مقالات رأي

قانون جديد يدعم تعليم الطلاب ذوي الإعاقة في مصر

أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى، بعد تصديق البرلمان، فى 19 شباط/ فبراير الماضي قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بالتزامن مع إعلانه تخصيص عام 2018 لذوي الإعاقة. يأتي القانون الجديد بديلًا لقانون تأهيل المعاقين الصادر عام 1975، والذي ظل طويلًا دون تعديل. يتضمن القانون الجديد ثمانية أبواب، تتضمن كل ما يخص حقوق ذوي الإعاقة مثل الحقوق الصحية والحقوق السياسية، والحق فى العمل والحق فى التأهيل والتدريب، والحماية القانونية والجنائية لهؤلاء الأشخاص. كما خصص القانون بابًا للحق فى التعليم، شمل سبعة مواد تتعرض لحقوق ذوي الإعاقة فى التعليم الأساسي والتعليم العالى.

وبالنظر سريعًا إلى القانون الجديد، نجد أن نصوصه قد اشتملت على العديد من النقاط الإيجابية. إذ نجد لأول مرة تشريع يُلزم بشكل صريح المؤسسات التعليمية بقواعد وسياسات الدمج التعليمي لذوي الإعاقة وتوفير فرص تعليمية متكافئة لهم مع الآخرين، والأهم من ذلك حظر رفض قبولهم فى أي مؤسسة تعليمية بسبب الإعاقة، واعتبار هذا الرفض مخالفة تستوجب تدخل الجهات الإدارية المختصة. كما فرض القانون على كل مسؤول يخالف الأحكام السابقة مسؤولية جنائية تسقط بدفع غرامة تتراوح من خمسمائة إلى ألفي جنيه مصري (30- 113 دولار أميركي)، على أن تتعدد الغرامات بتعدد حالات المخالفة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: خيارات محدودة لذوي الاحتياجات الخاصة بالجامعات المصرية).

يمكن إدراج النقاط السابقة تحت مفهوم “الدمج الشامل” لذوي الإعاقة فى مؤسسات التعليم العالي، والذي انتقل منه القانون بعد ذلك إلى مفاهيم أوسع مثل “الإتاحة” و”التمكين” لهؤلاء الأشخاص فى المؤسسات التعليمية. إذ ألزم القانون وزارة التعليم العالى، بالتحديد، بضرورة توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة لذوي الإعاقة بما فى ذلك التعلم عن بعد، واشترط القانون أن تكون تلك الترتيبات وفقًا للمعايير والقواعد الواردة فى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التى وقعت عليها مصر فى عام 2008. كما ألزم القانون الوزارة بضرورة توفير البرامج التعليمية و”التكنولوجيا الداعمة” التى تناسب أنواع الإعاقات المختلفة.

لا شك أن هذه النصوص تمثل تطوراً جيداً على مستوى التشريع، إلا أن ثمة العديد من التحديات تواجه هذا التطور التشريعي فى الواقع العملي. يأتى فى مقدمة هذه التحديات تحدي شكلي يتمثل فى المدة الزمنية التى ألزم القانون كافة الجهات الرسمية ذات الصلة توفيق أوضاعها وفقًا لأحكامه خلالها، وهي سنة واحدة فقط، مع العلم أن اللائحة التنفيذية للقانون، والتي ستشمل العديد من التفاصيل الهامة للغاية مثل معايير التحاق ذوي الإعاقة بالجامعات، لم تصدر بعد وستصدر خلال ستة أشهر من تاريخ إصدار القانون. ومما يزيد من صعوبة تحقيق ذلك خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة أن الجامعات المصرية ستبدأ فى تنفيذ بعض الالتزامات القانونية، على سبيل المثال توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة، من الصفر تقريبًا. (اقرأ المقال ذو الصلة: كيف يمكن لمصر تبني سياسات أكثر عدالة لتعليم الطلاب ذوي الإعاقة).

محمود شلبي

من ناحية المضمون، يبرز تحديان رئيسيان أمام محاولة نقل هذا التطور التشريعي إلى تطور فى الممارسة الفعلية داخل مؤسسات التعليم العالي. أولهما الثقافة السائدة منذ فترات بعيدة لدى القيادات الجامعية تجاه الإعاقة ومفهومها، وهي ثقافة سلبية للغاية ترتكز على النظرة إلى الإعاقة من منظور المفهوم الطبى التقليدى الذي يتحيز ضد ذوي الإعاقة ويركز على عجزهم بدلًا من قدراتهم، بل ويسلم بأن عدم قدرتهم على المشاركة ناتجة عن العيب التكويني الذي يعانون منه.

إذ لا شك أن هذه الثقافة ستؤثر سلبًا على عملية تنفيذ الالتزامات القانونية، بل من شأنها أن تهدد بأن تظل تلك الالتزامات حبر على ورق، فى حال استمرت الثقافة السائدة غير متماشية مع التطور التشريعي. وهو أمر يتطلب أن يفتح المجلس القومي لذوي الإعاقة، بدوره، نقاشًا مجتمعيًا موسعًا مع القيادات الجامعية بخصوص اللائحة التنفيذية للقانون، والتي ستحدد معايير قبول هؤلاء الطلاب فى الجامعات، مع ضرورة توعية تلك القيادات بأن النصوص التشريعية الجديدة تمثل انتقالًا إلى المفهوم الاجتماعي للإعاقة، الذي يؤمن بإمكانية دمج ذوي الإعاقة فى فاعليات الحياة المختلفة عن طريق إزالة العوائق والعقبات المجتمعية.

أما التحدي الثاني، يتمثل فى إيجاد التمويل اللازم لتوفير الترتيبات التيسيرية المعقولة والتكنولوجيا الداعمة للأشخاص ذوي الإعاقة فى الجامعات، خصوصًا، كما ذكرنا سابقًا، أن الجامعات المصرية ستبدأ فى تلك التجهيزات تقريبًا من الصفر. ويتمثل تحدي توفير التمويل اللازم فى أن الجامعات المصرية تعانني بشكل شبه دائم من عدم كفاية الموارد المالية المتاحة، خصوصًا مع زيادة معدلات التحاق الطلاب سنويًا ومع الارتفاع الأخير فى معدلات التضخم بعد قرارات مصر الاقتصادية بتحرير سعر الصرف. كما تعاني أيضًا تلك الجامعات من قلة كفاءة الإنفاق بشكل عام، وهو ما يظهر فى نصيب بند شراء السلع والخدمات من موازنات هذه الجامعات والذي لا يتجاوز نسبة 10 في المئة من إجمالي الإنفاق. وتجدر الإشارة إلى أن هذا البند يمثل النفقات اللازمة لسير العملية التعليمية مثل شراء الأدوات والمعدات والصيانة، وهو ما ستندرج تحته، بالضرورة، كافة الاحتياجات اللازمة للوفاء بالالتزامات القانونية الجديدة.

يظهر من نص القانون الجديد أن الحكومة المصرية قد قررت، أو على الأقل تنوي، إتباع سياسة قومية جديدة إزاء تعليم ذوي الإعاقة فى مؤسسات التعليم العالي تتمحور حول الدمج الشامل والإتاحة والتمكين. لكن تحويل هذه السياسة إلى ممارسة فعلية على أرض الواقع، مازال يحتاج إلى استراتيجيات من وزارة التعليم العالي ومن الجامعات لرسم خطوات واضحة تضمن تنفيذ أهداف القانون فعلياً وفق إطار زمني محدد ومنطقي. ولحين صدور اللائحة التنفيذية للقانون وإعلان خطوات واضحة للتطبيق، يبقى التفاؤل كبيراً بإتاحة الفرصة أخيراً أمام استثمار طاقات الشباب المصري في التعليم والعمل دون استثناء.

*محمود شلبي باحث في برنامج التعليم والطلاب في مركز عدالة للحقوق والحريات، مركز قانوني حقوقي مصري غير حكومي. يمكن التواصل معه عبر صفحته على الفيسبوك.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى