مقالات رأي

كتاب يلخص قرنًا من الفن العربي

مهمة الفن هي إغناء التراث الإنساني بتلميحات إبداعية مهما صغرت فهي ذات أهمية عظيمة في بناء الغد، لأن الفن هو إضافة أحاسيس جديدة إلى التراث الإنساني …

نحن نرفض الرموز …

يشكل الفنانون في العالم آلة الحفر التي تخترق بها الإنسانية جدار الزمن….

لا يفكر الفنان بالمجموعة في لحظة الإبداع لأن المجموعة كامنة في داخله. …

في رأينا، تتمثل مهمة النقد الفني في الملاحظة المباشرة لانبعاثات العمل الفني.

الطبيعة الثورية للفن حتمية وطبيعية، لأننا نرى في كل عمل فني إنسانًا جديدًا يتجسّد.

 الجمل أعلاه جزء من مانيفست – بيان فني للحركة التشكيلية في سوريا المنشور عام 1962 في صحيفة صوت العرب.

كما أنها جزء من كتاب “الفن الحديث في العالم العربي: الوثائق الأساسية“، الذي نشره متحف الفن الحديث في نيويورك. يعتبر الكتاب بانوراما للفن العربي الحديث تعتمد على وثائق أساسية مختارة بعناية، والعديد منها يُترجم إلى اللغة الإنجليزية للمرة الأولى. وبتصميمه ليكون مرجعًا للفصول الدراسية وحافزًا لأبحاث جديدة، فإنه عبارة عن مجلد طموح ومذهل.

الكتاب هو الثامن في سلسلة الوثائق الأساسية التي ينشرها متحف الفن الحديث، والتي ركزت على التصميم السويدي الحديث، والفن الصيني المعاصر، والفن الحديث في الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا واليابان وأوروبا الشرقية.

قالت أنيكا لينسن، الأستاذة المساعدة في الفن العالمي المعاصر في جامعة كاليفورنيا في بيركلي وأحد المحررات الثلاث للكتاب، إن تأليف هذا المجلد يبدو “وكأنه فرصة تحصل لمرة واحدة في العمر”. شاركت الباحثتان المستقلتان سارة روجرز وندى شبوط، أستاذة تاريخ الفن في جامعة شمال تكساس، في تحرير الكتاب. تعود فكرة المجلد للعام 2009، لكن الباحثات أدركن في عام 2012 بأن سلسلة متحف الفن الحديث الشهيرة ستكون “المنزل المثالي” للفكرة.

يضم الكتاب، المرتب زمنيًا، مصادر تعود في تاريخها للفترة ما بين 1882 و1987، مع مقدمات مختصرة لمدارس وحركات فنية مختلفة. وتشمل هذه الوثائق “البيانات، والمقالات، والنسخ الخاصة بمناقشات الطاولة المستديرة، وتدوينات المذكرات، وتعليقات كتب ضيوف المعارض، والرسائل، وغير ذلك”، بحسب ما يذكر الوصف الخاص بمنشورات موقع متحف الفن الحديث.

وبهدف تجميع هذه الوثائق، قالت لينسن “توفرت لدينا موارد أكثر من أي شخص آخر على الإطلاق، وتوفر لنا دعم متحف الفن الحديث – لذلك لم نستسلم. أرسلنا أشخاصًا إلى مستودعات [المستندات] للبحث والتأكيد.”

وما بين المترجمين والمستشارين والباحثين الذين مدّوا لها يد العون، تقدر لينسن بأن أكثر من 50 شخصًا قد ساهموا في ولادة هذا المجلد.

عقد رؤساء التحرير اجتماعين مع مستشارين وفنانين من المنطقة العربية – أحدهما في نيويورك والآخر في عمّان – بهدف الحصول على اقتراحات بنصوص ليتم تضمينها. وكان من بين الأسئلة التي طرحها المحررون، “ما الذي قرأته عندما كنت في العشرين من العمر وساهم في تغيير ممارساتك الفنية؟”

نصوص تحفّز المناظرات

منح التركيز على الوثائق الأولية الأفضلية للنصوص، التي كانت محور النقاش أو الخطاب أو الممارسة الفنية، بدلاً من الكتابة النقدية أو التاريخية أو التفسيرية.

الكتاب مكتوب ببراعة، حيث أن هناك ما يكفي من السياق لتثبيت القارئ، لكن النصوص قد تُركت إلى حد كبير للتحدث عن نفسها. هناك رواية شاملة، لكنه يضم أيضا شعورًا فوريًا، للمتابعة مع تكشّف التاريخ.

رغبت محررات الكتاب في توفير بديل للردود المنظّمة للأجيال والتي عادة ما يتم الترويج لها من قبل وزارات الثقافة الوطنية، والتي يتم من خلالها، كما تقول لينسن، قمع تعقيدات الممارسة وتواريخ الانشقاق في الغالب.

في بعض الأحيان، يمكن أن يكون التأثير حادًا: حيث يقرأ المرء إعلانات متحمسة للفنانين الشباب تصف الدور الذي يعتزمون لعبه في العقود المستقبلية التي لم تأتِ في كثير من الأحيان.

ففي العديد من المدخلات، يحاول الفنانون ببساطة تعريف الفن، وما الذي يميز الفن الحديث – فضلاً عن التطرق لما يقوم به، ولماذا هو مهم، وما هو دوره وقيمته.

وكما كتبت الباحثة كيرستين شايد في واحدة من عدة مقالات قصيرة في الكتاب، “بالنسبة للعديد من المثقفين في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط في أوائل القرن العشرين، فإن الفن كلن يقدم ساحة لإعادة صياغة دور البشر في التغيير الاجتماعي. فمن خلال العمل على تقاطع معاداة العثمانية ومناهضة الاستعمار، فكروا في أن يساهموا، من خلال الفن، في الحركات القومية وإنهاء الاستعمار والعروبة ومساواة المرأة وإحياء التقوى.”

تمثال نهضة مصر، عمل للنحات المصري محمود مختار (1891-1934) القاهرة ، مصر. (الصورة: ويكيبيديا)

من بين الأسئلة المتكررة للفنانين والمفكرين في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط السؤال المتعلق بكيفية دمج التأثيرات الغربية مع تطوير فن محلي فريد يتعلق بسياق الفرد، أو كيف تكون مبتكرا من دون أن يتخلى المرء عن تراثه.

في بعض الحالات، كانت هناك تبادلات شائكة بين الفنانين والنقاد والمراجعين – مثل النقاشات المتبادلة بين النحات المصري محمود مختار، الذي عاش في أوائل القرن العشرين، وناقد مؤثر وجد بأن منحوتة نهضة مصر الشهيرة لمختار غير مقنعة من الناحية الجمالية والفكرية.

سياقات جديدة للفنانين

يضم الكتاب رسائل توضح كيف طالب الفنانون في عهد السلطات الاستعمارية بفرص أكبر للدراسة والعمل وإقامة المعارض، وكتابات توضح كيف ناقشوا، في الدول المستقلة حديثًا، ما الذي تعنيه المشاركة في المعارض التي يرعاها المستعمرون السابقون لهم، وما هو الدور الذي يمكن أن يؤديه عملهم في بناء مجتمعات ووعي جديد ما بعد الاستعمار.

ففي عام 1964، تساءل الفنان الجزائري محمد خدة قائلاً، “ما الذي تجلبه اللوحة للناس، والثورة، والاشتراكية؟”

كما تعتبر المسؤوليات الاجتماعية والسياسية للفنان وحريته الشخصية من الأسئلة المتكررة. تذكر مذكرات سجن الرسامة إنجي أفلاطون، والتي سُجنت في الفترة من 1959 إلى 1963 أثناء حملة القمع ضد الشيوعيين المصريين، تفاصيل عن عنائها في الحصول على مواد الطلاء، والبورتريهات التي رسمتها للمجرمين العاديين الذين اعتبرتهم ضحايا للظلم الاجتماعي، والطريقة التي صادرت من خلالها سلطات السجن العديد من أعمالها، أو عندما طلبوا منها رسم لوحات كرشاوى. وتضمن الكتاب واحدة من اللوحات المتبقية من أعمال أفلاطون – وهي منظر لأغصان الأشجار من نافذة سجنها قامت برسمها بهدوء. وهذا مجرد مثال واحد على طريقة تعميق التفاعل بين النص والصورة لفهم القاريء لعمل الفنان.

ومن بين بعض الوثائق الأكثر إثارة وتسلية للقراءة البيانات المفعمة بالشعر والشجاعة. ففي هذا الكتاب، تجد البيان، في مجمله تقريباً، والذي أصدرته المجموعة الدولية للحروفية الجزائرية (الذي سيقوم مؤلفه الرئيسي، محمد دحو، بتشكيل مجموعة الموقفيين الدولية (أو الأممية الموقفية) الماركسية المناهضة للاستبداد مع غي ديبور)، والمنشور عام 1953:

لا أحد يموت من الجوع أو العطش أو الحياة. يمكن للمرء أن يموت من التنازل فقط. المجتمع الحديث مجتمع من رجال الشرطة. نحن ثوريون، لأن الشرطة هي القوة العليا في هذا المجتمع. لسنا من أجل مجتمع آخر، لأن الشرطة هي القوة العليا لجميع المجتمعات. لسنا عدميين، لأننا لا نمنح السلطة لأحد أو أي شيء. نحن الحروفيين الذين ينتظرون، لأنهم يريدون شيئًا أفضل. لقد أصبحنا على دراية بالطبيعة التنازلية للغاية لجميع الأعمال المدفوعة الأجر. … وفوق ذلك، فإننا عباقرة: نعرفها مرة واحدة وإلى الأبد.

هناك المزيد من المقتطفات التي تستحق الاقتباس في هذا الكتاب، إنه مصدر غني للاكتشاف والبصيرة يلهم الرغبة في المشاركة. لحسن الحظ، تُبذل الجهود لجعل المجلد متاحًا بأكبر قدر من الإمكان.

يتم توزيع الكتاب الآن من قبل مطبعة جامعة ديوك. تقول لينسن إنن البرنامج الدولي لمتحف الفن الحديث “ملتزم للغاية بإخراج هذا الكتاب لأكبر عدد ممكن من المكتبات والجامعات والقراء” وهو يرسلها بالبريد إلى قائمة أولية من الجامعات والمكتبات العربية. علاوة على ذلك، يمكن العثور على جميع الوثائق الأصلية التي يمكن مشاركتها بموجب اتفاقيات حقوق النشر الخاصة بها على الإنترنت في موقع جمعية الفن الحديث والمعاصر في العالم العربي وإيران وتركيا.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى