نصائح ومصادر

أرشيف إلكتروني للثورة المصرية

قبل سبع سنوات تجمع المتظاهرون في ميدان التحرير لمدة 18 يوماً، مما أجبر الرئيس حسني مبارك على الإستقالة. وبحلول ذكرى الثورة المصرية في كانون الثاني/ يناير، أطلق ناشطون أرشيفاً جديداً على الإنترنت للثورة. يشمل الأرشيف مجموعة واسعة توثق الأحداث الشهيرة والمأساوية فضلاً عن تلك الأحداث العادية، لتشكيل كولاج من المشاهد واللحظات التي تضيف الكثير إلى تاريخ غني ومؤثر للشعب. عمل النشطاء طوال سنوات لجعل هذه المادة حُرّة بكل معنى الكلمة.

استوحى الأرشيف 858 اسمه من عدد ساعات مقاطع الفيديو المتاحة عند إنشائه، على الرغم من أنه مُصمم للسماح بإضافة المزيد من المواد. اختار أعضاء المجموعة المجهولة التي تقف وراء إنشاء الأرشيف، والذين أجرت الفنار للإعلام المقابلات معهم عن طريق البريد الإلكتروني، عدم التعريف عن أنفسهم من أجل سلامتهم الشخصية والتأكيد على الطبيعة الجماعية للمشروع، الذي لا ينتمي إلى أي شخص، على حدٍ سواء. ولذلك سيُشار إلى جميع المشاركين هنا باسم 858.

يُشكل الأرشيف تحدياً للنظام المصري الحالي الذي قام بإلقاء القبض على العديد من النشطاء الذين قادوا الاحتجاجات وقام بإعادة كتابة التاريخ الحديث الذي قاموا بصنعه. فبحسب الرواية الرسمية الحالية، كان الربيع العربي مؤامرة أجنبية أو إسلامية، وكان المتظاهرون مضللين إذا لم يكنوا محرضين بشكل تام؛ ولم تقم الشرطة والجيش بارتكاب أية انتهاكات لحقوق الإنسان ولم يقوما إلا بفعل ما هو ضروري للدفاع عن النظام وسلطة الدولة.

وكان هذا التباين بين الأحداث على أرض الواقع والرواية الرسمية حافزاً كبيراً للجهد الأصلي لجمع فيديوهات الثورة. فخلال 18 يوماً من الاحتجاج في ميدان التحرير، أقام ناشطون خيمة إعلامية، حيث جمعوا أدلة بالفيديو توثق العنف الذي مارسته الدولة ضد المتظاهرين.

تم جمع اللقطات اعتماداً على مبدأ المشاع الإبداعي لحقوق التأليف والنشر “كرييتيف كومونز”. كتب أحد مدوني موقع 858، “كان أول أشخاص قاموا بإيداع تلك اللقطات خلال الـ 18 يوماً يعلمون بأن الأرشيف سيشارك في المستقبل لقطاته علنا وبشكل غير ربحي، وأنه سيكون في خدمة ما كان الناس في الميدان يقاتلون من أجله.”

في شباط/ فبراير 2011، هاجم الجيش والشرطة المتظاهرين، وتم إنشاء ارشيف جماهيري للقطات الفيديو باسم “مُصرّين” لتوثيق الانتهاكات. وكان عمله استمراراً للخيمة الإعلامية في ميدان التحرير. وهكذا أصبحت مكاتب “مُصرّين” نقطة تجمّع لمصوري الفيديو وصحفيي الفيديو والهواة الذين يرغبون في إيداع لقطاتهم. عقدت المنظمة أيضاً اجتماعات وورش عمل في جميع أنحاء البلاد للأفراد والجمعيات المهتمة بتوثيق الثورة وحفظها. ونظمت المنظمة عروض في الشوارع للمواد التي لم يتم بثها من قبل وسائل الإعلام المصرية والدولية. ففي تلك العروض، كان المنظمون يعملون على جمع مقاطع الفيديو وتوزيعها إلى أي شخص مهتم. وكان العمل وسيلة للرد على إنكار الرواية الرسمية والروايات التي أصرت على أن العنف ضد المتظاهرين كان خطأهم هم.

تُعتبر مجموعة مُصرّين القوة الرئيسية وراء إنشاء أرشيف 858، على الرغم من أنها تؤكد قيام المئات من الناس بالتبرع بلقطات والمساهمة في تقديم المساعدة التقنية. حيث كان النشطاء يشعرون دائما بأن من المهم حماية اللقطات التي يجمعونها، وخططوا دائماً لجعلها مُتاحة على أوسع نطاق ممكن.

كتب أحد مدوني موقع 858، “على الرغم من فهمنا الدائم لأهمية الأرشيف، إلا إنه أصبح أكثر قيمة عندما رأينا قيام النظام العسكري بعد الإنقلاب بإعادة كتابة التاريخ” في إشارة إلى الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين المنتخبة عام 2013 والانقلاب العسكري الذي أعقب ذلك.” وأضاف “اليوم، فإن ما يمتلكه الناس عن الثورة في كثير من الأحيان موجود في ذاكرتهم: نحن نناقش ونرثي ما شهدناه، وما رأيناه، وكل لحظات التمكين أو الإحباط. وبهذا يمكن لجعل اللقطات الخام متاحة لوصول الجمهور إليها التحقق من صحة أو تقويض تلك الذاكرة ممكناً، أو ما هو أهم من ذلك من خلال إتاحة فرصة للتعامل مع حدث لا يجب أن يصدأ في ذاكرتنا الجمعية. ونعتقد بأن النظام والشرطة على وجه الخصوص ما زالوا متأثرين بشدة بسبب ما حصل في عامين ونصف العام من الثورة وتعتبر إعادة احياء وجود تلك الأوقات بمثابة شوكة كبيرة في خاصرتهم.”

تتم استضافة موقع أرشيف 858 على منصة باندورا مفتوحة المصدر، ويسمح الموقع للمشاهدين بالبحث عن اللقطات بحسب التاريخ والموقع وكلمات البحث الرئيسية. (وقد ركّز مشروع مماثل استضافته ذات المنصة، باسم bak.ma، في البداية على احتجاجات حديقة غيزي في اسطنبول قبل أن يتوسّع.)

في بعض الأحيان، وبحسب ما كتب أحد مدوني 858، كان مشروع جمع وفهرسة وإتاحة هذا الكم الهائل من المواد على نطاق واسع “كبيراً لدرجة أنه سيكون في نهاية المطاف خارج طاقتنا”.

قال أحد أعضاء المجموعة، “أعتقد أننا كنا على الدوام نعرف بأن الأرشيف يتطلب في نهاية المطاف إمكانيات منظمات أكبر حجماً وأفضل تمويلاً. في عالم الأحلام، والذي قد يتحقق فيما بعد، ستتم إستضافة الأرشيف في مصر بشكل علني حتى يُمكن الوصول إليه من خلال المكتبات والجامعات وأكثر من ذلك.”

وفي عصر اليوتيوب، يعتقد القائمون على المجموعة أن هذا الأرشيف أمر ضروري، لأنه يجعل مواده متاحة في شكل غير خاضع للرقابة، وغير محرر، حتى لا تتم “الهيمنة” على تجربة المشاهد.

خلال الـ 24 ساعة الأولى، تم الوصول إلى الأرشيف 15,000 مرة، وبشكل رئيسي من قبل مشاهدين في القاهرة. وقال موقع 858 إنه تلقى العديد من العروض للتبرع بلقطات، فضلاً عن عروض لتقديم المساعدة التقنية.

استخدم الفنان كايا بهكلام بعض اللقطات في مشروع أرشيفه المعزز، ليخلق بذلك تطبيقاً يسمح للمشاهدين بتوجيه هواتفهم الذكية في مواقع معينة في القاهرة وعرض لقطات من الاحتجاجات والعنف والمباني التي اضرمت فيها النار وفن الشارع الذي تم رسمه عليها منذ ذلك الحين. وقد أعاد بذلك تشكيل الرؤية المزدوجة التي نعيشها اليوم في العديد من المواقع في القاهرة، حيث يتذكر المرء الأحداث القوية التي وقعت منذ وقت ليس ببعيد، لكنها تبدو وكأنها قد تعرضت للطمس اليوم.

تؤكد مجموعة أرشيف 858 بأنها لا تستطيع أن تعرف – ولا ترغب في السيطرة – على الطرق التي سيُستخدم الأرشيف بها في المستقبل.

كتب أحد أعضاء 858 “إن جعل الاشياء عامة ويسهُل الوصول إليها ومفتوحة المصادر وشفافة وقابلة للمشاركة صفة مركزية ليس للثورة فحسب، بل لكل الدوافع الأوسع لما يمكن أن نسميه على نطاق واسع باليسار. وأضاف بأن ذلك “على العكس تماماً من أساسيات النظام المتمثلة في السرية ومحدودية الوصول والتشويش. يرتبط إطلاق الأشياء للعامة بالإيمان بالناس والمستقبل وبقبول حدود ما يمكنك القيام به. لقد قمنا بعملية الجمع والفهرسة وهلم جرا. لكننا لا نستطيع أن نرى ولو جزء ضئيل حتّى من الإمكانيات التي تتضمنها هذه المادة.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى