أخبار وتقارير

الزواج المبكر للفتيات يعود إلى الواجهة مجدداً

اسطنبول- يعتقد دعاة التنمية وحماية الأطفال أن استمرار ظاهرة الزواج المبكر في الشرق الأوسط يضر بآفاق التعليم والأستقرار العاطفي للفتيات. لكن المشرعين المحافظين في بعض البلدان يعملون بنشاط من أجل استبعاد القيود القانونية التي تحد من هذه الممارسة.

عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، رتّب والد فرح إسماعيل زواجها من شريكه في العمل، البالغ من العمر 30 عامًا والذي قام بمساعدته مالياً عندما مرّت أسرتها في أوقات عصيبة.

قالت إسماعيل، البالغة من العمر 22 عاماً الآن والتي تعيش في حي ذي أغلبية شيعية في بغداد، ” أٌجبرت على ترك دراستي في الصف الثاني الإعدادي، وبعد الزواج، كانت حياتي صعبة. قبل هذا الزواج كنتُ طالبة جيدة وقد خططت مع صديقتي المقربة شيماء لنصبح طبيبتي أسنان. خسرتُ تعليمي. وعلى الرغم من انفصالي بعد مرور شهرين فقط على الزواج، رفض والدي السماح لي بالعودة إلى المدرسة قائلاً بأنني سأضع العائلة في موقف محرج إذ ما عدت للدراسة.”

منذ عقود، سنّت الحكومات العلمانية في العراق وبلدان أخرى في المنطقة قوانين تقيّد سن الزواج بهدف تحسين وضع المرأة، لا سيما من خلال منح النساء المزيد من الوقت لمتابعة تعليمهن العالي.

لكن في السنوات الأخيرة، بدأت الجماعات المتشددة من الشيعة في العراق والأصوليون السُنّة في مصر وتركيا بإتخاذ إجراءات في محاولة لرفع تلك القيود، وبدأوا بالتحدث لصالح الزواج المبكر للفتيات.

ففي تصويت أولي أجري في تشرين الثاني/ نوفمبر، أقر نوّاب برلمانيون متدينون في العراق تدبيراً يمكّن رجال الدين من تحديد السن الذين يمكن فيه للفتيات أن يتزوجن.

كان من شأن القانون أن يمكّن رجال الدين من السماح للفتيات في معظم المجتمعات الشيعية العراقية بالزواج بمجرد البلوغ (أي في سن 12 عام في المتوسط وقد ينخفض إلى سن 9 سنوات). يبلغ سن الزواج القانوني في العراق حالياً 18 عاماً، على الرغم من قدرة القاضي على تخفيض هذا السن إلى 15 عاماً في ظروف خاصة.

لم يعارض مشروع القانون سوى 13 نائباً فقط من أصل 170 نائبًا حضروا تلك الجلسة في البرلمان.

وبعد موجة اعتراضات من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، منع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مشروع القانون من المرور إلى التصويت النهائي. لكن مؤيديه تعهدوا بإعادة تقديم المشروع بعد الانتخابات البرلمانية في أيار/ مايو.

قال حامد الخضري، أحد رعاة هذا القانون، “سيحمي القانون الفتيات من الاغتصاب والتحرش من خلال منحهن الأمن الذي يوفره الزوج وبركة الزواج الديني.”

في الوقت نفسه، انتقد المعارضون ذلك المقترح.

قالت سهام وندي، الدبلوماسية العراقية السابقة والداعية لحماية الأطفال، “ينتهك هذا القانون اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية ويهين المرأة ويمكّن من ممارسة الجنس مع الأطفال.”

لكن حتى في غياب مثل هذا التشريع، فإن زواج الأطفال آخذ في الارتفاع في العراق. ففي عام 1997، تزوجت 15 في المئة من النساء قبل سن 18 عاماً، بحسب الحكومة العراقية. وفي عام 2016، قفز هذا الرقم إلى 24 في المئة، بما في ذلك ما يقرب من 5 في المئة من الفتيات اللاتي تزوجن قبل سن 15 عاماً.

يعتبر هذا الاتجاه مشابهاً لما يجري في تركيا، حيث وقّع الرئيس رجب طيب أردوغان في أواخر العام الماضي على “قانون المفتي”، الذي يسمح للمسؤولين الدينيين بإجراء مراسيم الزواج بمجرد وصول الذكور والإناث إلى سن البلوغ. وتظهر أحدث إحصاءات للأمم المتحدة الصادرة عن تركيا بأن 15 في المئة من النساء يتزوجن قبل سن 18 سنة.

قالت إرَم أوزورمان، المحاسبة في بنك باسطنبول، والتي تعكس وجهات نظر المدينة الأكثر علمانية بشكل نموذجي بخلاف وجهات نظر مؤيدي أردوغان في قلب تركيا الريفي، “أعتقد أن من واجبنا دعم الفتيات ليتمكن من الدراسة في الجامعة بدلاً من إرغام الأطفال غير المستعدين جسديًا أو نفسيًا على تحمل مسؤوليات الزواج. للأسف، الزواج المبكر أمر شائع بشكل متزايد في شرق تركيا والمناطق الريفية، تماماً كما هو الحال في البلدان العربية.”

في مصر، انتقل الأصوليون بآرائهم إلى وسائل الإعلام ليطالبوا المشرعين بخفض سن الزواج للفتيات. قال محمود بهي الدين، المتحدث بإسم المأذونين الشرعيين، وهي مجموعة من رجال الدين السُنة، في لقاء مع برنامج “أنا الوطن” على تلفزيون الحدث في كانون الثاني/ يناير، “من الظلم جعل سن الزواج متطابقًا لكل من الرجال والنساء.”

وأضاف “تبلغ الأنثى في وقت مبكر من الطفولة، لذا يجب أن يكون هناك على الأقل فارق بمقدار عامين بين سن زواج العروس والعريس.”

ومن غير المرجح أن تكتسب جهود “بهي الدين” زخماً في ظل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يعتبر الزواج المبكر تهديداً للأهداف الإنمائية للبلاد، والتي تشمل التأكيد على الفوائد الاجتماعية والاقتصادية لتعليم المرأة.

بحسب الأمم المتحدة ، يقلل إبقاء الفتيات في المدارس من احتمالية الزواج المبكر.

قالت نادرة زكي، أخصائية حماية الأطفال في منظمة اليونيسف في القاهرة، ” تعاونت منظمة اليونيسف ووكالات التنمية الدولية الأخرى مع الحكومة المصرية لتوسيع نطاق الحصول على التعليم الأساسي وسد الفجوة بين تسجيل الأولاد والبنات في المدارس. يشمل الجهد تحسين البنية التحتية الأساسية مثل تحسين المرافق الصحية والعمل مع أولياء الأمور والمربين للحد من المضايقات وإبقاء الفتيات في سن المراهقة في المدرسة.”

توضح الإحصاءات الفارق الذي أحدثته سياسات مصر التي تركز على التعليم في الحد من الزواج المبكر. فبينما تزوجت 44.4 في المئة من النساء المصريات اللواتي ولدن بين عامي 1965 و1969 قبل سن 18 عاماً، انخفض هذا الرقم إلى 19 في المئة للفتيات اللاتي ولدن بين عامي 1990 و1994، وفقاً للمسح الديموغرافي والصحي لمصر.

قالت شيرين الفقي، من كلية منك للشؤون العالمية في جامعة تورنتو، “لا يزال الزواج المبكر مشكلة كبيرة بالنسبة للنساء غير المتعلمات، وكذلك الحال بالنسبة للنساء الريفيات وللنساء الفقيرات.”

مع ذلك، هناك بصيص أمل يلوح في الأفق.

قالت الفقي، والتي كانت جزءً من الفريق الذي أجرى الدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، “يُظهر بحثنا تغيراً في المواقف بين الشباب في مصر ولبنان والمغرب وفلسطين والذين بدأوا بالنظر بشكل متزايد إلى تعليم بناتهم على أنه بذات القدر من الأهمية لتعليم أبنائهم الذكور. بإمكانك أن ترى بأنهم يتجهون نحو ما نسميه بفكرة مصاحبة للزواج على أساس نموذج دولي للأبوة، حيث يكون الأمر بمثابة شراكة أكثر من كونه مجرد تبادل اقتصادي.”

وأضافت الفقي بأن هذه الاتجاهات لا تعني بالضرورة حدوث تغير كبير في المجتمعات العربية، لكنها توضح وجهات نظر تتبلور تدريجياً بشأن الزواج.

قالت “لا يعني هذا بأن صنع القرار متساوٍ في داخل الأسرة ولا يعني أيضاً بأنه ليس هناك سيطرة زوجية [ذكورية] تحدث في كل مكان. لكن هذا النموذج لا يشمل رجلاً يبلغ من العمر 30 عاماً يتزوج من فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى