أخبار وتقارير

بحوث حثيثة لحماية موارد مصر المائية

أسيوط – يسعى باحثون مصريون لوضع حلول علمية لمشكلة تناقص موارد البلاد المائية من خلال ابتكار وسائل لترشيد استخدام المياه في الزراعة وتحلية المياه المالحة ومعالجة مياه الصرف أيضاً، إلا أن ضعف التمويل الحكومي يجعل من تنفيذها أمراً صعباً.

يهدف أحد المشاريع الجديدة الواعدة إلى خفض نصف كمية المياه اللازمة لزراعة الأرز، وهي قضية هامة خاصة وأن زراعة الأرز تستهلك لوحدها أكثر من 10 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً، أي ما يزيد عن خمس حصة مصر الكلية من نهر النيل، هذا بخلاف ما تحتاجه زراعة المساحات المخالفة، التي تزيد عن ثلث المصرح به.

تعتمد مصر على مياه نهر النيل اعتماداً شبه كامل في اقتصاداتها وخاصة الزراعة، حيث يصل نصيب البلد منه إلى 55.5 مليار متر مكعب سنوياً. مع ذلك، تعاني الميزانية المائية المصرية عجزاً شديداً في مواردها المائية، حيث يقترب نصيب الفرد من حد الفقر المائي المدقع (660 متر مكعب/سنة)، وهي العتبة التي تعرفها الأمم المتحدة بأنها “ندرة مطلقة”.

تكشف مشكلة نقص الموارد المائية عن أهمية إجراء بحوث عديدة أحدها للباحث بمركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة المصرية محمد السيد الحجرى والذي حصل على جائزة “توفير المياه” عن فئة الشباب العام الماضي عن ابتكاره محراث يوفر نحو نصف كمية مياه الري من قبل الهيئة الدولية للري والصرف، وهي مؤسسة دولية مقرها نيودلهي.

قال الحجري “تحتاج زراعة الأرز إلى الغمر باستمرار حتى ارتفاع 10-15 سم فوق سطح التربة، ما يسبب فاقداً كبيراً في المياه وفي الأسمدة أيضاً. لكن المحراث الجديد يقلل من كمية المياه اللازمة للغمر.”

يشق محراث الحجري خطوطاً بالأرض الزراعية على شكل حرف (V) بعمق 20 سم وعرض 20 سم، ليتم غرس شتلات الأرز فيها ألياً ومن ثم يتم غمرها بالمياه اللازمة لنموها، مختزلاً كمية مياه الري المستخدمة في الزراعة التقليدية الغامرة لأحواض المسطح الزراعي كله.

تمت تجربة المحراث الجديد في حقل بمحافظة كفر الشيخ الشهيرة بزراعة الأرز في مصر. قال الحجري “كانت النتائج مرضية، حيث زاد المحصول بنسبة 4.6 في المئة وقل استخدام المياه إلى 50 في المئة.”

تشهد مصر منذ عام 2011 قلقاً متزايداً حول مواردها المائية نتيجة قيام إثيوبيا بتحويل مجرى مياه النيل الأزرق لبناء سد النهضة أو سد الألفية لإنتاج الطاقة الكهرومائية بولاية بني شنقول الإثيوبية القريبة من الحدود السودانية. إذ من المتوقع أن يحجز السد الجديد خلفه نحو 63 مليار متر مكعب من المياه، مما يهدد حصة مصر، وهي دولة مصب، من المياه.

قال نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية واستصلاح الأراضي في جامعة القاهرة، “سيتسبب إلى بوار 3 ملايين فدان في مصر أي ما يعادل 51 في المئة من الأراضي الزراعية، مما سيزيد الفجوة الغذائية في البلاد، ويفقد المزارعين لأراضيهم وعملهم.”

مصادر أخرى للمياه العذبة

تعتبر تحلية المياه من الخيارات الممكنة أيضاً لتوفير المياه العذبة، لكن البعض يعتقد أن هذه التقنية بطيئة جداً ومكلفة.

مع ذلك، وجد باحثون في جامعة الإسكندرية تقنية يمكنها ترشيح المياه شديدة الملوحة وتحليتها في وقت قليل وبتكلفة معقولة. تعتمد التقنية الجديدة على التبخير الغشائي، أي ترشيح المياه من خلال غشاء لإزالة الجزيئات الكبيرة، ثم تسخن حتى تتبخر، ثم يكثف البخار بعد ذلك للتخلص من الشوائب الصغيرة، وتجمع المياه النظيفة.

قال أحمد الشافعي، الأستاذ المساعد في الهندسة الزراعية والنظم الحيوية في جامعة الإسكندرية وأحد الباحثين المشاركين في اختبار هذه التقنية، “يمكن تصنيع الغشاء بسهولة باستخدام مكونات رخيصة ما يجعله خياراً ممتازاً في مصر.”

يمكن استخدام هذه الطريقة لتحلية مياه تحتوي على ملوثات مختلفة كالملح ومياه الصرف الصحي، في حين يصعب على الطرق الحالية تنقية مثل هذه النوعية من المياه بسرعة.

قال الشافعي “يمكن تطبيق هذه الطريقة في المناطق النائية لأنها لا تتطلب سوى توفير الأغشية للقيام بعملية الترشيح ثم النار لتبخير المياه المرشحة.”

يعتقد الباحثون أنه يمكن تطبيق تقنية الأغشية بالاتحاد مع التبخر في المناطق النائية، حيث إنها لا تتطلب سوى الأغشية لعملية الترشيح، والنار لتبخير المياه المرشحة.

في جامعة المنيا، طور وائل عبد المعز، أستاذ الهندسة الكيميائية في الجامعة، جهازاً لمعالجة المياه الرمادية الناتجة عن مخلفات المغاسل وأحواض الاستحمام والغسالات بهدف حماية شبكات مياه الصرف الصحي من التهالك الناتج عن تراكم المواد الكيميائية المتخلفة عن غسيل السيارات واستغلالها بطرق مختلفة.

يصل حجم المياه الرمادية في مصر إلى 10 مليارات متر مكعب سنوياً، بحسب عبد المعز.

يعمل جهاز عبد المعز على فصل الزيوت والشحوم عن الماء، ثم المعالجة الكيميائية التي تسمح بإزالة أي منظفات صناعية ومواد ثقيلة أو بقايا زيوت وشحوم، وأخيراً عملية تعقيم يتم خلالها التخلص من الملوثات البيولوجية كالبكتيريا وغيرها لتصبح المياه صالحة للاستخدام من جديد أو للزراعة.

قال “يمكن من خلال هذه الطريقة استعادة 80 في المئة من المياه لاستخدامها مجددا في الغسيل، شريطة وجود خزانات أرضية في المغاسل لتجميع المياه الخارجة بعد التنظيف.”

مشروع قناطر أسيوط الجديد على نهر النيل، والذي يوفر الري لمليون و650 ألف فدان في محافظات الصعيد.

عقبات مالية ولوجستية

على الرغم من تنوع وتعدد البحوث الهادفة إلى توفير حلول ومصادر جديدة للمياه في مصر، إلا أن تبنيها لايبدو بالأمر الممكن خاصة في ظل غياب التمويل.

إذ عمل الحجري، الباحث على مشروع المحراث الزراعي والحاصل على جائزة دولية، على تمويل بحثه على نفقته الخاصة. مع ذلك، فإنه يحتاج لتمويل أكبر لتطوير الألة. قال “بلغت تكلفة الألة 100 ألف جنيه مصري – نحو5000 دولار أمريكي- لكنني أسعى للحصول على تمويل أكبر من الحكومة لتطويره وجعله مناسباً للاستخدام التجاري.”

كما يسعى عبد المعز للحصول على تمويل لتنفيذ مشروعه الخاص بتنقية المياه الرمادية. قال “إلى جانب التمويل، لابد للحكومة أن تصدر تشريعاً يجبر أصحاب المباني على تخصيص صرف منفصل للمياه الرمادية”.

يعتقد حسام أبو النصر، الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة أسيوط، أن الباحثين طوروا نماذج للحد من الهدر، وإعادة استخدام المياه وإدارتها بشكل أفضل. لكن ذلك لوحده غير مجدي.

قال “لا يوجد تشجيع حقيقي من قبل المؤسسات الحكومية التي تتحجج دائماً بعدم توفر ميزانية للتمويل على الرغم من أن أزمة المياه تتفاقم يوماً بعد أخر.”

تبلغ ميزانية وزارة الزراعة 545 مليون جنيه للعام المالي 2016/2017، وتم فيها تخفيض ميزانية مركز البحوث الزراعية من 70 مليون جنيه (قرابة 4 مليون دولار) العام الماضي إلى 3 ملايين جنيه (170 ألف دولار) هذا العام، وخفضت ميزانية مشروع تطوير الري الحقلي والثروة السمكية من 160 مليون جنيه العام الماضي (9 مليون دولار) إلى 38 مليون جنيه هذا العام (2 مليون و154 الف دولار) كما تم تخفيض ميزانية مركز بحوث الصحراء من 32 مليون جنيه العام الماضي (مليون و814 الف دولارإلى 4 ملايين جنيه هذا العام (226 الف دولار). ويأتي التخفيض نتيجة إلغاء الحكومة المصرية مخصصات الخطة الاستثمارية والاكتفاء فقط بوضع ميزانية للأجور نظراً لعجز الميزانية والأزمة الاقتصادية التي تمر مصر بها وتعزيزاً لميزانية الأمن والدفاع.

قال نور الدين، أستاذ الموارد المائية واستصلاح الأراضي في جامعة القاهرة، “التخفيض كبير جداً وغير مبرر خاصة مع حاجتنا الماسة لزيادة الإنتاج الزراعي وسط الجفاف والتغيرات المناخية ونقص الموارد المائية المصرية وتلوثها.”

قال علي البحراوي، الأستاذ بقسم الري والهدروليكا بكلية الهندسة جامعة عين شمس, “كل وزارة لديها مراكز بحثية تعمل بشكل منفصل عن المراكز الأخرى كما لا يوجد أي تنسيق مع مراكز أبحاث الجامعات. لابد من توحيد الجهود للقيام بالبحوث والتعاون على تنفيذها.”

يتفق هاني الناظر، رئيس أكاديمية البحث العلمي السابق التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي  (أكاديمية وطنية ، تتعاون مع كيانات أخرى في  العلوم والتكنولوجيا والابتكار، لتحسين الوضع العلمي والاقتصادي لمصر) مع البحراوي في أن نجاحات البحوث في مصر في معظمها نجاحات أفراد ويعوزها الدعم الحكومي وتعاون المؤسسات. قال “الإنفاق الحكومي ضعيف جداً على البحوث، ولابد من تكاتف جهود المؤسسات للقيام ببحوث فعلية على مستوى كبير.”

هذا التقرير نشر كجزء من مشاركة الكاتب في ورشة الصحافة العلمية «الكتابة في المجال العلمي» التي نظمها معهد جوته و DAAD  مصر، والمدعومة من وزارة الخارجية الألمانية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى