أخبار وتقارير

التونسيات يكسرن الصور النمطية في سوق العمل المهني

تونس- وسط أعمال الإنشاءات وبين آلات الحفر والردم، تقف ريم مباركي 26 عاما، لتضبط موقع جهازها وتحدد مقاسات الأرض وأبعاد البناء المزمع بناءه. تمارس مباركي عملها بحماسة وجدية ولا تتردد في الابتسام بوجه كل من يمر بها وينظر إليها باستغراب.

قالت “عادة ما يقوم الرجال بأعمال قياس المساحات والأراضي، فهو عمل يتطلب مجهود بدني ووقوف لساعات طويلة في الحر أو البرد على حد سواء وهو ما يعتقد كثيرون أنه مرهق بالنسبة بالفتيات. لكنه عملي الذي درسته على مدى عامين وأمارسه اليوم بكل سعادة.”

تخرجت مباركي من أحد مراكز التأهيل المهني المعتمدة في تونس والمتخصصة بقياس الأراضي برغبة منها وتشجيع من أسرتها بالرغم من أن هذا النوع من الدراسة غالباً ما يقتصر على الذكور. إذ لم يضم صف مباركي الدراسي سوى طالبتين كانت هي إحداهن مقابل 20 طالب.

قالت “اخترت هذا التخصص عن قناعة وشجعني أهلي، لم تكن الدراسة سهلة، في النهاية تخرج من صفي 5 فقط كنت أنا واحدة منهم.”

قبل التحاقها بالتعليم المهني، حصلت مباركي على دبلوم في الاقتصاد لكنها فضلت استكمال دراستها في مجال القياس. قالت “هناك آلاف الخريجين الحاصلين على شهادات عليا في الاقتصاد لكنهم دون عمل، فضلت دراسة تخصص يؤهلني للعمل فعلياً وتجنب الانتظار في طوابير الباحثين عن عمل.” (اقرأ القصة ذات الصلة: شباب تونس بلا عمل أو أمل).

تقدر نسبة البطالة في تونس بأكثر من 15 في المئة، بمعدل 625 ألف عاطل عن العمل منتصف 2017 بحسب التصريحات الرسمية. لكن دراسة أعدها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات بتونس، تكشف عن وجود 145 ألف فرصة عمل شاغرة، 60 في المئة منها في المجال المهني. كما ترجح الدراسة ارتفاع العدد إلى 270 ألف وظيفة شاغرة بحلول سنة 2018.

خالد بن يحيى، المدير العام للوكالة التونسية للتكوين المهني.تصوير: ابتسام جمال

قال خالد بن يحيى، المدير العام للوكالة التونسية للتكوين المهني وهي مؤسسة حكومية مسؤولة عن التنظيم والإشراف على 130 مركزاً للتعليم المهني في قطاعات الفلاحة والبناء والنسيج والإكساء والكهرباء والالكترونيك والنقل والسياحة والفندقة والجلود والأحذية واللحام والصناعات الغذائية والحرف الفنية والتقليدية، “فرص خريجي التعليم المهني كبيرة في سوق العمل وتصل لضعفي فرص خريجي الجامعات.”

وكانت الحكومة التونسية قد أقرت قانوناً يجبر كل من لم يبلغ 18 سنة وتسرب من الدراسة على الالتحاق بمراكز التعليم المهني. علماً أن عدد المنقطعين عن الدراسة يتجاوز المئة ألف سنوياً.

وبحسب يحيى، فهناك عدد لا بأس به من خريجي الجامعات الذين بدأوا مؤخراً بالالتحاق ببرامج التعليم المهني لرغبتهم بالعمل لحسابهم الخاص.

من جهة أخرى، يؤكد يحيى إقبال التونسيات على الالتحاق بالتعليم المهني مؤخراً في تخصصات لطالما اعتبرت حكراً على الذكور. ففي عام 2016، التحقت 471 طالبة ببرامج مهنية متخصصة بأعمال البناء من أصل 6654 طالب، و214 طالبة في مهن اللحام المعدني من أصل 5912 طالب و239 طالبة في تخصصات النقل وصيانة العربات ومعدات الأشغال العامة مقابل 5073 طالب. بينما شهد قطاع الكهرباء والإلكترونيك إقبالاً شديداً بالتحاق 2725 طالبة مقابل 15738 طالب.

قال يحيى “جميع التخصصات المهنية في مراكزنا مفتوحة أمام الجميع من الطلاب إناثاً وذكوراً، ولا يوجد أية قيود على التسجيل. هناك مئات الخريجات من تخصصات البناء والنجارة والحدادة وصيانة المعدات الثقيلة، معظمهن يعملن اليوم في ورشات وشركات خاصة وعدد منهن افتتحن ورشاتهن الخاصة أيضاً.”

جيهان بوليفي، تصوير: ابتسام جمال

لا يعتقد يحيى أن هناك قيوداً اجتماعية تحد من التخصصات التي يمكن للطالبات الالتحاق بها. قال “لا يوجد رفض.. هناك نوع من الاستغراب ربما في البداية، لكن الخريجة المؤهلة بشكل جيد سرعان ما تكتسب إعجاب واحترام من حولها لإتقانها عملها.”

مع ذلك، واجهت جيهان بوليفي، 17 عاماً، بعض الانتقادات لاختيارها الالتحاق بتخصص البناء في معهد التكوين المهني ببن عروس.

https://www.bue.edu.eg/

قالت “حذرني كثيرون من صعوبة العمل وحجم الجهد البدني الذي يتطلبه، لكنني أحب البناء وأشعر بسعادة غامرة بتغيير شكل التراب إلى رخام أو بناء جدار كما أن فرص العمل في هذا المجال كثيرة ليس في تونس فقط بل وفي العديد من الدول الأوروبية أيضاً.”

تحتاج بوليفي للدراسة لثلاثة أعوام قبل الحصول على شهادة التخرج والبدء بالعمل. مع ذلك، تسعى بوليفي للعثور على فرص للعمل خلال العطل الصيفية لاكتساب مهارات عملية أكثر.

قالت “الطريق طويل وغير ممهد تماماً، لكنه ليس بمستحيل وأنا متأكدة أنني سأنجح لأنني أحب ما أقوم به.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى