أخبار وتقارير

الهواتف المحمولة في خدمة التعليم في صوماليلاند

هرجيسا، الصومال – في جميع أنحاء العالم، يَثني المعلمون التلاميذ عن استخدام هواتفهم المحمولة في الفصول الدراسية، خشية أن تشتت هذه الأجهزة تركيزهم على التعليم.

لكن الأمر يختلف في أفريقيا حيث تلعب الهواتف المحمولة دوراً حيوياً في توسيع الوصول إلى التعليم.

يحدث هذا في أوغندا، حيث يستخدم حوالي 150,000 من أولياء الأمور وغيرهم أداة مجانية للرسائل عبر الهواتف المحمولة للإبلاغ عما إذا كانت الكتب المدرسية وغيرها من المواد قد تم تسليمها إلى المدارس وفق ما وُعدوا به أو لا.

كما ويحدث هذا في مخيم داداب للاجئين في كينيا، حيث يتلقى آلاف الطلاب في المدارس الابتدائية والثانوية مواد تعليمية واختبارات وحتى مناقشات حية مع المعلمين من خلال هواتفهم.

وهذا ما يحدث هنا في صوماليلاند أو مايعرف بأرض الصومال، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في شمال غرب الصومال، والتي أعلنت استقلالها في عام 1991. وعلى الرغم من أن صوماليلاند لم تحظ بالاعتراف الدولي كدولة منفصلة، إلا أنها أنشأت حكومة فاعلة توفر درجة من الأمن لشعبها مقارنة بالعنف الدائر في جنوب الصومال. كما انها حققت مكاسب في توسيع الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم.

يعد نظام الرسائل عبر الهاتف المحمول أحد الأدوات المستخدمة لتحسين جودة المدارس المحلية وتشجيع الطلاب على الحضور.

في الوقت الراهن، لا يبدو أن مثل هذا النظام قيد الاستخدام في أي من البلدان العربية، حيث تتفاوت جودة خدمة الإنترنت، وتعتبر أسعار بيانات النطاق العريض أو الهاتف المحمول مرتفعة للغاية. لكن، ومع ازدحام الفصول في المدارس والجامعات العربية إلى نقطة الانفجار في كثير من الأحيان، قد يكون التعليم الإلكتروني أحد الحلول الممكنة. في العام الدراسي القادم، ستقوم مصر بتوزيع مليون جهاز لوحي لطلاب الصف العاشر والمعلمين ومدراء المدارس، وقد تكون تجربة صوماليلاند نموذجًا يحتذي به المعلمون العرب.

في كل شهر، تقوم وزارة التعليم في صوماليلاند، ومقرها في هرجيسا، عاصمة الإقليم، بإجراء مسح لعشرات الآلاف من الأطفال وأولياء أمورهم عبر هواتفهم المحمولة لمراقبة الأوضاع في المدارس في جميع أنحاء المنطقة. يتم جمع تعليقات أولياء الأمور والتلاميذ في تقارير شهرية تسمى “بطاقات الأداء المجتمعي” التي تتم مشاركتها مع المسؤولين المحليين لتُناقش في اجتماعات دورية مع أولياء الأمور والإداريين وغيرهم.

قالت فاطمة فرح، البالغة من العمر 32 عاماً وهي أم لأربعة أطفال تعيش في بوراما، وهي مدينة تقع على الحدود الأثيوبية على بعد حوالي 70 ميلاً غرب هرجيسا، حيث تستخدم حوالي 200 أسرة الخدمة بانتظام، “الهواتف المحمولة حيوية للغاية هنا، إنها كل شيء بالنسبة لنا”. يدرس ثلاثة من أبناء فاطمة في المدرسة الابتدائية. قالت “يمكننا المساهمة في الرعاية التعليمية لأطفالنا، وهذا يحدث فرقاً. يساعد هذا النظام أولياء الأمور والمدرسين والمسؤولين المحليين على ضمان حصول الطلاب على تعليم جيد.”

في العام الماضي، استخدم أولياء الأمور والطلاب والمعلمين في مدرسة أحمد سالان في بوراما هواتفهم النقالة لتقديم شكوى إلى وزارة التربية تفيد بعدم وجود كتب مدرسية كافية في مدرستهم. وكما لو أن الأمر يشبه تقريبا القيام بطلب على موقع إيباي eBay أو أمازون، قامت الوزارة بإرسال الكتب المدرسية بعد ذلك بوقت قصير.

يستمع سكان بلدة في جنوب الصومال إلى مسؤولين محليين من وزارة التربية حول أهمية استخدام هواتفهم الخلوية لتعزيز جودة التعليم في المنطقة.

قال عبد الشكور عمر، أحد الممثلين المحليين لوزارة التربية، “نحن نقدر مساهمات أولياء الأمور لأنه من المهم ضمان حصول الأطفال على تعليم جيد وخدمات أساسية أخرى. نتصرف على وجه السرعة تجاه أي تحديات تُثار أثناء الاجتماعات وجميع الأسئلة التي تتم مشاركتها عبر الهواتف الجوالة.”

في عام 2016، استخدم المدرسون في مدرسة بوراما الابتدائية للبنات هواتفهم لإغراق الوزارة بطلبات الحصول على مزيد من الفصول الدراسية وسط ارتفاع كبير في عدد التلميذات الملتحقات بالمدرسة لدرجة أنه قد تم عقد الدروس في الهواء الطلق. قامت الوزارة على الفور بتشييد فصول دراسية جديدة وتجديد المتواجد منها، وبناء مكتبة وتركيب مراحيض جديدة وصنابير مياه الشرب للتلميذات.

قال حسن عبدي، المدرس في مدرسة بوراما الابتدائية للبنات، “الهواتف المحمولة هي المفتاح لتحسين جودة التعليم في مدارسنا. بوجود الهواتف، يمكننا التواصل بفعالية مع الطلاب وأولياء الأمور والمسؤولين المحليين. نحن قادرون على معرفة عدد التلاميذ في المدرسة وتعقب المتغيبين.”

كما استخدم أولياء الأمور نظام بطاقات الأداء المجتمعي للشكوى من عدم استجابة المسؤولين لضعف حضور الطلاب والتمييز ضد الفتيات. وما زال المسؤولون يحاولون معالجة هذه المشاكل، لكن، وحتى ذلك الحين، تعمل البطاقات كدليل على الشكاوى التي لا يمكنهم تجاهلها، بحسب أولياء الأمور والمدرسين.

قال عبدي أحمد، المعلم في مدرسة بورصاد الثانوية في بربرة، وهي مدينة ساحلية على خليج عدن، “الآن، الوزارة قادرة على الحصول على المعلومات الصحيحة عن جودة التعليم في الوقت المناسب من أولياء الأمور والمعلمين والطلاب بهدف إجراء التغييرات اللازمة.” لكن أحمد أشار إلى وجود فرق واحد يتمثل في أن “أولياء الأمور يأخذون أطفالهم الآن إلى المدرسة ويتخرج المزيد منهم بسبب هذا التعاون بين السكان المحليين والحكومة من خلال الهواتف المحمولة.”

التحديات المتبقية

يعتبر مثل هذا التقدم من الأخبار السارة في منطقة واجهت تحديات كبيرة. عندما أعلنت صوماليلاند  استقلالها عام 1991، كانت البنية التحتية في الإقليم قد تدمرت خلال سنوات من الكفاح المسلح بين جماعات المعارضة المسلحة وقوات محمد سياد بري، آخر ديكتاتور في الصومال.

منذ ذلك الحين، حاول الإقليم الذي يتمتع بالحكم الذاتي إحياء النظام التعليمي المنهار بمساعدة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى وقد حقق العديد من النجاحات. وفي الإمكان أخذ مثل هذه التجربة بنظر الاعتبار في تعليم مئات الآلاف من اللاجئين في المنطقة العربية. (اقرأ التقرير ذو الصلة، نصائح لزيادة فرص التعليم العالي للاجئين).

مع ذلك، لا تزال هناك تحديات بالطبع.

في الغالب، ليس هناك عدد كاف من المعلمين المدربين أو الفصول الدراسية لاستيعاب آلاف الطلاب، وتفتقر المدارس إلى التمويل والموارد والمواد التعليمية والمناهج المناسبة.

يحضر الطلاب وذويهم اجتماعات منتظمة لمناقشة وضع التعليم في صوماليلاند.

لمواجهة كل هذه التحديات، قامت وزارة التربية بنقل المسؤوليات والموارد إلى إدارات المقاطعات حتى يتمكن الناس من الوصول إلى الخدمات التعليمية على المستوى المحلي بسهولة أكبر. يعتقد عمر، ممثل الوزارة، أن إدخال نظام الهاتف المحمول قد ساعد على تحقيق تلك الأهداف.

قال “لقد تمكن أعضاء المجتمع من إثارة القضايا ذات الصلة الوثيقة بتعليم أطفالنا، وكمسؤولين، لقد تمكنا من تنفيذها.”

تستخدم صوماليلاند هذا النظام منذ العام 2008، وهو اتجاه تكنولوجي أصبح ممكنًا بفضل انفجار استخدام الهاتف المحمول في جميع أنحاء إفريقيا.

بحسب البنك الدولي، يمتلك حوالي 90 في المائة من الصوماليين هواتف محمولة. كما أن الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول والتمويل والمدفوعات غير النقدية منتشرة ايضا. في صوماليلاند ، يقوم الناس بإجراء حوالي 34 عملية مالية رقمية شهريًا، وهي واحدة من أعلى المعدلات في العالم، بحسب شركة Telesom للهاتف المحمول.

نجحت شبكة الهاتف المحمول في الصومال في العمل على الرغم من غياب التوجيه أو اللوائح من الحكومة المركزية منذ العام 1991، عندما تمت الإطاحة بسياد بري بعد أكثر من 20 عامًا في السلطة. في الآونة الأخيرة، سعى متشددو جماعة الشباب المرتبطة بالقاعدة إلى تدمير الشبكة.

أثبتت شبكة الهاتف المحمول بأنها وسيلة لا تقدر بثمن في التعامل مع نمو نظام التعليم في صوماليلاند، بحسب المعلمين والمسؤولين. فمنذ العام 2000، ازدادت نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي في الإقليم من 12,000 إلى أكثر من 200,000 تلميذ وتلميذة، بينما ارتفع معدل الالتحاق بالتعليم الثانوي من 450 طالبًا في عام 1999 إلى أكثر من 100,000 في عام 2016، بحسب بيانات وزارة التعليم في أرض الصومال.

قال أحمد محمد نور، الطالب البالغ من العمر 18 عاماً، والذي يدرس في مدرسة الشيخ علي جوهر الثانوية في بوراما، “تحسنت معاييرنا التعليمية منذ أن بدأ العمل بهذا النظام. يساهم هذا في جعل معظم الطلاب واثقين في الفصل ويساهم كثيرًا في تحسين أدائنا أيضًا.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى