أخبار وتقارير

باحثون يدرسون أسباب تعثر جهود تحسين التعليم المدرسي

عند زاوية تقاطع مزدحم في الجزء الجنوبي من بيروت وخلف الزجاج العاكس وسياج شائك مرتفع، اجتمع عدد من الباحثين في مكتب اليونسكو في بيروت الشهر الماضي لحضور مؤتمر يبحث في التحديات التي تواجه مساعي إصلاح تطوير معلمين المدارس في جميع أنحاء العالم العربي.

وجاء على رأس هذه التحديات  إقناع المعلمين بجهودهم.

إذ كانت الروح المعنوية المنخفضة لدى المعلمين موضوعاً محورياً في مؤتمر “الجودة والابتكار في مجال التطوير المهني للمعلمين”، والذي نظمه مركز الدراسات اللبنانية، وهو مركز أبحاث وسياسات مستقل مقره بيروت.

قال باسم قنديل، أحد المشاركين في المؤتمر، “إن عبارة (لا أعلم ما الذي أفعله هنا) هي الشكوى التي غالباً ما أسمع المعلمين الذين يحضرون ورش عمل التطوير المهني يرددونها.”

وجد قنديل، الذي يدير مركز التطوير المهني في جمعية المقاصد في لبنان، وهي جمعية غير ربحية تقدم عدداً من الخدمات الاجتماعية بما في ذلك التعليم الموجه للحصول على وظيفة، في استطلاعات الرأي بأن بعض المعلمين في ورش العمل كانوا سعداء لكونهم بعيدين عن العمل فحسب. فقد قال بعضهم “على الأقل أنا لست في المدرسة.”

غالباً ما تسعى الجهات المانحة الدولية والحكومات الوطنية وآخرون غيرهم إلى تحسين التعليم من خلال توفير برامج تطوير مهني للمعلمين. كما وتشارك أقسام التعليم الجامعي بانتظام في مثل هذه الجهود. لكن فعالية وتأثير التطوير المهني للمعلمين لا تزال مسألة غير محسومة للغاية على الصعيد العالمي. بالنسبة لبعض الدول، يُعتبر العبء الإضافي الذي يشكله تدفق اللاجئين بسبب الصراع في سوريا على النظم المدرسية عامل تعقيد إضافي.

استقطب اجتماع بيروت باحثين في مجال التعليم من الجامعات ومراكز البحوث في جميع أنحاء المنطقة، ودرس فعالية برامج تدريب المعلمين في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

يعتقد قنديل بأن معظم ورش العمل للمعلمين مجرد “أحداث تحصل لمرة واحدة” ولا تعقبها متابعة من قبل المنظمين أو المدارس المشاركة. وغالباً ما يتم اختيار المعلمين الذين يحضرون الورش بشكل عشوائي ولا يكون لديهم سوى القليل من المدخلات بالنسبة لتصميم برامج التدريب. قال “يشعر المعلمون بأنهم غائبون عن عملية صنع القرار في ورش العمل، وبأنهم مجرد مشاركين.”

وقد وجد محسن شيرازي زاده، أستاذ تدريس اللغة الإنجليزية في جامعة الزهراء في طهران، في دراسة استقصائية لمعلمي اللغة الإنكليزية في إيران بأن الكثيرين منهم قد عانوا من “الإنهاك العاطفي” و”المواقف غير المكترثة”. وقد انضم بعضهم إلى هذه المهنة لأنهم لم يجدوا “شيئاً أفضل للقيام به بعد التخرج” فحسب.

يعتقد شيرازي زاده بأن “الممارسة الانعكاسية” التى يقوم المدرسون من خلالها بجمع وتحليل المعلومات حول ما يدور في فصولهم، كثيرا ما يوصى بها كوسيلة لتحسين التدريس. لكنه قال إنه وجد بأن المعلمين يرفضون هذه العملية في كثير من الأحيان لأنها تعني “القيام بمزيد من العمل مقابل رواتب أقل.”

وقال شيرازي زاده، “يساعد التفكير الانعكاسي المعلمين على التغلب على العديد من المشاكل، بيد أن هناك عدداً من التحديات التي يتعين معالجتها قبل أن نطلب من المدرسين القيام بذلك.”

تحديد دور المعلم

قالت ريما كرامي عكاري، أستاذة القيادة التربوية في الجامعة الأميركية في بيروت، “ما نحتاج إليه هو التركيز على دور المعلم وهويته المهنية: “كيف أعرف نفسي؟ هل أنا معلم أو باحث أو عامل لاحداث تغيير اجتماعي؟”

تشارك عكاري في إدارة مشروع تمام الذي يعمل مع المدارس في المنطقة العربية للمساعدة على تطوير القدرات القيادية لتحسين تعلم الطلاب. وكثيراً ما تجد غياب وكالة تعمل بين المعلمين فيما تتم معاملة الطلاب على أنهم “متعلمين معتمدين.”

https://www.bue.edu.eg/

قالت “القيادة ليست مجرد عدد قليل من الناس الذين يشغلون مناصب رئيسية. يتوجب أن تتواجد هذه المهارات في النظام في كل مكان، ابتداءً من الفصول الدراسية.”

لكن عكاري حذرت من إلقاء اللوم على المعلمين وحدهم قائلة بأن الظروف التي يعملون فيها قد لا تكون مواتية. قالت “لا يمكننا التفكير في التعلم كما لو أنه أمر مركزي: هل تعلّم الطالب؟ هل تعلّم المعلم؟ نحن بحاجة إلى معرفة ما قد تعلمته المنظمة وما يحدث في المجتمع.”

وأضافت “لا يمكننا تعزيز الأفراد فحسب، نحن بحاجة إلى جعل مجموعات المعلمين جيدة. الأمر يتعلق بالمجموع وليس بالأفراد فحسب.”

تعتقد مها شعيب، مديرة مركز الدراسات اللبنانية، بأن المدارس تعاني أيضاً من قضايا إدارية مثل المناهج غير المرنة والشهادات غير المتجانسة للمعلمين، فضلاً عن عدم تفعيل دبلومات التعليم من قبل العديد من المدارس.

وأضافت شعيب بأن هناك ثقة قليلة في قدرة المعلمين على تكييف المناهج الدراسية، كما أن الحوار أو تبادل التعليقات الارتجاعية بين المعلمين أمر نادر الحدوث. وبدلاً من ذلك، يُطالب المدرسون بالتمسك بالكتب المدرسية، الأمر الذي “يقلل من دور المعلم في تقديم المحتوى.”

قالت “يصبح الأمر مملاً بشكل قاتل، حيث تعامل بعض المدارس المعلمين كروبوتات – ويُتوقع منهم أن يأخذوا خطة الدرس من الدرج. … نحن لا نثق بالمعلمين، بل نتحكم فيهم.”

ترى شعيب وجوب التركيز على بناء قدرات المعلمين كمتعلمين مستقلين وحريصين على تطوير تخصصهم. وتقول إن المعلمين غالباً ما يكونون مفتونين بمواضيعهم، ولكن الجمعيات المهنية المختصة بموضوع محدد حيث يمكنهم تبادل الاستراتيجيات وتنمية شغفهم غائبة إلى حد كبير في المنطقة.

وأضافت شعيب بأن هناك ثغرات مماثلة بين أولئك الذين يدرسون تعليم المعلمين، مع وجود القليل من التعاون بين الباحثين في المؤسسات المختلفة. قالت “نحن لا نعمل في جميع الجامعات. الكل يبحث في صومعته الخاصة.”

وبالإضافة إلى ذلك، ترى شعيب بأن “هناك حوار ضئيل جداً بين القائمين بالبحوث وصانعي السياسات”، مضيفة بأن العديد من الباحثين لا يرون دورهم في التأثير على السياسة.

أسست شعيب شبكة باسم مجموعة بحوث تعليم المعلمين، وهي مجموعة تتطلع إلى مكافحة عزلة الباحثين التربويين وتضم الآن بالفعل العديد من الجامعات في لبنان. قالت “نريد أن نتجمع لإجراء البحوث حول تعليم المعلمين، وتسليط الضوء على الثغرات، والتقدم بطلب للحصول على التمويل ووضع استراتيجية لتطوير المعلمين.”

كما أشار العديد من المتحدثين إلى أن العديد من مشاكل تعليم المعلمين وفشلهم لا تقتصر على الشرق الأوسط فحسب. قالت هنادي ميرزا، المستشارة ومدربة المعلمين في الجامعة اللبنانية، إن حوالي نصف المعلمين الجدد في الولايات المتحدة يتركون المهنة في غضون خمس سنوات.

كما قللت ساندرا ستوتسكي، أستاذة التربية في جامعة أركنساس، من أهمية فعالية برامج تعليم المعلمين في الولايات المتحدة. قالت “يبدو أن القليل جداً منها قد نجح. فبصعوبة نتمكن من العثور على دراسات تعلم المعلمون منها شيئاً مفيداً عن التنمية المهنية، ناهيك عن أن يكون لها تأثير على الطلاب الذين تم تعليمهم.”

لم تتفق شعيب مع وجهة النظر تلك قائلة بأن هناك “أدلة كافية” على أن تطوير المدرسين يمكن أن ينجح. لكنها أضافت بأن تقييمات النجاح تتعقد بسبب عوامل مثل الخلفية الاجتماعية والاقتصادية وانعدام المساواة وحالة الحراك الاجتماعي في مكان العمل.

وأشارت شعيب أيضاً إلى التأثير السلبي للانحياز على أساس الجنس والصور النمطية عن المجال. حيث أن الطلاب الجيدين لا يتلقون التشجيع على دخول مهنة التدريس من خلال عبارات مثل “أنت ذكي جداً لأن تكون معلماً”. ومن ناحية أخرى، كثيرا ما تُدفع الشابات إلى المهنة كوسيلة لرعاية أطفالهن والمساعدة في دفع رسوم تعليمهم.

وتكشف الدراسات الاستقصائية التي أجريت على المعلمين في لبنان أن الكثيرين منهم يعانون من الإرهاق والأوجاع الجسدية والكوابيس والاكتئاب، بحسب شعيب.

العقبات

وبينما تطرقت معظم العروض إلى نظم التدريب القائمة بالفعل، شعر بعض المشاركين بأن هناك عدداً من المواضيع التي تم استبعادها، مثل الإصلاح العام للمناهج الدراسية وامتحانات التخرج من المدارس الثانوية التي تعتمد على الدرجات العالية في التقييم، والتي تستند إلى حد كبير على التحفيظ، وهي الوسيلة التي تستخدمها بعض البلدان لتحديد أي الطلاب يمكنهم الذهاب إلى الكلية وأي الجامعات يمكنهم الالتحاق بها. (اقرأ المقالات ذات الصلة: “تغيير نظام الثانوية العامة يثير المخاوف في الأردن” و”نظام جديد للقبول الجامعي في مصر يثير المخاوف“)

قال أحد المشاركين من جامعة البلمند في لبنان “هناك حجر عثرة مفاجئ في الصف التاسع عندما يتعين علينا العودة إلى أساليب الحفظ القديمة. لا يتم منحنا الفرصة لتجربة أساليب مختلفة، لأننا نصل الى أبواب موصدة. مهما حاولنا ونحن نقوم بتدريب المعلمين، لا يزال حجر العثرة هذا موجوداً.”

وتتضمن المواضيع الأخرى التي لم تتم اثارتها في المؤتمر أجور المعلمين ودور النقابات، وميزانيات التعليم الحكومية، وفي بعض البلدان، اكتظاظ الفصول الدراسية بسبب تدفق اللاجئين.

قال أحد المشاركين من الأردن، حيث تضاعفت أحجام الفصول الدراسية أحيانا للمساعدة في استيعاب اللاجئين القادمين من سوريا، “لم يتطرق أحد لمعالجة الوضع الذي نعيشه. ماذا لو كان لدينا 50 أو 60 طالباً في الفصل الواحد؟ ما نوع التدريب الذي سيساعدنا على التعامل مع ذلك؟”

لم يكن لهذا السؤال وغيره من الأسئلة إجابات فورية في المؤتمر. وستستمر المناقشة في حلقات العمل المقبلة التي ستعقدها مجموعة بحوث تعليم المعلمين، والتي تأمل أيضا في تكرار المؤتمر على نطاق أوسع مرة كل سنتين في مدن عربية مختلفة.

https://www.bue.edu.eg/
Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى