنني متفاجئ بسرعة استيعاب هؤلاء الأولاد.”

أسس الاتحاد في العام 2000، وقد درب حوالى 550 طفلاً من المجموعات المسلحة. وفقاً للأمم المتحدة، كان 6000 طفل يقاتلون في جمهورية أفريقيا الوسطى خلال ذروة أعمال العنف في العام 2014. ويعتقد رسميون في الأمم المتحدة أن عدد الأطفال الجنود الناشطين يبلغ حوالى 300 ألف طفل حول العالم، بما فيه أفغانستان، جنوب السودان ومناطق نزاع أخرى.

سيهب الاتحاد لديبورا بينزي، التي تبلغ من العمر 16 عاماً، آلة خياطة ومقصاً وأقمشة وخيوط، وذلك لدى تخرجها من صف الخياطة المختلط في المركز بعد بضعة أسابيع.

قالت بينزي “لد خيطت أربعة أزياء وبعتها.” استخدمت المال الذي جنته لشراء المواد التي يمكن أن تستعملها في صناعة أزياء أخرى.

تتلقى ديبورا بنزي، البالغة من العمر 16 عاماً، اليوم تدريباً على الخياطة بعدما خدمت في صفوف ميليشيا بالاكا.

وأضافت بينزي التي التحقت بمعسكر أنتي بالاكا كطباخة ومنظفة بعدما قتل مقاتلو السيليكا والدتها “أود أن أمارس ما تعلمته هنا. وأود أن أتزوج وأنجب الأطفال”.

ولكن المركز لا يعترض بالضرورة على بعض المعتقدات التي ساهمت في إشعال العنف في جمهورية أفريقيا الوسطى.

فنجد في قلب عضوية أنتي بالاكا طلسم الغري-غري، وهو جالب للحظ يحتوي عادة على ورقة صغيرة دوّن عليها مقطع من الكتاب المقدس. لا يزال العديد من الأطفال في المركز يعتزون بهذا الطلسم الذي تلقونه عندما كانوا أطفالاً جنود. وقد قام العديد منهم بعملية جراحية لزرعه تحت الجلد.

قال فيليب بيدا-غريديبيرت، وهو عضو في اللجنة التوجيهية في الاتحاد يعتقد أن لهذه الطلاسيم تأثير سلبي في مركز الشباب “حين كان بعض الأطفال في معسكرات أنتي بالاكا، تمّ زرع طلاسيم في أجسادهم لتحميهم من الرصاص أو لإضعاف العدو. لم يوافق سوى عدد صغير منهم على استئصال هذه الطلاسيم في المستشفيات. ولا يزال العديد من الأطفال في المركز يرفضون نزعها.”

قالت شانسيلا غونيكار، وهي تلميذة في تصفيف الشعر تبلغ من العمر 16 سنة، إنها تريد أن تحتفظ بطلسمها “لا يمكننا أن ننزعها لأننا لا نعلم متى سيعاود العدو الهجوم علينا.”

أظهرت غونيكار مدى عمق المعتقدات الخرافية المتعلقة بهذه الطلاسيم حين أقرت أن البامية قد أضعفتها بعض الشيء، قائلة “لا يأكل أعضاء أنتي بالاكا البامية. إنه سرنا.”

يملك عدد كبير من الشباب في المركز معتقدات قد تكون أخطر من ذلك.

مع أن ويليكون أقسم أنه لن يعود إلى القتال مجدداً، لا يزال يتوقع المزيد من العنف في مستقبله ويحمل الضغينة تجاه أعدائه السابقين. قال “إذا قيل لي الآن إن السيليكا يقتلون أقربائي، سأهاجمهم جميعاً.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى