مقالات رأي

الجنس والأكاذيب: دراسة نقدية للحياة الجنسية للمرأة في المغرب

الرباط، المغرب- يعاني المغرب من “حالة من البؤس الجنسي على نطاق واسع”، بحسب ما كتبت ليلى سليماني في كتابها الاستفزازي الجديد، جنس وأكاذيب: الحياة الجنسية في المغرب. أثار الكتاب، الذي نشر في فرنسا في أيلول/ سبتمبر، من جديد نقاشاً متكرراً حول الحرية الفردية والأعراف التقليدية والإحباط والعنف الجنسيين.

تعتبر سليماني صحافية وروائية فرنسية مغربية معروفة. وقد فازت روايتها الثانية “أغنية حلوة” (Chanson Douce) بجائزة غونكور، الجائزة الأدبية الأولى في فرنسا، عام 2016. يعتمد العمود الفقري لكتابها الجديد، وهو مزيج من المقالات والتقارير الإخبارية، على سلسلة من المقابلات الصريحة مع باحثين بارزين ونساء مغربيات (التقت بهن المؤلفة في سياق الترويج لكتبها السابقة).

في كتاب جنس وأكاذيب: الحياة الجنسية في المغرب، تكتب سليماني بأن الحاجات الجنسية للنساء المغربيات خارج نطاق الإنجاب يتم تجاهلها إلى حد كبير، ومن المتوقع أن تكون النساء عذراوات عند الزواج وغير فاعلات جنسياً بعد ذلك. ويكاد هذا الرصد المكثف للحياة الجنسية للمرأة، على وجه الخصوص، أن يكون مساوياً للحرمان السياسي. تقول سليماني “ليس في إمكان المرأة التي يخضع جسدها للسيطرة الاجتماعية بهذا الشكل أن تتمتع بدورها كمواطنة بشكل كامل.”

في الصحافة الفرنسية وفي بلدان غربية أخرى، تمت الإشادة بكتاب سليماني على أنه شجاع ويكسر المحرمات. في الواقع، وكما تشير الكاتبة نفسها، فإنها ليست أول من طرح الموضوع. ففي الشعر العربي الكلاسيكي يوصف الجنس بصراحة ويحتفى به، ويعتبر الجنس موضوعاً رئيسياً في الأدب العربي والمغربي الحديث. وتذكر سليماني أعمال الروائيين المغاربة من أمثال محمد شكري والطاهر بن جلون ومحمد لفتة وعبد الله الطايع، فضلا عن كتابات جمانة حداد من لبنان والكاتبة السورية سلوى النعيمي التي تسببت روايتها المثيرة “برهان العسل” بضجة عام 2007.

ويشير كتاب سليماني أيضاً إلى أعمال العديد من الباحثين البارزين، بدءً بكتاب عالم الاجتماع التونسي عبد الوهاب بوحديبة الكلاسيكي “الجنسانية في الإسلام” والصادر عام 1975. وفي كتابه الصادر عام 2014 “الإثارة الجنسية العربية”، يقدم عالم الأنثروبولوجيا الجزائري مالك شبيل أمثلة على الكتابة المثيرة عبر التاريخ العربي. وفي كتابها “الحب في حضارتنا الإسلامية”، ربطت عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي هذا التاريخ بتطور ممارسات الجنس والحب. ومن بين الأعمال الأخرى التي تم الاستشهاد بها كتاب الحب المختون لعالم الاجتماع المغربي عبد الحق سرحان، والذي يناقش محنة الشباب المغاربة، وكتاب “الجنس والقلعة” لعالمة الاجتماع المصرية شيرين الفقي الصادر عام 2013.

ومن ذلك، يبدو أنه ليس هناك نقص في الاهتمام أو الدراسات المتعلقة بمسألة الحياة الجنسية. لكن هذه الدراسات لا تصل في الغالب إلى الفصول الدراسية أو الجمهور العام.

وممّا يبرز بشكل أكثر وضوحاً من كلمات النساء المغربيات اللواتي قابلتهن سليماني المعايير المزدوجة عندما يتعلق الأمر بالحرية الجنسية للرجال والنساء، والشكوك والمخاوف التي تطبع النظرة إلى المتعة الجنسية للمرأة.

تكتب سليماني ” قبل أن تكون فرداً، فإن المرأة أم وأخت وزوجة وابنة. كما أنها الضامن لشرف العائلة، وما هو أسوأ، الضامن لشرف الهوية الوطنية. حيث تعتبر فضيلتها قضية عامة. وما زلنا بحاجة إلى اختراع امرأة لا تنتمي إلى أي شخص.”

وتنتقد سليماني بشكل خاص القانون المغربي الذي يجرم جميع العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، لكنه يطبق بشكل انتقائي وتمييزي (على سبيل المثال، ضد الأزواج من الشباب أو البغايا من الفقراء).

يقول عالم الاجتماع عبد الصمد الديالمي، الذي تمت مقابلته في كتاب جنس وأكاذيب، إن مشكلة الشباب المغاربة تكمن في كونهم عالقين بين العادات التي لا تزال محافظة بشكل رسمي والممارسات التي لم تعد كذلك في الواقع. ويؤكد أنه من غير الواقعي أن يطلب من الشباب أن يظلوا عازبين “من دون ممارسات جنسية” حتى بلوغهم متوسط سن الزواج، وهو 31 عاما بالنسبة للرجال. وقد كشفت دراسة استقصائية أجرتها وزارة الصحة مؤخرا أن 56 في المئة من المغاربة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما مارسوا الجنس غير الاختراقي، وأن 25 في المئة منهم قد مارسوا الجنس الاختراقي. ينتزع الشباب لحظات من الحميمية مع بعضهم البعض حيث ومتى ما أمكنهم ذلك، لكن ذلك يعرضهم للعديد من المخاطر مثل: الخزي الاجتماعي والعنف ومضايقات الشرطة والحمل وغيرها من المخاطر الصحية.

قال الديالمي “الحياة الجنسية للشباب سرية وغير سعيدة. لا يمكن للمرء أن يشعر بأنه بخير إذا ما كان خائفاً، أو إذا ما كان يشعر بالذنب.”

تجعل التوقعات غير الواقعية والمتضاربة من العلاقات بين الرجال والنساء في كثير من الأحيان غير شريفة أو معادية أو مرتزقة، كما لاحظت سليماني. فالطبقات العليا تشتري لنفسها حرية التصرف كما تراه في أماكن خاصة عكس ما هو عليه الحال بالنسبة لمعظم الشباب والفقراء. وهكذا يصبح الاستقلال الجنسي والمتعة ترفاً آخر وشكلاً بغيضاً من أشكال انعدام المساواة. كما يدين الاشخاص الذين استطلعت سليماني آراءهم الدرجة العالية من النفاق، حيث يتظاهر الأفراد ببساطة بأنهم يتطابقون مع التوقعات الاجتماعية المحافظة ويغض الجميع الطرف عن ذلك حفاظاً على المظاهر.

تشير سليماني الى أنها تعرف بأنها ومن خلال استخدام منصتها المعتبرة للكتابة عن هذا الموضوع الحساس، سوف تتهم من قبل البعض بأنها تعاني من الإسلاموفوبيا، وبأنها خائنة لثقافتها وعميلة للغرب. لكنها تقول إن الوظيفة الجنسية “حق عام وغير قابل للمصادرة.”

ومع ذلك، فإن مسألة جمهور سليماني ليست غير ذات صلة بشكل مطلق. فربما كان من الأفضل – ولتجنب الظهور بمظهر إدانة لمرض عربي آخر أمام جمهور غربي إلى حد كبير – نشر الكتاب في المغرب، أو التخطيط للترجمة الفورية للغة العربية. كما كان من الممكن أن يستفيد الكتاب من شهادات الرجال، بالإضافة للنساء، لإعطاء فكرة عن الكيفية التي يتعرض بها كلا الجنسين للضغط من أجل أن يتوافقوا مع أدوار الجنسين الضيقة جداً وصعوبات العثور على العلاقة الحميمة والحب.

كما تشير سليماني إلى الصلة بين البؤس الجنسي الذي تصفه بشكل واضح والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. حيث كتبت “يمكن للمرء أن يجادل بأنه إذا لم تكن هناك حقوق جنسية للمسلمين، فذلك بسبب كون معظم الأنظمة التي يعيشون في ظلها تعتمد على رفض الحريات الفردية. لأن المواطن المؤمن غير مخول بالتفكير في نفسه أو اتخاذ قراراته بحرية.”

مع ذلك، فإن المؤلفة لا تطور حجتها، حيث أنها لا تحدد الجهة التي لا تسمح للمواطنين بالحرية والتفكير واتخاد القرار بأنفسهم، كما أنها لا تصف الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تسمح بتحقيق هذا النوع من الحرية الفردية والجنسية التي تدعو إليها.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى