أخبار وتقارير

باحث أردني يسلط الضوء على العوائد الاقتصادية للاكتشافات الأثرية

عمان- لا يستخدم محمد وهيب، الباحث والمؤرخ ومكتشف موقع المغطس، الذي أُدرج على قوائم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في 2015 وأحد أكثر الاكتشافات قدسية لدى الطوائف المسيحية العالمية بعد مدينتي القدس الشريف وبيت لحم، لغة أكاديمية جافة. إذ أنه يتكلم ببساطة وعفوية وكأنه في سرد دائم لحكايات لا تنتهي. لعل السر يكمن في عمله الطويل في جمع التراث الشفوي والحكايات الشعبيّة في أكثر من مدينة أردنية وما يتطلبه هذا العمل من الحديث مع كبار السنّ والناس البسطاء. وكما ترافقه سيارته أوبل كاديت منذ 25 عاماً في كل رحلاته الاستكشافية إلى يومنا هذا، فإن ابتسامته لا تغيب أيضاً عن وجهه وهو يتحدث بشغفٍ كبير عن عمله لسنوات طويلة في التنقيب والاستكشاف والتوثيق.

قال “التنقيب عن الآثار أمر في غاية الأهمية، وتوثيق عمليات التنقيب والتحقق من طرق الاستكشاف لا يقلان أهمية لدورهما في حفظ الجهود وتعريف المجتمع المحلي والعالمي بها وبالكنوز المكتشفة. هذا جزء أساسي لكتابة التاريخ.”

درس وهيب في الجامعة الأردنيّة لمرحلة البكالوريوس تخصص علم الآثار والتراث سنة 1980، ثم حصل على الماجستير من نفس الجامعة قبل أن ينال الدكتوراه من في جامعة حجة تبة.

أما عن سبب اختياره لهذا التخصص فيقول “لأنّه علمٌ يتعامل مع الأرض والبيئة، أردت دائما العمل في الميدان وعلى الأرض.”

في عام 1996، بدأ وهيب مع فريق بحثي من دائرة الآثار عمليات البحث والتنقيب قرب الحدود الأردنية الفلسطينية. قال “كلّ الدلائل كانت موجودة في النصوص القديمة على أنَّ السيد المسيح عبر نهر الأردنّ.”

أظهرت عمليات المسح في حينها كِسر فخارية متناثرة، بالإضافة إلى قطع فسيفساء، بعدها بوشر بأعمال المجسات الإختبارية بهدف التعرّف على عمق الطبقات الأثرية وظلت عمليات التنقيب والكشف والبحث حتّى 2002، حيث أُعلن عن اكتشاف مكان تعميد السيد المسيح. فيما استمرت عمليات دراسة وتنقيب محيط الموقع بعد ذلك بسنوات. في عام 2014، زار البابا فرنسيس المغطس رسمياً. كما تم الكشف عن كنائس في المنطقة على الضفة الشرقيّة للنهر، ومغاور وكهوف للرهبان ولوحات فسيفسائيّة باللغة اليونانيّة تدل على دروب الحج المسيحي هبوطاً من القدس إلى موقع عُماد السيد المسيح.

قال وهيب “وجدنا إرثاً حضارياً ضخماً.”

وعلى الرغم من أهمية اكتشاف المغطس والصدى الدولي الذي حصده، إلا أن لوهيب إنجازات أخرى لا تقل أهمية مثل تتبع وتوثيق عمليات اكتشاف الطائر المعروف في الأوساط العلميّة باسم Arambourgiania philadelphiae الذي عاش في العصر الماسترختي (قبل 65-70 مليون سنة) وتم اكتشافه في عام 1942 في أحد مناجم شركة الفوسفات الأردنيّة.

قال “كان هناك معلومات مغلوطة تقول إن عاملاً في سكك حديد الحجاز وجد عظام هذا الطائر، لكنني تتبعت وفريقي عملية الاكتشاف وأجرينا الكثير من اللقاءات وراجعنا الكثير من الوثائق لنكشف أن عاملاً في مناجم الفوسفات بالرصيفة كان أوّل من وجد العظام. فالكشف تمّ في باطن الأرض وليس على سطحها.  كما تمكنا من تحديد مكان اكتشاف العظام وتواجدها الآن.”

يحرص وهيب على توثيق عمليات بحثه واكتشافاته في كتب. قال عبد العزيز الهويدي، الباحث في الأنثروبولوجيا وأستاذ التاريخ في جامعة آل البيت، “يعمل وهيب ضمن “مسارات”، حيث يتناول بقعة جغرافية محددة ويجري عليها أبحاثه ضمن الحقب التاريخيّة التي مرّت عليها منذ القديم وحتى اليوم لتشمل الكثير من الجوانب ثم يوثقها في كتب وليس فقط في تقارير بحثية ليضمن سهولة وصول المهتمين وإطلاع الناس عليها. كما يحاول مع المؤسسات الحكوميّة خلق مبادرات لتوظيف الاكتشافات في المجالات السياحيّة والثقافيّة.”

وهيب وفريقه البحثي.

يعتقد وهيب أن الاكتشافات الأثرية مهمّة للأردن شريطة معرفة كيفية الاستفادة منها. قال “تقدم الاكتشافات الأثرية إيرادات كبيرة يمكنها دعم اقتصاد المملكة. لكن مع الأسف، لايتم توظيفها بطريقة فعالة ومجدية.”

فعلى سبيل المثال، بلغ عدد زوار موقع المغطس العام الماضي 104 ألف زائر مقارنة مع 81 في عام 2016 بحسب إحصائية لوزارة السياحة.

قال وهيب “يمكننا القول إن هناك اقتصاد خاص بالاكتشافات الأثرية، وهذا الاقتصاد يحتاج إلى دراسة وتخطيط وتسويق ليحقق التنمية المطلوبة.”

ينتقد البعض عمل وهيب في توثيق اكتشاف الطائر ويرون أنه يتعدى على عمل الجيولوجيين. لكن الهويدي يعتقد أن هذا الانتقاد ليس في محله.

قال “مع الأسف، لا يوجد لدينا تعاون بين الباحثين في مجالات مختلفة وبالتالي لا يمكن نكران جهود وهيب الإستكشافية فقط لكونه غير جيولوجي. في النهاية، الآثار والتاريخ علوم مفتوحة على مختلف التخصصات.”

حتى اليوم، يمول وهيب غالبية أعماله البحثية الميدانية بنفسه. إذ شكل فريقاً من ثلاثة شبان من خريجي كليّة الملكة رانيا للسياحة والآثار في الجامعة الهاشميّة حيث يعمل كأستاذ منذ أكثر من 16 عاماً.

قال “أخصص من راتبي 500 دينار شهرياً (نحو 700 دولار) لدعم جهود التنقيب والبحث، في حين نحصل على دعم لوجستي فقط من الجامعة.”

يسعى وهيب كما يقول إلى “خلق فريق من الكفاءات المحليّة قادر على الاكتشاف والتنقيب وإدراج المواقع على قائمة التراث العالميّ(…) أتبع منهج تدريب الخريجين وتحويلهم لباحثين يقودوا مشاريع تنقيب في المستقبل بصورة مستقلة.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى