أخبار وتقارير

هل تغير رؤية 2030 وجه التعليم العالي السعودي

“سنغلق الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل”.

يعتبر هذا التصريح – الذي يتكرر في كثير من البلدان العربية – أحد أهداف رؤية 2030، وهو برنامج السياسة الخاص بمحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي وحاكم البلاد الفعلي في كل شيء ما عدا الاسم. يركز البرنامج على ثلثي سكان البلاد الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا.

تجمع رؤية 2030، التي تم الإعلان عنها لأول مرة في عام 2016، بين التحرر الاجتماعي (ففي الشهر الماضي سمحت المملكة للنساء بقيادة السيارات بشكل قانوني) وإصلاحات تهدف إلى إعداد الشباب للحياة في الاقتصاد التجاري، ووقف اعتماد البلاد على عائدات النفط. في الماضي، كان معظم الشباب يتوقعون الحصول على وظيفة حكومية أو كسب العيش من خلال بعض الوسائل الأخرى للدعم الحكومي. وفيما يخص التعليم العالي، تؤكد رؤية 2030 على التعليم التقني والمهني.

لكن سياسات ولي العهد وُصفت بأنها “شعبوية استبدادية” من قبل جين كينينمونت، نائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، وهي مجموعة أبحاث مستقلة مقرها لندن تدرس العلاقات الدولية.

يمتلك أحمد العيسى، وزير التعليم السعودي منذ كانون الأول/ ديسمبر 2015 (والثالث منذ وصول والد محمد بن سلمان، الملك سلمان، إلى السلطة)، سيرة ذاتية تعكس التركيز الجديد على إنتاج خريجين قابلين للتوظيف من جامعات البلاد. في السابق، كان العيسى رئيسًا لجامعة اليمامة الخاصة في الرياض، والتي تركز على الإدارة والأعمال، وكان عضوًا في هيئة ضمان الجودة للتعليم العالي في المناطق الاقتصادية الحرة في دبي.

في الوقت ذاته، منح ولي العهد اسمه لمؤسسة تعليم عال جديدة باسم كلية الأمير محمد بن سلمان للأعمال وريادة الأعمال، والتي افتتحت أول عام أكاديمي لها في عام 2017. والهدف من الكلية، وفقا لموقعها على شبكة الإنترنت، هو “أن تكون مؤسسة التعليم العالي البارزة التي ستكشف عن إمكانات ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية لخلق وظائف للمستقبل والمساهمة في اقتصاد المعرفة في المملكة العربية السعودية”.

ويشير رواد الأعمال المحتملين إلى أنهم بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على تأسيس شركات خاصة في مناطق تجارية قد تكون محتكرة من قبل الحكومات بالفعل. كما أنهم يدعون إلى إصدار قوانين أقوى للملكية الفكرية تحميهم من سرقة أفكارهم. ويقولون بأن تعليم رواد الأعمال أمر عديم الجدوى ما لم يتم منحهم الشروط والإطار القانوني للعمل.

وبحسب سلطان الأمير، طالب الدكتوراه في جامعة جورج واشنطن في واشنطن العاصمة، فأن العديد من زملائه الذين يعملون في الجامعات في المملكة يشعرون بالتهميش بسبب السياسة الجديدة. ساهم الأمير في اصدار كتاب جديد عن المملكة العربية السعودية في ظل محمد بن سلمان بعنوان إرث سلمان: معضلات عهد جديد في المملكة العربية السعودية، تم تحريره من قبل مضاوي الرشيد من كلية لندن للاقتصاد.

قال “معظم العمل الاستشاري [على تطوير السياسة الجديدة] تم دون الاعتماد على خبرة أساتذة الجامعات. بدلاً من ذلك، استأجرت الحكومة شركات استشارات إدارية أو تعاقدت مع جامعات غربية.”

يعتقد الأمير بأن سياسة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية كانت مختلفة للغاية في عهد الحاكم السابق، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي حكم في الفترة ما بين عامي 2005 و2015. حيث دفع برنامج الملك عبدالله للمنح الدراسية، الذي أنشئ في السنة الأولى من حكمه، نفقات الآلاف من الطلاب السعوديين الذين يدرسون في الخارج كل عام، على الرغم من أن ميزانيته قد تقلصت في السنوات الأخيرة.

قال “في فترة حكم الملك عبد الله، أرسل برنامج المنح الدراسية مئات الآلاف من الطلاب للدراسة حول العالم. وقد كنت أحد أولئك الذين تمكنوا من تغيير تخصصهم من الهندسة إلى دراسة الفلسفة ومن ثم دراسة العلوم السياسية، بفضل الفرصة التي وفرها لنا هذا البرنامج.”

قال الأمير “خلقت السياسة القديمة سبلاً للناس لتحقيق الحراك الاجتماعي ودراسة ما يحلو لهم، لكن هذه النافذة قد أغلقت الآن.”

وبموجب سياسات المنح الدراسية الحديثة، يُطلب من الطلاب السعوديين عمومًا الدراسة في تخصص مختار من قبل الحكومة والذي يمكن أن يكون محددًا بشكل كبير مثل “إدارة سلسلة التوريد”. قد يضطر الطلاب إلى سداد الأموال للحكومة إذا ما غيروا تخصص دراستهم.

أشار الأمير إلى أنه في الفترة من عام 2005 إلى عام 2015 – فترة حكم الملك عبد الله – تضاعف عدد الجامعات في البلاد، من حوالي 30 إلى أكثر من 60 جامعة، بما في ذلك افتتاح جامعات جديدة في محافظات لم تتواجد فيها جامعة من قبل، بحسب وزارة التعليم. لكن وبينما تتوافر المملكة العربية السعودية على الكثير من الخبرة في البناء ويمكنها بسهولة بناء جامعات جديدة، إلا أن ملء تلك الجامعات بأساتذة مؤهلين كان صعباً في بعض الأحيان، وقد أدت الجامعات الجديدة إلى خلق مشاكل إضافية.

https://www.bue.edu.eg/

قال الأمير”لقد كانت الجامعات في الغالب من الطرق التي تمكنت الحكومة من حل مشكلة البطالة من خلالها عبر توظيف عدد من الناس أكبر من المطلوب، ولا سيما في المناطق الريفية حيث لا توجد وزارات أو وكالات كبيرة. كانت تلك احدى طرق توزيع الثروة على الناس.” وأضاف “الآن، يحاولون جعل الجامعات فعالة. لكن، عليك أن تحل هذه المشكلة بطريقة لا تجعل الناس تفقد وظائفها ومصادر عيشها.”

بالعودة إلى المملكة، أشار ملفي الرشيدي، الأستاذ المشارك بجامعة الملك فيصل في الهفوف، في المنطقة الشرقية من البلاد، إلى الحاجة إلى إدارة التوقعات استجابة للسياسة الجديدة. قال “التحدي الأكبر يكمن في سد الفجوة بين خريجي التعليم العالي واحتياجات سوق العمل، وتطوير التعليم الحكومي وتوجيه الطلاب نحو الخيارات المهنية المناسبة.”

وبينما تدعو رؤية 2030 إلى تغييرات مجتمعية من شأنها منح المرأة مزيدًا من الحرية وتوسيع مشاركتها في القوى العاملة، إلا أنها لم تعالج قضية السماح للنساء بالحصول على منح دراسية في الخارج دون الحاجة إلى موافقة من أحد رجال الأسرة.

على سبيل المثال، قالت طالبة في مجال العلاج الطبيعي تُدعى هاجر، لم ترغب في مشاركة اسمها بالكامل أو المكان الذي تدرس فيه، إنها وبينما كانت نتائج اختباراتها جيدة، إلا إنها لن تتمكن من السفر إلى الخارج في منحة من دون أن يرافقها محرم من أفراد الأسرة الذكور. يضاعف هذا الشرط، على الرغم من عدم تطبيقه دائماً، من تكلفة دراسة المرأة في الخارج، بالإضافة لمطالبتها بالحصول على إذن عائلي للسفر.

قالت “أنا متأكدة، إن شاء الله، سيتم قريبا إزالة هذا الشرط، وأنا أثق تماما بالأمير محمد بن سلمان. عائلتي ستوافق وأنا أتوقع بأن عدداً كبيراً من أفراد الأسر في جدة والرياض والمقاطعة الشرقية لن يعترضوا على ذلك. لكنني متأكدة أيضًا من أن الكثيرين سيعترضون بالطبع.”

كما يبدو الرشيدي متفائلاً بأن السياسة ستتغير. قال “تركز رؤية 2030 على إرساء قيم إيجابية، وبناء هوية مستقلة لشباب بلدنا، وتوفير الفرص التعليمية للجميع. ولذلك، فإن التركيز على تحقيق الشخصية المستقلة وتكافؤ الفرص سيجعل قدرة الفتيات على السفر إلى الخارج في منحة دراسية من دون مرافقة أحد أفراد الأسرة من الذكور أمرًا مؤكدًا. نحن نأمل حقا في تحقيق ذلك في رؤية 2030.”

سيتطلب نجاح رؤية 2030 احداث تغيير ثقافي عميق. فبعد أكثر من عامين، منذ الإعلان عن رؤية 2030 لأول مرة، يقول معظم المراقبين السعوديين إن هناك الكثير ممّا يتوجب القيام به قبل أن يتضح ما إذا كان هذا الإعلان مجرد إعلان عظيم آخر أو مسار حقيقي نحو التقدم.

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى