أخبار وتقارير

في سيناء “الدراسة مستحيلة”

القاهرة- انتقل أحمد سلامة، الطالب في السنة الثالثة بكلية التربية الرياضية والبالغ من العمر22  عاماً، للسكن في المدينة الجامعية التابعة لجامعة العريش الحكومية مؤخراً بعدما تم إيقافه من جانب قوات الأمن لعدة مرات العام الماضي. إذ تم الاشتباه به بعد وقوع أكثر من عملية إرهابية في طريقه اليومي من منزله بمركز بئر العبد بشمال سيناء إلى الجامعة، التي عن منزله مسافة تصل نحو 100 كيلو متر.

قال سلامة، في اتصال هاتفي، “أخبار القتل في كل مكان وعمليات الذبح في كل شارع. التوتر يخيم على الجامعة والانتظام بالدراسة فيها لم يعد ممكنة بسهولة.”

في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قتل نحو 300 شخص في هجوم إرهابي استهدف مسجد الروضة في بئر العبد.

يعد سلامة واحداً من آلاف الطلاب الجامعيين الذين يواجهون صعوبات بالغة في استكمال دراستهم الجامعية بمحافظة شمال سيناء، المدينة الحدودية المضطربة والتي تشهد هجمات إرهابية وحملات عسكرية موسعة منذ أكثر من عامين. فبعد سنوات من التهميش في ظل حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، تشهد مدن وقرى المحافظة تشديداً أمنياً شديداً منذ إعلان الحكومة المصرية الحرب على الإرهاب في يوليو/تموز2013 والبدء بتنفيذ المنطقة العازلة على الحدود مع قطاع غزة، مما يتسبب في زيادة تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية للسكان ونزوح العديد من سكان رفح والشيخ زويد إلى داخل مدينة العريش، خاصة في منطقة المساعيد، ومناطق أخرى على أطراف المدينة. وتضم محافظة شمال سيناء جامعتين، إحداهما حكومية وهي جامعة العريش وتضم 5367  طالباً وطالبة، والأخرى خاصة وهي جامعة سيناء وبعدد طلاب إجمالي يقارب 7000.

قال سلامة “هناك تضييق شديد على الطلاب الذكور من قبل نقاط الأمن المنتشرة على الطريق مما يؤخر وصول الكثيرين إلى الجامعات. لذا يفضل بعض الطلاب الانقطاع عن الجامعة لتجنب المسائلة الأمنية على الطريق.”

لتقليل المخاطر يلجأ بعض الطلاب للإقامة في السكن الطلابي أو المدينة الجامعية، على أن يقضوا يوماً أو يومين أسبوعياً مع عائلاتهم. لكن ذلك لا يبدو متوفراً للجميع.

إذ تدرس ياسمين علاء، 22 عاماً، في كلية الصيدلة في جامعة سيناء الخاصة، والتي تصل تكلفة الدراسة فيها لنحو 40 ألف جنيه سنوياً (2300 دولار أميركي) وتزداد بنسبة 10 في المئة كُل عام، وفقاً لعلاء.

تضطر علاء لاستئجار شقة سكنية مع ثلاثة من زميلاتها بمبلغ 1800 جنيه مصري شهرياً (100 دولار أميركي)، بحي المساعيد في مدينة العريش. قالت “ليس من اليسير على ذوينا تأمين هذه المصروفات في ظل توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية في المحافظة.”

اضطرابات يومية:

تعتقد علاء أن ما يزيد الأمر سوءاً هو انقطاع المياه، وشبكة الإنترنت والهاتف المحمول بشكل يومي، من الساعات الأولى للصباح حتى الخامسة مساءاً، وقد تنقطع طوال اليوم في حال نشاط العمليات العسكرية من جانب قوات الجيش والشرطة تجاه المجموعات الإرهابية.

قالت “أشعر بالخوف الدائم من الحياة في هذه المدينة التي نسمع أصوات النيران فيها يومياً، فقدت الكثيرات من زميلاتي في حوادث إرهابية كما تعرض عدد كبير من زملائي للاعتقال.. الدراسة هنا مستحيلة.”

في 10 كانون الثاني/ يناير العام الماضي، تعرض المبنى الرئيسي لجامعة سيناء، التي تدرس فيها علاء، لخسائر شملت تحطم جميع الواجهات الزجاجية للمباني، وبعض قاعات المحاضرات ومعامل كليات الصيدلة وطب الأسنان، دون وقوع إصابات بين الطلاب والعاملين على إثر هجوم استهدف نقطة التفتيش المتمركزة أمام الجامعة،

جامعة سيناء، تصوير: إسماعيل الإسكندراني.

نتيجة للهجوم، أصدر وزير التعليم العالي قراراً يقضي بنقل علاء مع 93 طالباً من الكليات التى تضررت مبانيها جراء الحادث، إلى فرع الجامعة بمدينة الإسماعيلية وعدد من الجامعات الخاصة بالعاصمة المصرية ليعود الطلاب إلى جامعتهم الأم مع نهاية العام الماضى بعد انتهاء عمليات الإصلاح.

قال أسامة راتب، نائب رئيس الجامعة، في اتصال هاتفي “نحن حريصون على استكمال العملية التعليمية بانتظام ومساعدة طلاب سيناء رغم الظروف والتحديات”.

لا تتوقف الجامعة عن العمل حتى في يوم الجُمعة، العطلة الأسبوعية للجامعات المصرية، بحسب راتب، حيث تُخصصه الإدارة لتقديم أي محاضرات أُلغيت طيلة أيام الأسبوع، أو امتحانات تأجلت للحفاظ على انتظام البرنامج التعليمي.

قال “نسعى لتوفير كل الدعم لطلابنا، سواء المالي من خلال تخفيض مصاريف الدراسة لنحو 50 في المئة، أو معنوياً من خلال توفير مستشار تربوي لدعم الطلاب نفسياً خاصة وأن الكثير من الاشتباكات وحوادث العنف تحدث في الشوارع وأمام أعين الناس.”

بدوره، لا ينفي رئيس جامعة العريش، الصعوبات الكبيرة التي تواجه الطلاب في استكمال دراستهم الجامعية نتيجة الأوضاع الأمنية. قال “نحن نسعى عبر مجموعة من الإجراءات للتغلب على هذه الصعوبات ومساندة الطلاب لاستكمال دراستهم الجامعية.”

تتضمن هذه الإجراءات، وفقاً لرئيس الجامعة، قبول جميع أبناء محافظة شمال سيناء في كل الجامعات المصرية، دون اعتبار للمُحدد الجغرافية، وتخفيض مصروفات المدن الجامعية لجامعة العريش إلى 165 جنيه مصري (10 دولار أميركي) عوضاً عن 350 جنيه (20 دولار أميركي) المقررة من المجلس الأعلى للجامعات.

تهجير إجباري:

في شباط/فبراير الماضي، غادر عشرات الطلاب الأقباط مع جامعة العريش نتيجة تهجيرهم القسري مع ذويهم عَقِب استهداف مسلحين عددًا من الأقباط بالقتل وحرق المنازل والممتلكات الخاصة.

يدرس مينا يوسف، 22 عاماً أحد الطلاب المغادرين، في جامعة خاصة في القاهرة اليوم. بينما   انتقلت شقيقته الطالبة بكلية العلوم فى جامعة العريش الحكومية إلى جامعة بورسعيد. قال “قامت الجامعة بنقل بعض الطلاب لفرعها في مدينة الاسماعيلية والبعض لجامعات خاصة بالقاهرة مع إيفاد أحد الأساتذة أسبوعيًّا إلى الطلاب في مقر الجامعة بمدينة القنطرة لمساعدتنا على الدراسة.”

لكن طالبة أخرى، تدرس في السنة الثالثة بكلية إعلام وتعيش في محافظة الإسماعيلية وطلبت عدم الكشف عن اسمها، تشكو من تغيب الأساتذة. قالت “أبلغونا بصعوبة القدوم أسبوعياً، وأن هذا الأمر يُكلف الجامعة أموال كبيرة، وطالبونا بالعودة من جديد لفرع الجامعة بالعريش وهذا أمر صعب اليوم.”

في حال انتقلت الطالبة إلى جامعة أخرى، فعليها العودة للدراسة من جديد ففي السنة الأولى بحسب قانون الجامعات الخاصة. قالت “نحاول إيجاد طريقة لمخاطبة وزارة التعليم العالي لمساعدتنا وعدم إعادتنا للعريش إلى أن تستقر الأمور تماماً.”

وكانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد انتقدت تعامل الوزارة مع ملف الطلبة الأقباط، إذ أوضحت المبادرة في بيان أن “طلاب جامعة سيناء الخاصة، الذين يقدر عددهم بنحو 80 طالبًا، طالبتهم إدارة الجامعة بالعودة للدراسة بالعريش، والإقامة بمدينتها الجامعية، وتحمل مصاريف تفوق إمكانياتهم المادية، دون النظر إلى استمرار المخاطر التي تودي بحياتهم، لا سيما مع تعذر نقلهم إلى كليات مثيلة في جامعات خاصة خارج محافظة شمال سيناء.”

المعاناة مستمرة:

لا تنتهي معاناة الطلاب بعد مغادرة محافظتهم، إذ يستمرون في مواجهة صعوبات تتعلق بهويتهم.  قال أحد الطلاب، الذي يدرس الهندسة وانتقل من مدينة رفح الحدودية إلى جامعة الزقازيق وطلب عدم الكشف عن اسمه، “الوضع الأمني معقد جداً، والتكتم الشديد على مايجري في المدينة يضعنا – نحن أبناء المدينة- في موقف صعب لكوننا من مدينة تجري فيها حوادث إرهابية تضر بالبلاد. لذلك كثيراً ما نضطر إلى عدم الإفصاح عن أصولنا لتجنب الاشتباه بنا أو الحذر في التعامل معنا.”

حتى اليوم، لا يوجد إحصاء رسمي أو مستقل معلن يوثق عدد القتلى أو المصابين من الطلاب الجامعيين أو العاملين داخل مدن سيناء.

قال محمد ناجي، الباحث في برنامج الحرية الأكاديمية والحقوق الطلابية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير والذي حاول العمل على تقرير عن الصعوبات التي تواجه طلاب الجامعات في محافظة شمالي سيناء، “يتسبب تضييق السلطات على تغطية ما يحدث في العريش والتدابير الاستثنائية التي تفرضها القوات الأمنية بعرقلة توثيق ما يحدث هناك وحجم الأضرار التي تلحق بالسكان والطلاب نتيجة توتر الأوضاع الأمنية.” موضحاً أنه لم يتمكن من التواصل مع مصادر كافية لتوثيق الأوضاع كما لم يتمكن من السفر لسيناء.

لا يعتقد الطالب السيناوي، الذي رفض الكشف عن اسمه، أنه سيعود لمدينته بعد التخرج خاصة مع استمرار الأوضاع الأمنية المتوترة وعدم وجود فرص عمل، أو مشاريع كُبرى داخل سيناء.

قال بلهجته المحلية “مفيش توظيف، وأنت عارف البطالة ايش بتعمل فالشباب.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى