أخبار وتقارير

قانون لتنظيم البحوث السريرية يثير الجدل في مصر

يواجه قانون جديد لتنظيم إجراء التجارب والبحوث العلمية على الإنسان في مصر موجة من الانتقادات الحادة التي تصل لحد المطالبة بإلغائه، خاصة مع وجود بنود تشترط إرسال البحوث للمراجعة من قبل جهات أمنية.  في حين يؤكد المدافعين عن القانون على أهميته ودوره في تطوير البحوث في البلد التي تحتل المركز 105 من أصل 127 في مؤشر الابتكار العالمي للعام الماضي.

ففي منتصف الشهر الماضي، أقر مجلس النواب المصري نهائياً مشروع قانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية المتعلق بإجراء التجارب على المرضى والمقدم من الحكومة. في جميع أنحاء العالم، يتعين على الحكومات الموازنة بين الرغبة في إحراز تقدم في علاج المرضى والحاجة إلى حماية الأشخاص الذين هم موضوع البحث الطبي خاصة وأنه سبق وأن تم استخدام السجناء والفقراء والأقليات المستضعفة في تجارب طبية دون اطلاعهم على المخاطر الناتجة عنها.

قال أحمد عماد الدين، وزير الصحة والسكان، أمام مجلس النواب إن “القانون الجديد يستهدف حماية حقوق المواطنين وتنظيم عملية البحث العلمي في المجالات الطبية.” موضحاً أن “البحوث الطبية تنقسم إلى بحوث قبل الإكلينيكية والتي تجري في المعامل على الحيوانات ولا تجري على البشر، ثم التجارب الإكلينيكية على البشر والتي ينظم القانون أسلوب إجرائها.”

تحتل مصر المركز الثاني أفريقيًا، بعد جنوب أفريقيا، في قائمة الدول اﻷكثر استضافة للتجارب السريرية للعقاقير، تحت رعاية الشركات الدولية متعددة الجنسيات، بحسب تقرير صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في كانون الأول/ديسمبر 2016 ووفقاً لقاعدة بيانات معاهد الصحة الوطنية الأمريكية  US NIH. وبحسب التقرير فإن عدم وجود تشريع واضح ينظم عملية تجربة الدواء على البشر تسبب في تحويل مصر إلى مسرح عالمي لإجراء تلك التجارب واستغلال المرضى للمشاركة فيها، دون أي ضمان لحقوقهم. وأرجع التقرير أسباب تصدر مصر لهذه القائمة، إلى انتشار الجهل بالأدوية والعلاجات، والتكلفة المنخفضة لإجراء تلك التجارب.

تضمنت الأحكام العامة للقانون، الذي يضم 12 فصلاً، وضع الأسس والمعايير والضوابط اللازمة لإجراء البحوث الطبية الإكلينيكية وحماية المبحوثين، وتتنوع هذه البحوث ما بين وقائية وتشخيصية وعلاجية وغير علاجية. فعلى سبيل المثال، تضم القانون إنشاء مجلس أعلى للبحوث يشكل بقرار من وزير الصحة، وله مهمة وضع الضوابط الخاصة بالبحث وأخلاقياته، واشترط أن يرسل المجلس الأبحاث الطبية إلى جهاز المخابرات العامة لاستطلاع الرأي بفرض الحفاظ على الأمن القومي، وأيضًا أحكام استخدام العينات البشرية الخاصة بالبحوث الطبية واللجان المؤسسية.

كما نص القانون على أنه “لا يجوز أن يقتصر إجراء البحث الطبي على مجموعة معينة من البشر أو على الفئات المستحقة حماية إضافية، إلا إذا كان البحث ضرورياً يتعلق بأمراض خاصة بهم مع توافر المبررات العلمية والأخلاقية للاستعانة بهم، وبشريطة الحصول على الموافقة المستنيرة من كل منهم أو من الممثل القانوني، وذلك كله وفقاً للضوابط والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية.”

وعلى الرغم من اتفاق الكثيرين على أهمية وجود قانون منظم، إلا أنهم لا يعتقدون أن القانون المطروح حديثاً يلبي الاحتياجات.

قال خالد سمير، أستاذ جراحة القلب في جامعة عين شمس، “لدينا عدد كبير من الشركات العالمية العاملة في مصر دون ضوابط وبدون علم أحد. من هنا تتجلى أهمية وجود قانون ينظم الموضوع ويحمي البشر. لكن الحديث عن عرض كل الأبحاث على جهاز المخابرات العامة غير منطقي وسيتسبب في عرقلة وإيقاف العديد من البحوث.”

وأشار سمير إلى أن نص القانون الحالي يعطي صلاحيات لوزارة الصحة ويستثني وزارة للبحث العلمي. قال”لم يتضمن القانون أي إشارة لحقوق للباحث فيما يخص السرية وحقوق الملكية والأضرار التي قد يتعرض لها.”

بدوره، اعتبر حسام عبد الغفار، الأمين المساعد للمجلس الأعلى للجامعات لشؤون المستشفيات الجامعية، أن القانون الجديد لم يفرق بين الأبحاث الدوائية والأبحاث الطبية. قال ” في عام ٢٠١٦ تم عمل أكثر من ١٧ ألف بحث طبي في مصر. واليوم يضع القانون مجلساً أعلى للأبحاث الطبية لمراجعة الخطة البحثية لكل بحث، أي مراجعة نحو ١٧ ألف بحث سنوياً وهذا مستحيل ويعطل العمل.” مشيراً إلى أن أهمية وجود جهة تضع خطط واستراتيجيات بحسب الاحتياجات وليس مراجعة مشاريع الأبحاث من كل باحث.

كما أبدت كل من نقابتي الأطباء والصيادلة اعتراضهما على بعض بنود القانون وطالبتا بإجراء تعديلات عليه قبل البدء بتطبيقه. إذ جاء في بيان نقابة الأطباء “يجب إضافة القانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر إلى مواد القانون، إلى جانب أن القانون أغفل تمثيل النقابات الطبية المختصة وكذا وجود ممثلين عن المبحوثين في المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية. وأغفل كذلك آليات تشكيل اللجان المؤسسية لأخلاقيات البحوث الطبية، وكذا الهيئات القومية للرقابة. كما أغفل دور الدولة في رعاية الباحثين وأبحاثهم وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها وكذا حقوق الملكية الفكرية.”

تحتل مصر المركز الثاني أفريقيًا في قائمة الدول اﻷكثر استضافة للتجارب السريرية للعقاقير، تحت رعاية الشركات الدولية متعددة الجنسيات. (تصوير: محمود حمس/ أ ف ب)

لكن واضعي القانون ماضون في الدفاع عنه.

إذ توضح عزة صالح، أستاذ الباثولوجيا الإكلينيكية والكيميائية في وزارة الصحة وأحد أعضاء اللجنة التي أعدت القانون، أن القانون يحمي بالدرجة الأولى حقوق المبحوثين (الذين تُجرى عليهم التجارب)، ويحد الشروط والإجراءات التي يجب توافرها في الباحثين. قالت “يؤكد القانون على ضرورة الحصول على الموافقة المستنيرة من المبحوث المشارك ويكفل أيضًا للمبحوث حق الانسحاب من البحث وقتما يشاء ودون إلزامه بتقديم أسباب لذلك، على أن يقوم الباحث الرئيسي بتبصرته بالأضرار الطبية الناجمة عن انسحابه.”

كما وضع القانون، بحسب صالح، شروطاً على الباحث الذي سيجري الأبحاث، منها أن يكون حسن السمعة وأن يكون مؤهلا لإجراء أبحاث علمية، فضلًا عن الالتزام بالقوانين المصرية وأن يطبق مبادئ الممارسة الطبية الجيدة والمعايير المحلية والعالمية المتفق عليها في هذا الشأن.

ومع استمرار الجدل بين الباحثين والمشرعين، تختلف ردود أفعال المرضى على القانون. إذ يبدي البعض استعداد للمشاركة في التجارب بينما يرفضها أخرون تماماً.

إذ لا تمانع ليلى، المصابة بسرطان الثدي والتي طالبت عدم نشر اسمها كاملاً، بالمشاركة في تجارب سريرية لعلاج مرضها وإن كانت غير مضمونة النتائج. قالت ” ليس لدي تأمين صحي لأني كنت أعمل بالقطاع الخاص وأنفقت كل أموالي على العلاج وعندما عرض على الطبيب المعالج المشاركة في تجربة علاجية جديدة وافقت على الفور فلا سبيل أخر آمامي.”

لم تستفد ليلى من التجربة العلاجية إذ أصيبت بحروقات في الجلد ولم تجد تجسناً ملحوظاً. قالت “مع ذلك، سأوافق إذ عرضت علي تجربة جديدة. فأنا غير قادرة على علاج نفسي وأوافق على فرصة ممكنة للشفاء.”

لكن، عمر، المصاب بفيروس الكبد الوبائي سي، يرفض الخضوع لأي تجارب علاجية. قال “الأعمار بيد الله ولن أجعل جسدي حقل تجارب.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى