مقالات رأي

أزمة اللاجئين بعيون فلسطينية

عمّان، الأردن – أفكر باستمرار في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فأنا أعتقد بأنني قد عشت أسوأ حياة ممكنة في ظل كل المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أواجهها كل يوم. لكن ذلك تغير بعد لقائي بلاجئين سوريين وعراقيين وسودانيين في رحلة إلى الأردن.

فمؤخراً، تم تعيني كمساعدة مدرس في دورة عبر الإنترنت عن حقوق الإنسان والحياة اليومية، والتي تقدمها كلية القدس بارد للفنون والعلوم لطلاب الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين في عمّان. في 14 شباط/ فبراير، سافر طلاب القدس بارد إلى عمان للقاء طلاب الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين لمدة يومين. إذ تقوم الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين، وهي منظمة كاثوليكية دولية، بمهمة مرافقة اللاجئين وغيرهم من الأشخاص النازحين قسراً وتقديم الخدمات لهم والدفاع عنهم.

وفي 15 شباط/ فبراير، وبعد تناول وجبة الإفطار في أكاديمية الملك King’s Academy، وهي مدرسة خاصة تبلغ رسوم الدراسة السنوية فيها مبلغ 53,250 دولار أميركي، التقينا بلاجئين سوريين وعراقيين وسودانيين.

كنت قد توقفت عن مشاهدة الأخبار عن سوريا بعد وفاة آلان كردي، الطفل البالغ من العمر ثلاث سنوات والذي غرق قبالة الشاطئ التركي في أيلول/ سبتمبر 2015. إذ شعرت في حينها بأنني لا أستطيع تحمل معرفة المزيد من التفاصيل عن تلك المعاناة. الآن، أنا أكتفي بقراءة عناوين الصحف فقط.

في الأيام الاخيرة، أعلنت تلك العناوين عن مصرع 700 شخص في الغوطة، وهي منطقة زراعية شرقي دمشق تعرضت لأعنف قصف شهدته الحرب الاهلية لمستمرة منذ ثماني سنوات. كانت النساء والأطفال الضحايا الرئيسيين لذلك القصف.

وخلال أنشطة كسر الجمود في ورشة العمل، لاحظت سلوك لاجئ يبلغ من العمر 20 عاماً يدعى عيسى، حيث كان مفرط النشاط وذكي ويفكر بطريقة نقدية. كتبتُ في مذكرة تتم مشاركتها مع المجموعة: “عيسى يحب الظهور.”

ردّ عيسى بالإيجاب. إذ قال “نعم، وهذا سيساعدني على تغيير العالم يوماً ما.”

مع ذلك، شعرت بأنه منكسر من داخل، ولم أكن مخطئة في تصوري.

في وقت لاحق، تحدّث عيسى عن حياته في الأردن كلاجئ. في سوريا، كان طالباً جيداً وكان الأول على صفه دائماً. أراد  دراسة العلوم ليكون مخترعاً. لكن الحرب تركت عيسى من دون تعليم أو وظيفة، ليعايش حياة كفاح من يوم لآخر.

اقتبس عيسى عن الشاعر العراقي أبو العتاهية قوله: “ألا ليت الشباب يعود يوماً”. ثم أضاف “لا أستطيع تمني ذلك. لقد ضاع شبابي.”

حينها أدمعت عيناي.

كانت راما شابة سورية أخرى التقيت بها. كانت في الثامنة عشر من عمرها، وفي الأسبوع السابق كنت قد هنأتها على حصولها على شهادة التوجيهي، شهادة التخرج من التعليم الثانوي في الأردن. كانت راما هادئة وذكية، ومثل عيسى كانت الأولى على صفها دائماً. إذ حصلت في التوجيهي على معدل 81 في المئة، ولم تكن الدرجة التي كانت تأمل في الحصول عليها، لكنها نجحت على الأقل.

قالت “أنا أبحث عن منحة دراسية لدراسة التصميم، ومن ثم الحصول على وظيفة لمساعدة أسرتي.”

ولأنني أنا نفسي لاجئة، أفهم معنى وضع اللجوء. لكنني لم أشعر أبداً بأي شيء يماثل ما يمر به هؤلاء الشباب.

فأنا لم أتأثر بالنكبة، النزوح الفلسطيني في عام 1948، بشكل مباشر. ولم أعايش القتل والتشريد لمئات الآلاف من الناس ولم أشهد تدمير منازلهم. كما إنه لم يتحتّم علي العيش في بلد أشعر فيه بالغربة وعدم الترحيب.

كان لكل شخص قابلته في عمان قصة تكون فيها مثل تلك المشاعر جزءً من الموضوع كديفيد، البالغ من العمر 18 عاما من بغداد، والذي يتمتع بموهبة في الموسيقى وسبق له أن غنّى فيما مضى. وكان هناك آندي، 26 عاماً، والذي بحث عن عمل طوال سنوات من دون أن ينجح. قال “أقضي حياتي في العمل التطوعي والتدريب.”

كفلسطينية، أتوقع أي شيء من الاحتلال، حيث يقوم الاحتلال الإسرائيلي بالقتل والتدمير والاعتقالات، والآن تم منح مدينة القدس لتكون عاصمة له. لكن الأسوأ يتمثل في أن يأتي القمع من بني جلدتك وحكومتك وشعبك.

*أسماء جوابرة صحافية فلسطينية ومعيدة في كلية بارد القدس.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى